التاريخ والنسق الكوني البديهي

1456 2016-05-28

التاريخ ؛ هو وثائق خيارات ما يصدر عن الانسان بالنسبة للنسق الكوني:

قال الله تعالى : (قُلْ مَنْ رَبُّ السَّمَاوَاتِ السَّبْعِ وَرَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ)( 1).

نجد من المسلمات البديهية ان في الكون نوعين من المخلوقات : نوع محكوم تابع مطيع وهي مصاديق الكائنات الارضية والسماوية ، ونوع نوع حاكم مهيمن نافذ مستطيل هي مصاديق حملة العرش العظيم.

وهذا يؤيده قوله تعالى المتكرر في القران الكريم اكثر من مرة : (اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ...)( 2)

فحركة المخلوقات وخيارات افعالها ان كان لها خيار تقع بين انماطها الستة( المظروفات الزمكانية المحتوية للكائنات) وبين حملة العرش العظيم الثمانية ( 3) التي تهيمن على المخلوقات الاخرى بشكل سنن كونية حسنة بديهية لا يفلت من حاكميتها وهيمنتها واستطالتها مخلوق .

اذن فالكون بين انماطه الخلقية المحدودة وسننه الكونية المحدودة ايضا  يجري وفق نسق كوني محدود ايضا فكل شيء يجري بقدر في هذا الكون: { إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ} [القمر: 49]، والإنسان الكائن الوحيد الذي يستطيع ولو بحيز محدود و بجزء من كيانه وهو العقل ان يخرج عن ذلك النسق  لان في العقل حيز للحرية في خيار فعله ؛ فاذا تطابق ذلك الخيار مع النسق الكوني فهو فعل حسن وامثاله حسنات والفاعل محسن ، وان خالفه وشذ عن النسق الكوني فهو نشاز ونقول عنه انه سوء  وامثاله سيئات والفاعي مسيء.

ان الايام الستة التي خلق الله تعالى فيها الخلق، هي الانماط المتمايزة  الستة للكائنات كما نراها ، او هي المظروفات الزمكانية  السارية في الحركات النمطية المتلاحقة الستة التي توزعت  فيها المخلوقات هي)1) الطاقة ، و(2)الكتلة ، و(3)المادة ، و(4)الحياة ، و(5)العقل، و(6)النبوة.

اما السنن الكونية البديهية الحاكمة الثمانية فهي:

الزمكان، والرحمة الواسعة ، والطاعة ، والحق والعدل، والامامة، والموت، والبلاء والوحدانية... ويمكن الاطلاع باختصار شديد على معاني السنن فيما يلي:

1 – الوحدانية: هي اصلا تعبير عن مربوبية الكائنات لخالق واحد ، وهي واضحة ومشخصة وبارزة في ان كل الكائنات في هذا الكون تتميز: بوحدة الانماط الخلقية ، ووحدة السنن النافذة فيها،  ووحدة الثوابت الكونية المتحكمة في نواميسها. 

فالوحدانية سنة حسنة كونية بديهية. وفي هذا نجد النص السماوي يتطابق مع الواقع تماما ؛ فان هناك ستة انماط ثابتة موحدة تجتمع فيها الكائنات لا غير ، اشارة الى ايام الخلق الستة. وهناك ثمان سنن موحدة نافذة فيها لا غير ، وهنا ايضا تطابق تام بين الواقع و النص السماوي لنافذ عرش الله تعالى ؛ اشارة لحاملي العرش الثمانية: (وَالْمَلَكُ عَلَى أَرْجَائِهَا وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمَانِيَةٌ )( 4). وهناك ارقام موحدة ومقدرة بدقة وثبات تسير النواميس الكونية يسمونها الثوابت الكونية، فالوحدانية سنة كونية نافذة تحكم الموجودات كلها. والايمان بها اصل من اصول الدين

2- العدل: كل كائن موجود انما قائم بالحق ويسري بالعدل.

 فالحق : هو مواقع الصدق القائمة ضمن نظام حي وقائم ودائم في كيان كل موجود ، تلك المواقع التي نعرّفها كنسب وتناسب بين المعاني او بين المعاني والعلل ، اما العدل  فهو سريان الموجود قائما باقيا طبقا لتلك النسب القائمة كنظام قائم في كيانه. فالعدل والحق سنة كونية ، والإيمان بهما اصل من اصول الدين.

3- الطاعة : كون الكائن ( اي كائن)، في وجوده عبارة عن استجابته لنظام كونه ، لذا فان وجوده وكونه تعبيرا عن طاعته. ولا يمكن على الاطلاق ان يوجد موجود لا يستجيب لنظام وجوده. ووجودنا في ميزتنا كبشر وكمسلمين يجب ان يكون استجابة لنظام ملتنا .. ونظام الملة هو طاعة المعصوم كما سيأتي تفصيله انشاء الله.

         فالطاعة سنة كونية نافذة ، تتجلى في مصاديق الانسان في احسن صورها في طاعة المعصوم نبيا او امام  ومولاته ، ولذا تعتبر الولاية اصل من اصول الدين ، يتحقق عند المسلمين في نظام الملة الذي سنفصل البحث فيه انشاء الله تعالى في اثار ترك العمل بهذه السنة، فليست للطاعة معنى دون الولاية الكونية ولذا قال تعالى: ((لا يتخذ المؤمنون الكافرين اولياء من دون المؤمنين ومن يفعل ذلك فليس من الله في شيء الا ان تتقوا منهم تقاة ويحذركم الله نفسه والى الله المصير)(5 ).

فمن خرج عن طاعة النبي واولي الامر الى طاعة غيرهم فهو خارج على النسق وقد فسق وخرج عن طاعة الله ورسوله.

 وقال تعالى:( (يا ايها الذين امنوا لا تتخذوا عدوي وعدوكم اولياء تلقون اليهم بالمودة وقد كفروا بما جاءكم من الحق يخرجون الرسول واياكم ان تؤمنوا بالله ربكم ان كنتم خرجتم جهادا في سبيلي وابتغاء مرضاتي تسرون اليهم بالمودة وانا اعلم بما اخفيتم وما اعلنتم ومن يفعله منكم فقد ضل سواء السبيل)( 6). 

سواء السبيل هو النسق والخروج عنه عار ونشاز وقبح وذنب يوثقه التاريخ عارا اذا كان يمس المجتمع ، وهذا ما فعله ابناء حزب فتيات قريش عندما انقلبوا على وصايا نبيهم في السقيفة وبان العار وشاع نتنه في المملكة الوراثية الاموية.

وما فعلته المملكة الاموية في تاريخ الامة:

1- فقد استبحيت مدينة رسول الله صلى الله عليه واله وقتل 750 من الصحابة وافتضت الف باكر من بناتها سفاحا .

2- هدمت الكعبة واستبيح المسجد الحرام بالدم الحرام 

3- وقد تم قتل ابناء رسول الله صلى الله عليه واله الاول بالسم والثني بالذبح  وسبيت بنات الرسول صلى الله عليه واله واخذن سبايا هديا الى ابناء الباغيات من حزب ابناء فتيات قريش المشهورات ، في حين نحن نعلم ان لا يخرج الناس من الظلمات الى النور الا بالطاعة للولاية الكونية.

قال تعالى: ((الله ولي الذين امنوا يخرجهم من الظلمات الى النور والذين كفروا اولياؤهم الطاغوت يخرجونهم من النور الى الظلمات اولئك اصحاب النار هم فيها خالدون)( 7).

4- المعاد الجسماني في الحياة الاخرى: لكل كائن اجل تنتهي عنده حياته ، ولا يمكن لأي كائن ان يفلت من الموت ، لذا فالموت سنة كونية. وما يترتب على الموت الايمان بحياة اخرى ابدية وهو اصل من اصول الدين.

5- تتعارض حركة الانماط ونفاذ السنن في كل الكائنات فهي دوما في حال مبتلية ومبتلى بها في كل ان من انات كونها ووجودها. فالبلاء سنة كونية، والصبر عند البشر وسيلة لتجاوز البلاء فهو اصل الايمان . وهكذا يتقرر في التشريع ايضا : (الصبر من الايمان بمنزلة الرأس من الجسد ، فمن لا صبر له لا إيمان له )( 8).

6- كل القوى الفاعلة في كون الكائنات هي من صفة الرحمة ، فالرحمة سنة كونية والرحمة كتاب الله على نفسه( 9). ولو كانت القوى الكونية من صفة القسوة او التنافر لما كان هناك وجود على الاطلاق.

 فالرحمة علة الوجود والموجودات والرسالات السماوية غاية الرحمة ومنتهاها : فالنبوة اصل من اصول الدين.

7- السريان النمطي صفة الكون فكل الكائنات في حركة نمطية مستمرة الى حيث الكمال، فالسريان سنة كونية. والايمان بالرجوع الى الله تعالى اصل من اصول الدين، ولا قوة غير قوة الله تعالى تحكم هذا السريان. فالايمان : بلا حول ولا قوة الا بالله وانا لله وانا اليه راجعون  اساس رقيب ومقوم وموجه لخيارات الفعل الحسن واساس من اسس الدين.

8- الامامة: كل الكائنات لابد لها من ميزة كمال تشير الى حسن وجوده وكونه ؛ تلك الميزة الحسنة هي علة وجودها ، ميزة الحسن تلك هي الامامة ، فالإمامة سنة كونية. والاعتقاد بها اصل من اصول الدين.

ولان هذه السنة( سنة الامامة ) موضوع بحثنا في هذا الكتاب ، فلنعرج على تجمع ميزات الحسن الكوني في الامام فيما يراه الناس مدحا عندما تشخص صفات الامام المعصوم ؟!

يعرف الحسن المضموني بأنه ؛ كل حركة كونية صاعدة للكمال.

 ولذا فان بلغت الحركة تمام كمال المخلوقات في نمطها السادس ؛ فهو الامام الحق ، وعليه فان كل معاني الحسن الجاذبة المسرة نجدها في الامام ، وعندما يشار الى تلك المعاني من صفات الامام يظن البعض ان تلك الاشارات هي مدح ، بل هي تشخيص لحقائق الكمال في خلقة الامام الحق، ونحن ننشدها وننجذب اليها جبلة في فطرة الناس الاسوياء ميلهم الى الحسن والكمال وسعيهم اليهما لسببين:

الاول- هو ان الامام انما هو نافذ سنة كونية في غايتها، وهذا يعني ان حقيقته كغاية لحركة الكون، ولذا عرفّت الامامة الحق على انها؛ ميزة الحسن في الكائن، ثم ان الامام هو خلق في نمطه السادس؛ اي انه: كمال ارادة الله تعالى في الكون حيث اراد تعالى ان تكون ستة انماط : ( لَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ الرَّحْمَنُ فَاسْأَلْ بِهِ خَبِيرًا)( 10).

 فالامام المعصوم في ذاته وكيانه يجسد التقاءً للكمالات كلها. كمال السنن الكونية النافذة وكمال حركة انماط الخلق الستة.

الثاني: ان الامام المعصوم بما هو نافذ سنة كونية حسنة وبدهية ، فهو حقيقة قائمة ليست عارية مستعارة، فكان اسوة حسنة وقدوة حاضرة ، وسيرة قائمة زمانا ومكانا، امر الله تعالى البشر بالاقتداء والتأسي به ضمانا لنافذ مشيئته وحصانة من الضلال.

وعليه فعندما يصف الله تعالى المعصوم في كتابه العزيز، او عندما يصف المعصوم نفسه، او عندما يصف المعصوم المعصوم الاخر، نظنه نحن الناس ان هذا الوصف مدحا لان الاشارات المعصومة للمعصوم؛ انما هي تعامل مع ميزات الحسن التامة ومعاني الكمال الراسخة في غاياتها، وبالحقيقة انما هو يعطي درسا تشخيصيا في علم متميز ممتاز لم يالفه الناس، وهو علم الكمال والجمال حينما يتجسد في المخلوقات الكائنة من السلالات المختارة لامامة الناس في طريق الهداية الكبرى وجادة الاحسان اللا محدود.

وعندما يعتدى على مصداق السنة الكونية النافذة وهم الائمة المعصومين علي والحسن و الحسين عليهم السلام  وذريته من المعصومين، والتاريخ كما قلنا هو الوثائق المسجلة بقياس النسق الكوني، فانه اختراق لمعاني النسق وعدوان عليه لانها خيارات مخالفة لارادة الله تعالى.

هذا كلام علمي ليس فيه نفس طائفي لعل الله يفتح العيون المعصوبة بالطائفية والجهل والحقد. لترى ان الشيعة عندما يشاركون في مراسم شعائر الحسين لا يبالغون ولا يغالون فيما يأتون انما هم يندبون حال نشاز جاءت نتيجة لخيار اشرار اخترقت كل السنن الحسنة  البديهية ، وليمحون عارا وشنارا تسبب به ابناء فتيات قريش ومن امثالهم ممن استن بسنتهم في وراثة الحكم باسم الرسالة المحمدية خاتمة الرسالات.

 

هوامش البحث:

1  ) المؤمنون 86.

2  ) السجدة – 4، والفرقان-  59،  والحديد -4 ، يونس 2 ، 

3  ) قال الله تعالى توكيد لمعاني السنن الكونية الحاكمة في الكائنات : وَالْمَلَكُ عَلَى أَرْجَائِهَا وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمَانِيَةٌ (17)

4  ) الحاقة – 17.

5  ) آل عمران - 28

6  ) الممتحنة - 1

7  ) البقرة -257

8  ) ابن حجر العسقلاني ؛ أحمد بن علي بن محمد ، ( تلخيص الحبير في تخريج أحاديث الرافعي الكبير) دار الكتب العلمية ، الطبعة : الطبعة الأولى 1419هـ .1989م ، وعن النبي صلى الله عليه واله : سنن النبى الاكرم (ص ) (26/  3).

9  ) قال الله تعالى: (قُلْ لِمَنْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ قُلْ لِلَّهِ كَتَبَ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ لَيَجْمَعَنَّكُمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لَا رَيْبَ فِيهِ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ فَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ (الانعام -12).

10 ) الفرقان- 59.

 

 

التعليقات
تغيير الرمز
تعليقات فيسبوك