يوم الغدير ورزية الخميس

1722 2016-09-17

لم يختلف الناس في شخص كما اختلفوا في شخصية الامام علي بن ابي طالب عليه السلام فمنهم من احبه لدرجة الجنون ومنهم من ابغضه لدرجة الجنون. وقد قال الامام نفسه عن هؤلاء "هلك فيّ اثنان محب غال ومبغض قال" اي ان المحب والمبغض في النار لانهم لم يعرفوا كيف يتعاملون مع هذه الشخصية العظيمة التي تعتبر اعظم شخصية في التاريخ بعد رسول الله محمد صلى الله عليه وآله. فبعضهم احبه ومجده وخلده واعتبره الها وقد قتلهم عليا اشد قتلة، وبعضهم كره عليا لدرجة تفضيل معاوية عليه وقد قاتلهم عليا في عدة معارك ولولا الغدر والمكر لما بقي منهم احد.

في عودة للتاريخ نجد ان الاختلاف في شخصية علي قد بدأ منذ صباه حين كان النبي محمد يحبه ويقربه على الاخرين حين دب الحسد والبغض في قلوب المنافقين وارادوا النيل منه او الاستحواذ على المكانة التي حصل عليها فاتجهوا الى مصاهرة النبي حيث خطبوا ابنته فاطمة اكثر من مرة والنبي يرفض لانه "لولا وجود علي لما كان هناك كفء لفاطمة" فازداد الحقد والحسد على علي بن ابي طالب اكثر فاكثر والمؤامرات تحاك من قبل بعض الصحابة، حيث يذكر أنهم كثيرا ماكانوا يحاولون النيل من علي والتقليل من شأنه حسدا وبغضا الا ان النبي كان صارما معهم ولا يرضى ان يتكلم احد عن علي بسوء، فيروى انهم اشتكوا الى النبي من علي ذات مرة، فبدا الألم على وجه النبي، وقال: "ما تريدون من علي؟ ما تريدون من علي؟ ما تريدون من علي؟ علي مني وأنا منه، وهو ولي كل مؤمن بعدي".

يقول احمد بن حنبل : "ما جاء لاحد من الفضائل ما جاء لعلي"

كان النبي يحب عليا ويقربه وقد زوجه ابنته فجعل الله له الذرية من علي والاية الكريمة "انا اعطيناك الكوثر" تشير الى كثرة النسل كما في بعض التفاسير فجعل الله تعالى نسل محمد من علي.

 ولم يتورع المنافقون او يقفوا عند حد حتى وصل حقدهم ذروته حين اوصى النبي لعلي بالخلافة في يوم الغدير المشهور الذي بلغ به الرسول رسالته كاملة " يا ايها الرسول بلغ ما انزل اليك من ربك وان لم تفعل فما بلغت رسالته والله يعصمك من الناس"المائدة67.

ان حديث الغدير هو اكبر مصداق على حكمة النبي ودراسته لمجتمعه حيث انه كان يتوقع ان يدب الخلاف بين المسلمين بعده حول منصب الخلافة لانه كان يعلم - بتعليم ربه - ان بعض المنافقين الذين لم يدخلوا الاسلام الا للمصالح الخاصة وهو فعلا ما حدث في رزية الخميس التي حيكت فيها المؤامرة الكبرى على الاسلام وعلى الرسالة المحمدية حين ترك (الصحابة) رسول الله وهو في الرمق الاخير وراحوا يتقاسمون الحصص ويوزعون المناصب واهمها منصب خليفة الرسول ولم يهتموا بما اوصاهم به (ص) في يوم الغدير وفي يوم قائض بعد عودتهم من الحج حين اوقفهم ومعهم الالاف ليوصيهم بان علي بن ابي طالب هو الخليفة من بعده وهو الوصي وهو ولي كل مؤمن ومؤمنة. والقصة تقول ان النبي قال بعد حجة الوداع في حشد ضخم من المسلمين بعد ان اخذ بيد علي بن ابي طالب - كي لا يقال انه علي آخر- " من كنت مولاه فعلي مولاه، اللهم وال من والاه وعاد من عاداه، واخذل من خذله وادر الحق معه حيث دار، الا فليبلغ الشاهد الغائب".

 ورغم وضوح هذا الحديث وتجلي معانيه للعدو قبل الصديق الا ان بعض الكتاب والمفكرين قالوا ان محمدا احب استخلاف علي حقا لكنه لم يعلن ذلك صراحة. وبعضهم حاولوا ان يحرفوا مساره ويدسوا السم بالعسل كما هو في اغلب  كلامهم عن اهل البيت، فيقول الدكتور علي الوردي في كتابه وعاظ السلاطين ص189 " المظنون ان النبي اراد بهذا التصريح ان يمهد لعلي وان يحببه الى الناس وان يدعوهم الى انتخابه من بعده. فهذا التصريح هو بمثابة ترشيح لا تعيين. وهناك فرق كبير بين مفهوم الترشيح ومفهوم التعيين في نظر الناس". ولعمري كيف يمكن لكاتب مهم وعالم اجتماع ان يقول مثل هذا الكلام وهو ينطوي على استخفاف مبطن بحكمة النبي وعقله والوحي الذي يكلمه، فهل ايقاف عشرات الآلاف من المسلمين في يوم قائض والتعب اخذ منهم ماخذا ليقول لهم احبوا عليا!! اعتقد انك جانبت الحقيقة يا دكتور. فهل من المعقول ان يترك النبي الامة تتصارع وتتجادل - كما حدث- وهو من لا ينطق عن الهوى! بل من المستحيل ان يجعل امر الخلافة الاسلامية بيد الناس البسطاء ليقرروا امر خليفة الله وهم لما يفهموا الاسلام بعد ولم يدركوا مضامينه وافكاره وقيمه، ولا يمكن ان يتصور عاقل ان يترك النبي امته فوضى من بعده من غير وصية او كتاب او نصيحة على اقل التقادير وهو من لم يغادر الدينة المنورة ابدا دون ان يعين لها من يدير شوؤن المسلمين فيها!.

اما حديث " الخميس" او كما يسميها الشيعة رزية الخميس الذي يرويه البخاري وياتي به اهل السنة على ان النبي لم يعين احدا فهو ايضا مصداق لخلافة علي للنبي فيقول البخاري" انه لما حضرت رسول الله الوفاة، وفي البيت رجال، قال النبي: "هلم اكتب لكم كتابا لا تضلوا بعده". فقال عمر : " ان النبي قد غلب عليه الوجع وعندكم القران حسبنا كتاب الله". فاختلف اهل البيت واختصموا. منهم من يقول" قربوا يكتب لكم النبي كتابا لن تضلوا بعده" ومنهم من يقول ما قال عمر. فلما اكثروا اللغو والاختلاف عند النبي قال النبي : "قوموا" فكان ابن عباس يقول : "الرزية ما حال بين رسول الله وبين ان يكتب لهم ذلك الكتاب من اختلافهم ولغطهم". حيث يعتقد ان النبي رغم ذلك قال لمن بقي عنده ان عليا هو الوصي من بعدي وهو خليفتي ولا يجوز ان يكون احد غيره.

ولم تكن تلك اول ولا اخر مخالفة لكلام وتوجيهات الرسول حيث انهم خالفوا وصاياه في معركة احد ومعركة حنين وفي فتح مكة وفي جيش اسمة بن زيد وغيرها.

يقول ابن ابي الحديد ان عمر تحدث الى ابن عباس حول حادث "الخميس" فقال: " لقد اراد رسول الله في مرضه ان يصرّح باسم علي فمنعت من ذلك حيطة على الاسلام". فاي حيطة عملها عمر وقد تلاقفت بنو امية الخلافة تلاقف الكرة وصارت وراثة للزنادقة وشذاذ الافاق ومربي القرود. والله تعالى يقول " انما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهو راكعون"المائدة55-56. فهل كان معاوية مؤمنا بالله وهو يقول قاتلتكم لاتأمر عليكم، ام ان يزيد ابنه كان مصليا وهو يقول رمضان ولى هاتها يا ساقي مشتاقة تسعى الى مشتاق، ام ان هشام او الوليد او عبد الملك وهلم جرا من الاغبياء العتاة الجهلاء الذين لعبوا بالاسلام كما يلعب بالكرة كانوا يؤتون الزكاة وهم راكعون !

الشيعة يؤمنون بان النبي اوصى بالخلافة من بعده لعلي على شكل جلي وبائن ولا مجال للجدال فيه. اما السنة فيؤمنون بان النبي لم يوص لاحد بالخلافة بل تركها شورى يختار الناس لها من يريدون.

وبين حديث الغدير الشهير ورزية الخميس وما بينهما من احداث يتضح جليا اين الحقيقة، ومن هو الاحق بالخلافة ومن هو الامام المفترض الطاعة.

التعليقات
تغيير الرمز
تعليقات فيسبوك