سياسة التهويل والهيمنة بالترويض والتهديد

1541 2015-12-27

1- مقدمة:

الحمد لله رب العالمين وصلى الله على خير خلقه نبينا وسيدنا المصطفى محمد وآله الطيبين الطاهرين لاسيما بقية الله في الارضين ، واللعن الدائم على اعدائهم اعداء الله اجمعين

عودتنا السياسات الاستعمارية ؛ ان بعد ان تنتهي مدة صلاحية العميل للدول المستكبرة ، يستبدل فورا ، الا ان بعض اؤلئك العملاء يبني له خلال فترة استخدامه وعمالته ما يحصن به سلطانه فيستعصي على اسياده استبداله فورا ، خصوصا اؤلئك العملاء الذين يبنون لهم عزا في شرف الوطنية الزائفة ، او مجدا في شرف الدين نفاقا. بالإضافة الى ما يتحصن به من مواد القانون الدولي والسيادة الوطنية !، التي تمنع ازالة رؤساء وملوك الدول بالقوة ، كما كان حال صدام المقبور ، وكما هم العملاء اليوم من الملوك والأمراء والرؤساء العرب في منطقتنا وغيرها.

نعم؛ عندما تجد الدول الاستعمارية ان مصالحها مهددة تضرب بجميع الاعتبارات الدولية والدينية والوطنية عرض الجدار وتطيح بعميلها المتمرد عليها فورا ومهما كان الثمن ، كما حصل في نيكاراجوا.

وهذا هو ديدن امريكا والغرب الاستعماري فمنذ مائتي سنة تقريبا والأمريكان يبيدون الشعوب الأصلية (حوالي الملايين من الأشخاص)، ويحتلون نصف المكسيك ـ منطقة جزر الكاريبي ومنطقة أمريكا الوسطى ـ ويحتلون هاييتي والفلبين مسببين مقتل مائة آلف فلبيني!(1) . وهي بكل امكاناتها تحاول أن تهيمن على العلاقات الدولية من خلال التهويل بوجود عدو شرير يهدد الأمن ولاستقرار الدولي دوما وفي كل وقت.

 

2- الارهاب المفتعل؛ هو العدو الشرير:

تروج وسائل الاعلام الغربية الى ان الارهاب تحديدا مقصود به؛ القاعدة صنيعة امريكا منذ بدايتها والغرب ضد الشيوعية في افغانستان ، وعندما أعلنت الأوساط الغربية الحكومية عن حربها ضد الإرهاب على أساس انه غدة سرطانية يجب استئصالها من جذورها، كانت الحكومة الأمريكية بإدارة الرئيس الأمريكي (رونالد ريكان) ومستشاره (الاكسندر هيغ): قد أنشأت منذ اكثر من ثلاثين سنة شبكة إرهابية دولية ذات نطاق واسع ، لا مثيل له يهدف لمحاربة أعداء الولايات المتحدة المتخلفين حضاريا(2).

وقد نفذت هذه الشبكة عددا لا يحصى من الجرائم في مختلف أنحاء العالم منها ما جرى في أمريكا الوسطى وبالخصوص ما جرى في نيكاراغوا.

وقضية نيكاراغوا سابقة دولية في إرهاب الدولة لا جدال فيها في القانون الدولي: لأنه لأول مرة يصدر عن المحكمة الدولية حكما لا رجوع عنه تدان فيه دولة بعملية إرهابية والقضية أفضع بكثير من اعتداءات 11 أيلول: ذلك إن الحرب التي خاضها الرئيس (رونالد ريغان) ضد نيكاراغوا أسفرت عن وقوع عما يقل عن (57000) ضحية منهم (21000) قتيلا وسببت دمارا وخرابا يعادل قنبلة هيروشيما(3).

 

3- استراتجية تغيير هوية العدو حسب المصالح الأمريكية والغربية عموما:

يجتمع اليوم العملاء مع امريكا مع عدم قناعتهم بحرب داعش الا انهم بصدد نكوين محور ضد الروس وايران وسوريا وكل المقاومين للمشروع الامريكي في المنطقة ، وقد تعلم العملاء الدرس جيدا من المقبور صدام حسين ، فقد اصبح هذا المقبور بين عشية وضحاها من صديق يحارب نيابة عن امريكا والغرب لمدة ثمان سنوات في ايران، إلى عدو خطير جدا، ضمن سياسة التهويل بالتركيز على حيازته اسلحة دمار شامل ، فمهدت وعن طريق الامم المتحدة لتستخدم هيمنتها في جعل العالم يصدق ، بل واستخدمت هيمنتها في جعل الشعب العراقي يتمنى ان تاتي امريكا لتخلصها من صدام فسهل عليها حين  تخلصت منه وهي مشكورة لجهودها!!!.

 واليوم وبعدما صنعت داعش والقاعدة على اساس الفكر التكفيري الوهابي وسخرت له الحكومات التركية والقطرية والسعودية ذات المذهب الوهابي التكفيري الرسمي ، صارت هي العميلة لارهاب راعية وواعية لاهميته في تنفيذ مشروعها وتحت رعايتها.

 وتحت سمع وبصر الاغبياء من المسؤولين المسلمين والعرب ملوكا وامراء وحكاما الصقت امريكا والغرب الارهاب ظلما بالإسلام وداعش واخواتها كممثل اوحد له، ثم صارت  تلوح على الرأي العام العالمي بشبح الإرهاب الاسلامي المتطرف وكأنها صماء وعمياء عما يفعله الفكر التكفيري وعما كانت ترعاه السعودية لهذا الفكر، نعم كأنها كانت من كوكب اخر ثم فجأة اخذت تحشد التحالفات ضد داعش لتنفيذ مخططاتها. ومع إنها تعرف تماما ان تركيا والسعودية وقطر والامارات والاردن قريبة جدا من داعش وتدعمه علنا الا انها وبصفاقة واستهزاء بالعقول اعلنت مع تلك الدول حلفا ضد داعش(4.(

هناك حقيقة  تخفى على الجميع لكنها تاريخية ومؤكدة وهي:

 ان الأوربيين والغربيين عموما: نسبوا السيادة لأنفسهم ، لأنهم بيض البشرة! .. وهذا الخط خصوصا له أصوله الأيديلوجية الضاربة في التاريخ( 5)؛ ابتدأ من (ابيقور) مرورا بـ (نيتشة) والى (هيجل) الذي ادعى إن صيرورة الفلسفة: غربية، هو ذاته غايتها، وصيرورة الدين في المسيحية، حيث الأوربيين يمثلوه، وصدقه هتلر حد التطبيق في النازية فالمانيا تحت الشمس.

وصار لهذا الخط اليوم مدرسة، وقادة، وثقافة انتروبولوجية خفية وخطيرة جدا، تكتسح العالم بما أوتيت من إمكانيات إعلامية هائلة.

وحين نقول ذلك لا نتجنى على الغربيين فها هم اليوم قد وظفوا نظرياتهم في السياسة والاقتصاد بل وفي العلوم الحديثة لخدمة أغراضهم الاستعمارية.

ففي عام 1970م بلغ عدد الهيئات المتخصصة الأساسية بالدراسات السياسية او التي هي في خدمة السياسة الغربية ما يقارب ال(386) هيئة متخصصة في التنظير السياسي بما يوافق لاسترتجية المستقبلية الأمريكية خصوصا وبما يخدم الإيديولوجية الغربية عمو ما(6).

 

سناريوهات مفاجئة على الساحة الدولية:

هكذا وفجأة وكأن العالم لا يدري ولا يعلم  ؛ ان لدى امريكا خصوصا والغرب عموما مخابرات ومعاهد متخصصة ، هي اعتى واذكى واكثر انتشارا وتغلغلا في العالم ، هكذا فجأة  تلفت امريكا والسعودية الراعية للوهابية ووالمعتنقة للايديولجية التكفيرية .. هكذا فجأة الى خطورة داعش وكأنه من قبل لم يفجر و يقتل ويهجر على الهوية ويفخخ بلا تمييز ويمثل بضحاياه  ويهدم دور العبادة ويقتل على الهوية ، ويهدم الاضرحة والمتحاف والاثار.. نعم هكذا فجاة تلفت امريكا  الى خطر داعش وتقيم الدنيا لتشكل حلفا مع راعي داعش تركيا التي لازالت تشتري النفط من داعش وتستقبل  في مستشفياتها مساعدي وجنود البغداي الجرحى، والسعودية التي الى الان تقيم لهم معسكرا للتدريب تحت مسمى المعارضة السورية والاردن الذي رفضت الجهاد الاسلامي فيها الاشتراك في حرب ضد داعش، نعم لتقيم سياسة المحاور ضد طهران وروسيا وسوريا.

وهذه سياسة استراتجية  لولايات المتحدة والغرب متجذرة في الاصول الفكرية السياسية لتلك البلدان.

فتحت عنوان (فوكوياما، هنتنغتون؛ والإسلام)، كتب وجيه كوثراني مقالة متميزة في مجلة الاجتهاد في عددها (495)، لشتاء عام ـ 2001م؛ بيّن أن هناك تيارا فلسفيا ضاربا في التاريخ بدأه ابيقور ثم فصله هيجل، وعززه نيتشة وحاول أن يكتب نهايته فكوياما في كتابه (نهاية التاريخ) بتفوق العقلية الغربية، متخذا من انهيار الاتحاد السوفيتي دليلا لثبات الدولة الليبرالية الديمقراطية، ومجتمعها المدني، أما هنتنغتون فيعتبر في كتابه (صدام الحضارات)، إن الصراع اليوم ليس صراعا أيديولوجيا، بل صراع حضارات.

فحلف امريكي سعودي قطري خليجي تركي اردني ضد داعش يأتي ضمن سياسة المحاور في اطار الصراع الايديولوجي على خلفية التهويل المفتعل الذي جعل له مقبولية دولية وربما شعبية في اوطنا.

هذان النموذجان من الخطاب الأمريكي؛ وضع داعش والقاعدة واحتوائهما ضمن سياسية التهويل والهيمنة هما في الواقع تحقيق لما تطالب به الإستراتيجية الأمريكية ولكي يتحقق لنا؛ أننا لا نتجنى على الأمريكان والغربيين؛ ((انظر مقالة جري جوري فوستر في عام (1990م) في مجلة >

"WashingtonQuarterly.vol.13" والتي كتبها تحت عنوان:

("A Conceptual Foundation For A theory of Strategy") في ثوابت الأسس المتصورة للإستراتجية الأمريكية في التنظير السياسي.

إن الثقل الفلسفي المدعم لنظرية فوكوياما، والبعد الابسمولوجي البنيوي في اعتبار (هنتنغتون)؛ إن للإسلام حدودا دموية؛ يشكلان فرضية؛ تعبّر عن أمور هي:

1- توكيد الأيديولوجية الغربية التي تعتمد شعار (أنا خير منه) والتي هي في الواقع عقيدة إبليس من قبل أورثها أولياءه في النظريات السياسية الغربية، والتي هي حكم الحلبة اللعبة السياسية العالمية، والتي يدخلها من ابنائنا، عليه ان يخضع لقوانينها، ثم لشروط حكامها.

2-  تجسيد حي واضح لكل ذي لب؛ لسوء استخدام المفاهيم الفلسفية وتوظيفها في عالم السياسة.

3- وهي في ذات الوقت تهدف إلى تشويه الإسلام والحضارة الإسلامية، وتحميل المسلمين، نتائج صراعات هم يصنعونها نصوصا وسيناريوهات، بالإضافة إلى مكر السيئ.

4- وتفيدنا هذه التوظيفات الانتروبولوجية؛ بان الضجة الإعلامية حول سياسة التهويل في توظيف الإرهاب خصوصا في الشرق الأوسط غير صادقة لان وراءها أهداف أخرى، هي اهداف الايديولوجيات الغربية ذاتها والتي تحدثنا عنها بالتفصيل.

وتعليقا على هذه النتائج ، جدير بنا ان نؤكد: انه أثبتت الدراسات العلمية الحديثة في الهندسة الوراثية للحامض النووي الريبوزي ألـ(DNA)للإنسان(الجينوم) أن البشر جنس واحد، وتكوين واحد لا يتمايزون بقدراتهم في خيار الفعل الأفضل، بسبب بشرتهم أو انتمائهم القومي، أو بسبب مكونات دمهم فهو واحد بعناصره المتمايزة توجد بذاتها في جميع الأعراق، وادعاءات القيادة الامريكية لشؤون العالم ياتي تحت شعار ابليس ( انا خير منه)

 وعلى ضوء هذه الحقائق فان النظرية العلمية الوحيدة التي يتحقق بها الواقع البشري وجودا وحياة وعقلا هي قوله تعالى:

 (يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ)

فالناس كلهم سواسية كأسنان المشط، لا يتمايزون باللون أو العرق و النسب، أو أي شيء سوى التقوى؛ والتي هي ميزة باطنة يرقى صاحبها من دون أن يعلن تمايزه بها على غيره، وبذلك تحقق تمام مفهوم الإنسان السيد المتمايز على بقية المخلوقات بكماله وحسنه المضموني الجذاب المسر، كما هو الامام علي عليه السلام واتباعه الصادقين من امثال سلمان وابو ذر رضوان الله عليهم وغيرهم.

اضافة الى حقيقة اتفاق الناس في كل عقائدهم تقريبا وفي كل أزمانهم وأماكنهم؛ على الإنسان الكامل المنتظر هو الذي يخلص البشرية من نتائج انحرافها عن رسالتها في الوجود، وان على الناس ان يتبنوا سياسة في زمان انتظاره وهي التيهؤ له بالتمهيد لدولته بالتزام العدل والعلم.. وهذا مما لا يفهمه منظّروا السياسات الغربية، بل لا يريدون أن يفهموه، وربما يريدون طمسه؛ لان معظم الغربيين هم نصارى، ممن يعتقدون بالمخلص القادم لا محالة.

وللانصاف لابد ان نذكر؛ إن قسم من المفكرين؛ من المنصفين الغربيين لا يرون ما ينظر له مأجورو ومخططو السياسة الغربية، فمثلا جاء في نظرية المؤرخ البريطاني توينبي(التحدي والاستجابة)قوله ما يلي:

 )إن العامل الديني هو السبب في نشوء الحضارات(7).

 الهوامش:

1) حب الله؛ غادة، وعاضة؛ رباب، "الإرهاب سلاح ذو حدين" مقالات تهم الإنسان والمجتمع، معهد السيدة الزهراء3 العالي للشريعة والدراسات الإسلامية، ط1، 1425هـ، ص260..

2  ) E -Bradford: (At war in Nicaragua; The Rangan doctrine and politics of nostalgia of nostalgia), New Yourk.1987.

3  ) ..Toefolo; Cabestrero, (Blood Of Innocent: Victims of the contras War in Nicaragua), Orbis Bood ـ1985.

4-  من أين حصل صدام حسين المجرم على الأسلحة الكيمياوية التي أباد بها شعبه في مدينة حلبجة  وغيرها من مدن العراق وايران التي تسترت عليها امريكا وهي تمتلك الادلة في ادراجها لحد الان!!!؟؟؟.

5) يقول المؤرخ البريطاني الشهير (أرنو لد توينبي): "إن دراسة الجنس أو العرق كعامل منتج للحضارة؛ تفترض وجود علاقة بين الصفات النفسية، وبين طائفة من المظاهر الطبيعية. ويعتبر اللون هو الصفة البدنية التي يعول عليها الأوربيون ـ أكثر من غيره ـ في الدفاع عن نظريات العرق الأبيض المتفوق، وان أكثر النظريات العنصرية شيوعا هي التي تضع في المقام الأول السلالة ذات البشرة البيضاء والشعر الأصفر والعيون الشهباء، ويدعوه البعض بـ (الإنسان النوردي) أي الإنسان الشمالي، ويدعوه الفيلسوف الألماني (نيتشة) بالوحش الأشقر.

6-  مجلة الكلمة؛ العدد/ 3، السنة الأولى: ص / 82..

7-  بدوي؛ عبد الرحمن (الموسوعة الفلسفية) ، وتوينبي (فلسفة التاريخ) ترجمة فؤاد محمد شبل،ص / 295 ـ299.

 

التعليقات
تغيير الرمز
تعليقات فيسبوك