الحشد الشعبي.. نظرة عربية


الكاتبة السورية/ غانيا درغام

وطن ينجب الأبطال لا مكان فيه للطغاة والإرهاب، هذا ما أكده العراقيون الشرفاء بتفاعلهم الحق مع فتوى الجهاد الكفائي التي أطلقتها المرجعية الدينية المتمثلة بالسيد السيستاني بالنجف الأشرف في حزيران عام 2014م، التي كان مفادها تفعيل وتوحيد القوى الشعبية العراقية بالحشد الشعبي ضد الإرهاب الممنهج الذي تعرض له العراق من قبل العصابات الإرهابية المنضوية تحت لواء تنظيم \داعش\ المدرج على لائحة الارهاب الدولية، إضافة للدول المعادية التي تمول وتدعم الارهاب سعياً لتحقيق مصالحها.

ان المرجعية الدينية في العراق استندت برؤيتها الى جملة معطيات لإصدار هكذا فتوى كان أهمها:

- الواقع الذي كانت تعيشه المؤسسة العسكرية العراقية، من حيث تعدد الولاءات وانتشار الفساد، وضعف او غياب العقيدة القتالية، يجعل من غير الصحيح التعويل عليها بالكامل لخوض معارك غير تقليدية في ظل ظروف صعبة ومعقدة، ومع عدو مستميت، لذلك لا بد من اشراك الحالة الشعبية \الجماهيرية\ في الحرب ضد \داعش\.

- عدم وضع حد لتنظيم داعش، وكبح جماحه بشكل سريع سيؤدي الى تقدمه وتمدده، بحيث يصعب في مراحل لاحقة مواجهته والتغلب عليه، خصوصا حينما يصل الى العاصمة بغداد والمدن المقدسة. 

- ينبغي ان لا يقتصر الدفاع عن مكوَّن معين وعدم الدفاع عن مكوَّن آخر، ولا عن مدينة دون اخرى، بمعنى انه لابد ان ينظر الى العراق والعراقيين الذين يستهدفهم تنظيم داعش بنظرة واحدة، اذ على الشيعي ان يقاتل لحماية السني والكردي والتركماني والمسيحي والايزيدي والشبكي على حد سواء، وهكذا بالنسبة للمكونات الاخرى.

- العراقيون هم اولى بالدفاع عن بلدهم من الآخرين، ومن الخطأ الاعتماد والتعويل على القوى الخارجية، والتصديق بشعاراتها وادعاءاتها، لاسيما تلك التي تحوم حولها الشبهات بدعم وتمويل الارهاب.

-ان مخططات داعش لا تقتصر على العراق فحسب، لذا فأن عدم تطويقه ومحاصرته وضربه بقوة وسرعة في العراق ستفضي الى استفحاله ووصوله الى بلدان اخرى، مما يعني مزيدا من المآسي والويلات، والكوارث والازمات.

وقد أصدر المرجع الديني السيستاني توجيهات دينية تنظم علاقة وتعامل الحشد الشعبي مع أهالي المناطق المحررة من تنظيم داعش الارهابي بالعراق، وقد تضمنت التوجيهات 20 نقطة أبرز ما جاء فيها حث منتسبي الحشد الشعبي على التعامل بالأخلاق الإسلامية وعدم التعرض للناس أو أهالي المنتمين لداعش \في المناطق المحررة\ بأي أذى أو اضطهاد، وعدم إيذاء الكبار بالسن والأطفال والنساء وعدم قطع أي شجرة إلا أن يضطروا إلى قطعها وكذلك معاملة غير المسلمين معاملة حسنة وعدم المساس بهم. 

الدفاع عن الشعب والأرض وحماية المقدسات الدينية هو القوة الحقيقة التي شيدت الصمود العراقي بالحشد الشعبي الذي يضم قوات شبه عسكرية عراقية مدعومة من الحكومة ومؤلفة من حوالي 67 فصيلاً ، صموده الذي أنهك العدوان الارهابي وكبد مرتزقة السياسات الواهمة العديد من خسائر القتلى والأرواح، كما تم صهر التفرقة الطائفية في بوتقة الحشد الشعبي لتتوجه حمم بطولاته في اتجاه واحد ضد الإرهاب، وبالتالي التفعيل الشعبي المقاوم كان عكس ظن القوى المعادية حيث احتشد المتطوعون إثر الفتوى لتكوين قوة ردع ضد المنهجية الارهابية التي تعيث فساداً وانتهاكاً للانسانية والمقدسات الدينية، والتي وصلت خلالها المجموعات الارهابية المرتزقة إلى الموصل مع عدة مناطق عراقية أخرى الأمر الذي كان جديراً بإطلاق ما لم يكن في الحسبان الارهابي وهو التعاضد بين القوى الشعبية من جميع محافظات العراق، والتحام جميع الطوائف في خندق الدفاع والممانعة.

وقد أعرب عن عقيدته المتطوع ف. الكناني المقاتل في صفوف الحشد الشعبي بمحور عمليات سامراء خلال إجابة على سؤال: \كيف كان تأثير الفتوى في ذاتك، وما هو الدافع الذي حرك نضالك في تلبية نداء الوطن\؟، بقوله: بعد دخول تنظيم داعش الارهابي الى العراق في 13 حزيران 2014 وتمكنه من اسقاط عدة محافظات بالتزامن مع دق الخطر على المقدسات والأضرحة الدينية في سامراء اصدرت المرجعية الدينية في النجف الاشرف فتوى الجهاد الكفائي ثم تم الاعلان عن تشكيل السرايا التي كانت مهمتها حماية العراق ومقدساته فهب الشباب للدفاع عن العراق والمقدسات، وكانت تلك أجمل لحظة في حياتي وهي بمثابة فتح باب من أبواب الجنة لنا، اذ ان القتال في سبيل الله والوطن لا يناله الا ذو حظ عظيم، اما الدافع الذي شجعني للدفاع عن الوطن، فهذا ارضي واني شربت من ماء الفرات واكلت من خيرات الوطن فكيف لا ادافع عن اطهر بقعة في العالم؟\.

سألنا المتطوّع في قوى الحشد الشعبي م. صادق \اثناء تنفيذ المهمات العسكرية والميدانية ما الذي يدفعك للمضي باجتثاث الارهاب رغم الوضع الدامي؟\ فقال: الذي يدفعني للمضي قدماً في تحرير الوطن ودحر الارهاب عنه هو العقيدة التي نتمتع بها والتي تحارب عقيدة الارهاب الفاسدة التي تدعي الدين وتستتر به لكنها تشوه صورة الاسلام المحمدي، وبالتالي يدفعني الواجب الوطني والإنساني لتخليص العراق من دنس الارهاب...\

إن امتداد عقيدة الدفاع عن الوطن ومقدساته بين بلدان تعاني من ذات الارهاب والممارسات الاستعمارية، ليس إلا تأكيد أن قوى الحشد الشعبي العراقي هي الحق الذي يدافع عن وطنه بمنهجية الوطن والإنسان وبكل ما يتعلق بحقوقه في الحياة، وليس كما تفعل القوى الارهابية العالمية \السياسية والميدانية\ فتلك القوى تقوم على منهجية التعدي على حقوق بلاد وشعوب آمنة تتمتع باستقلالية وطنية وحدود تاريخية.

يذكر أن وزارة الدفاع العراقية كانت قد أوضحت بأن قوات الحشد الشعبي منضبطة وتعمل بإمرة القيادات الأمنية العراقية، كما طرح قانون هيأة الحشد الشعبي للتصويت عليه بمجلس النواب حيث أقر القانون رسمياً، وصادق عليه رئيس جمهورية العراق استناداً إلى أحكام البند \أولا\ من المادة \61\، والبند \ثالثاً\ من المادة \73\ من الدستور.

برغم ما تعرض له الحشد الشعبي من محاولات طعن وترهيب لمنهجيته من قبل بعض القوى والممارسات غير المنضبطة إلا أنه مستمر في مقاومته حاملاً شهادته بيد وزناده باليد الأخرى، مباركاً وطنه بأرواح الأباة الذين لن يردعهم إرهاب ولا دماء عن حماية وطنهم ومقدساتهم.

 

التعليقات
تغيير الرمز
تعليقات فيسبوك