استهداف الارهاب للنساء في سورية والعراق.. تمزيقٌ للمجتمع


غانيا درغام/ كاتبة سوريّة

 

المرأة عنفوان الروح ونبع العاطفة، احتضان الفكر والعقل بين خلايا لا تمل العطاء، فهي البنية الأساسية لتطور المجتمع، سيما أنها مربية الأجيال وشطر النفس الإنسانية ووعاء الجنس البشري، بالتالي هي ركيزة تربوية أساسية لانطلاق الأجيال وتعليمها..

ولأن السياسات الدولية التي صنعت الارهاب وضخته في سورية والعراق ملمة بما تريده من أهداف معادية للمجتمعات التي تستهدف مناطقها كان لابد من إدراج المرأة في أجندة ممارساتها الإرهابية من أجل زعزعة المجتمع وجعله في حالة عدم توازن تربوي نفسي ليشتد ضعفه وعدم قدرته على الممانعة في وجهها وتصديه لها.

لم يكتفي الإرهاب في سورية والعراق من انتهاكات "بنوية، سياسية، ميدانية، اقتصادية" بل استهدف أيضاً انتهاكات اجتماعية بجرائمه التي نفذها بحق المرأة، من "قتل، تعذيب، اغتصاب، خطف، تشريد، جهاد النكاح، تقطيع، سبي، وإعدام"، فقد ذكرت وزارة حقوق الانسان العراقية أن عناصر داعش في مدينة الفلوجة قاموا بقتل مجموعة من النساء يقدر عددهن بنحو 150 امرأة وقد جرى دفنهن في مقبرتين جماعيتين إحداها في منطقة الزغاريد والثانية في ناحية الصقلاوية، لأنهن رفضن ممارسة ما يعرف بجهاد النكاح، كما أعدمت النساء المتعلمات في المناطق التي تقع تحت سيطرة الإرهابيين في العراق.

صحوة للمغرّرين

يروي أحد الذين كانوا يمدّون المسلحين بالطعام ويؤمّنون لهم المسكن في سورية أنه في إحدى المرات التي كان يجلب فيها بعض طعام العشاء إلى منزل صديقه الذي يأوي فيه عدد من المسلحين وتناول معهم وجبة العشاء، بعد انتهائهم من الطعام رأى المسلحين يدخلون إلى غرفة زوجة صديقه المضيف واحداً تلو الآخر، فسأل صديقه ما الذي يجري فأجابه صديقه أن زوجته تمارس جهاد النكاح، فخرج الرجل من منزل صديقه واتجه مسرعاً إلى منزله أخذ زوجته وبناته ثم هرب في منتصف الليل خوفاً من توجه الإرهابيين إلى منزله بعد فترة استضافة صديقه لهم، واصفاً أولئك أنهم إرهابيين ولا علاقة لهم بالجهاد، وتحدث عما رآه لكل من يعرفه كي لا يُغرر بهم بحسب اعتقاده..

التحرّش بالأطفال.. ومواقع الكترونية لبيع السبايا

"أم محمد" التي كانت تسكن مع عائلتها في إحدى المناطق التي سيطر عليها الإرهابيون في مدينة حلب بسورية قالت متحدثة عن معاناتها "كانت حياتنا مرهونة بالإرهاب، لم نخاف الموت بقدر خوفنا على أنفسنا وعلى أطفالنا من التحرش والاغتصاب الذي يهددنا في كل لحظة، ففي الطرقات يتربص الارهابيون بنا وعندما كانت بناتنا الصغيرات يخرجن لشراء شيء كُن يتعرضنَ للتحرش رغم أعمارهن الصغيرة، وإن كانت الطفلة تملك شخصية قوية وتصرخ في وجههم يضربوها على رأسها بمقبض السلاح كي تصمت.. 

تضيف ام محمد" لقد كتب بعض الإرهابيين على جدران مدرسة ابتدائية" في عيد الأم سنرسل لكم هدايانا حقائب أطفالكم مضرجة بدمائهم"، فهربت مع زوجي وعائلتي الصغيرة إلى محافظة أخرى بحثا عن الأمان".

أما عن خطف النساء فقد امتهنته الجماعات الإرهابية بمنهجية تندرج في سياق الجرائم الإنسانية، حيث تم بعد خطفهن المتاجرة بهن من سبي واسترقاق وتدول شرائهن عبر صفحات التواصل الاجتماعي وعلى المواقع الالكترونية التي بثها تنظيم "داعش" المدرج على لائحة الإرهاب الدولية، وقد بث هؤلاء مواقع متخصصة مثل موقع "الخلافة، سوق السبي، سوق النخاسة، سوق عكاظ"، وكل هذا وسط صمت دولي يندى له الجبين".

وتقول "تغريد" الناجية من الخطف "عندما وصل الإرهابيون إلى قريتنا بدؤوا بالقتل والذبح، وصل الخبر إلى منزلنا وهرعنا هاربين في الليل، كنت أركض أنا وبعض النسوة حافيات الأقدام فقط نريد الابتعاد عن القرية والوصول لمنطقة آمنة، لم ندري حينها في أي اتجاه نركض أو إلى أين، والدموع تغمر وجوهنا ألماً على ما يحصل في قريتنا وفراقنا بيوتنا قسراً تحت وطأة الإرهاب، بعد نجاتنا علمتُ أن نساء القرية التي وصل اليهن بطش الإرهاب قُطّع بعضهن لأشلاء وتم خطف الأخريات، وبعد الحادثة فقدت صوتي لمدة أربعين يوماً بسبب حالتي النفسية".

وفي العراق حين دخلت عصابات داعش الى الموصل تم خطف آلاف النساء اللواتي أغلبهن كان من الطائفة الايزيدية، وتم التعامل معهن كسبايا يتم بيعهن وشرائهن مثل العبيد، حيث تعاملت مع المخطوفات محاكم تنظيم داعش والتي سميت بالمحكمة الدولية الاسلامية في العراق والشام..

وتنوّه "هيفاء" التي اقتيدت من بلدتها سنجار الى مدينة الموصل، المعقل الرئيسي لداعش في العراق، قبل نقلها مرة اخرى الى مدينة الرقة في سورية بقولها لوكالة فرانس برس" كان هناك مكان أشبه بالسوق حيث توضع النساء الايزيديات ويأتي المسلحون لشرائهن". 

وتابعت" اشترى احد المسلحين 21 امرأة مرة واحدة"، كما جاء في حديثها.. تعاملوا معنا بطريقة قاسية للغاية، وفعلوا بنا أشياء سيئة للغاية".. 

تجدر الاشارة الى أن هيفاء تمكنت من الهرب بمساعدة "أشخاص طيبين" بحسب وصفها حيث عادت الى بلدتها، لكنها تخجل من الحديث مع الأصدقاء القدامى والأقارب، فقد عانت من أمراض جسدية ونفسية، ووصفت نفسها "أنا منهكة جدا".

اعتداءات ومآسي..

"أمٌ أرملة" تحدثت عن مأساتها بعد خطفها من قبل إرهابيو تنظيم داعش خلال مقابلة في مخيم تديره الحكومة العراقية في الخازر شرقي الموصل قائلة" ارتكبتُ خطأ بإبلاغهم أن زوجي راح ضحية للإرهاب، ضربني أحدهم وكسر أسناني." بحسب رويترز.

ثم حبسها الارهابيون في غرفة قذرة مع الفئران والحشرات، وقالت إنهم عصبوا عينيها وقيدوا ذراعيها وساقيها بالسلاسل بينما قام أحد الرجال أو ربما العديد، فهي لا تستطيع أن تدري باغتصابها مرارا وتكراراً.

وعندما أفرج عنها تنظيم داعش عادت المرأة النحيلة "37عام" إلى منزلها وهي تظن أن مأساتها انتهت، وأرسلت طفليها الصغيرين اللذين يبلغان الآن تسعة وأحد عشر عاماً ليقيما مع أقارب في مدينة أربيل الكردية القريبة، وخططت للحاق بهما بمجرد أن تتمكن من توفير المال اللازم لتهريب نفسها وابنها الأكبر، لكنها بعد بضعة أسابيع اكتشفت أنها حامل من أحد معذبيها من داعش، وإضافة إلى الصدمة التي تعاني منها جراء اغتصابها فإنها تخشى الوصمة التي تلحق بالنساء اللائي يلدن دون زواج في المجتمع العراقي المحافظ، وخلال شهرين سارعت بالزواج من رجل وافق على اعتبار الطفل الذي ستلده ابنه...

وقد كشف تقرير عن "هيومن رايتس ووتش" تعرض الأسيرات إلى التعذيب والاتجار فيهن بين عناصر التنظيم، إضافة إلى تحويلهن قسراً إلى الإسلام وبيعهن وشرائهن في "أسواق العبيد واستخدامهن في الرق الجنسي وتنقلهن بين ما يصل إلى 4 عناصر من داعش.

وأضافت المنظمة" أن الانتهاكات ضد الفتيات والنساء الإيزيديات تشمل ممارسات اختطاف وتزويج قسراً لعناصر "داعش" والتي قد تمثل جزءا من أعمال إبادة جماعية ضد الإيزيدين، كما ذكرت أن عناصر "داعش" يأخذون الأطفال من أمهاتهن، ويقومون بإيذائهم جسدياً وإجبارهم على الدخول في الإسلام.

الاعلان العالمي للحقوق.. شعارات وأجندات سياسية

لقد جاء في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان:

 المادة 1: يولد جميع الناس أحراراً ومتساوين في الكرامة والحقوق، وهم قد وهبوا العقل والوجدان وعليهم أن يعاملوا بعضهم بعضاً بروح الإخاء.

- المادة 2: لكل إنسان حقُّ التمتُّع بجميع الحقوق والحرِّيات المذكورة في هذا الإعلان، دونما تمييز من أي نوع، ولا سيما التمييز بسبب العنصر، أو اللون، أو الجنس، أو اللغة، أو الدِّين، أو الرأي سياسيا وغير سياسي، أو الأصل الوطني أو الاجتماعي، أو الثروة، أو المولد، أو أي وضع آخر، وفضلاً عن ذلك لا يجوز التمييزُ علي أساس الوضع السياسي أو القانوني أو الدولي للبلد أو الإقليم الذي ينتمي إليه الشخص، سواء أكان مستقلاًّ أو موضوعا تحت الوصاية أو غير متمتِّع بالحكم الذاتي أم خاضعًا لأي قيد آخر على سيادته.

- المادة 3: لكل فرد الحقُّ في الحياة والحرية وفي الأمان على شخصه.

المادة 4: لا يجوز استرقاق أحد أو استعباده، ويحظر الرق والاتجار بالرقيق بجميع صورهما.

 المادة 5: لا يجوز إخضاع أحد للتعذيب ولا للمعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو الحاطَّة بالكرامة.

لكننا لم نرى من حقوق الإنسان عملياً إلا هذه الكلمات التي تستغلها بعض الدول المعادية للأمن والسلام في سورية والعراق، وعندما يجدر العمل بها لمصلحة الشعبين نرى تغييب وصمت دولي ومواثيق أممية الأجدر وصفها بأنها أمية في الإنسانية، فما رأينا حراكاً دولياً جاداً بشأن مكافحة الإرهاب في سورية والعراق.

أما الذي طرح على الساحة الميدانية تحت اسم تحالف دولي، فهو قد قام بضرب البنى التحتية في سورية ومواقع الجيش السوري تحت ذريعة "الخطأ" أما عن تحقيق أهدافه المزعومة ضد الإرهابيين فهي كانت لمصلحتهم وليست ضدهم، سيما تمركز الجماعات الإرهابية بعد الضربات في المواقع التي تم استهدافها!، كما طرح على الساحة السياسية بوصفه "معارضة معتدلة" وجلس الإرهابيون على طاولة الحوار مع الحكومة السورية بذات الوقت التي كانت مرتزقتهم تريق الدماء وتقطع الأعناق، فكيف لامرأة أن تنال حقها بصفتها الإنسانية وهناك سياسات أكثر إرهاباً من جماعاتها وتنظيماتها تعتبر المرأة إحدى أهدافها لإضعاف مجتمعات دول، وإنهاك شعوب؟.

 

 

 

 

*الاراء الواردة لا تعبر بالضرورة عن رأي موقع الاعلام الدولي

التعليقات
تغيير الرمز
تعليقات فيسبوك