من يضع النقاط فوق حروف سد الموصل؟


علي علي 

لو نظرنا الى الساحة العراقية ومايدور عليها منذ تأسيس الدولة عام 1921، لتبين واضحا لدينا أن الأطماع والمصالح هي من أولى المغريات التي كانت تجتذب دولا وجهات خارجية إقليمية أو أخريات عبر البحار. ولقد كان للانتداب البريطاني حضور رسمي في النصف الأول من القرن المنصرم، حتى جاءت ثورة الرابع عشر من تموز عام 1958 فانبثقت حكومة ترفض الاحتلال والانتداب والتدخل الأجنبي بأشكاله جميعها. إلا أن الاطماع لم تتوقف عند حد، وكذا الطامعون لم تفترّ همتهم في تعلل الأسباب وتحين الفرص لعلها تواتيهم يوما ما تحت ظرف ما فينشبون أظفارهم في الجسد العراقي. وقد وفرت التقلبات السياسية في ستينيات القرن الماضي للطامعين فرصا عديدة، وفتح ساسة العراق -ولاسيما إبان حكم النظام البعثي- الثغرات والفجوات أمامهم، ولنا في المقبور صدام خير شاهد على هذا، إذ فتح لهم أبواب العراق على مصاريعها، بتحركاته الرعناء وسياسته الدولية الخرقاء، التي كبلت العراق وقيدت خطاه، وارضخته تحت نير قرارات حصار وقوانين عقوبات أممية، أضعفت من موقفه كدولة انتمت الى عصبة الأمم في أوائل الثلاثينيات. ولو نظرنا الى الواقع العراقي الجديد بعد عام 2003، فالحال ليس باحسن منه في العقود السابقة البتة، إذ الاحتلال الأمريكي كان البادئ في إعلان أطماعه المكمونة منذ عشرات السنين، وقدمت له الفرصة لتنفيذها على طبق من ذهب وآخر من نفط، ليلتهم ماشاء له التهامه تحت ذريعة اتفاقية أمنية او سياسية تُبرم بينه وبين الحكومة الحاكمة في العراق.

سد الموصل، هذا الصرح العملاق الممتد على طول 3.2 كيلومتر، ويقف شامخا منذ عام 1983 بارتفاع 131 مترا، والذي يعد رابع أكبر سد في الشرق الأوسط ، صار منذ اشهر قليلة الوسيلة والسبب والحجة التي تبيح التدخل الخارجي بذريعة محدّثة ومسوغ لم يسبقه سابق، فأضحت حماية السد من الانهيار وإنقاذ محافظات العراق التي تحاذي نينوى من الجنوب حتى أواسط البلاد من الهلاك أمرا حتميا ومفروضا. وبسياسة الكيل بمكيالين فإن أمريكا تعد نفسها اليوم ملتزمة مع العراق بمعاهدة أمنية ويتوجب عليها حمايته، وكأنها لم تكن السبب والمسبب في تداعي أمنه وأمانه بعد سقوط النظام السابق.

فالنية المبيتة من إلحاح جهات خارجية بالتدخل لحماية السد باتت واضحة تماما، وهي ذات النية التي سعت فيها الجهات ذاتها بإدخال عصابات داعش البلاد، كما انها ذاتها التي هيأت الأجواء قبل ذلك لإثارة التظاهرات المناوئة للدستور والحكومة والعراق والعراقيين، والتي كانت تتخذ من منصات في محافظة الأنبار منبرا لها في التحريض على سير العملية السياسية.

هنا يتساءل العراقيون عن مدى مصداقية ما يحدث في سد الموصل، مع ثقته التامة أنه ذريعة لمخططات أكبر، وما تساؤلهم إلا لأن البلاد ممهورة باسم اكثر من ثلاثين مليون شخص، وليست باسم رئيس جمهورية او وزراء او مجلس نواب.

فمن الاخبار التي تطلعنا عليها الحكومة العراقية بيان حكومي افاد بان مجلسَ الوزراء قرر الموافقةَ على قيامِ وزارةِ الموارد المائيةِ بإحالةِ تنفيذِ مشروعِ تأهيلِ سد الموصل وصيانتِه الى شركةِ (تريفي الايطالية)، مبينا انه تم احالةُ المشروعِ للشركة بحسبِ العرضِ المقدم منها استثناءً من تعليماتِ تنفيذِ العقودِ الحكومية. يأتي هذا في وقتٍ تحدثت مصادرُ عن ان احالةَ مشروعِ تأهيلِ سد الموصل الى الشركةِ الايطالية تم تحت ضغوطٍ لم تَكشف عن الجهاتُ التي تقفُ وراءَها. وما يثير قلق الشارع العراقي أن هناك تذبذبا في الإخباريات التي يدلي بها مسؤولون بشأن حقيقة مايحدث في السد، وهل هو ينذر فعلا بكارثة بشرية؟ أم هي تخويفات وجعجعة لغاية في نفس يعقوب!ّ. أمام هذه المعطيات والشكوك والتكذيب والتأييد، على الحكومة العراقية وضع مواطنيها موضع المتبصر بما يدور حولهم، إذ من غير المعقول أن تخفي الحكومة على العراقيين خطرا قائما له تداعيات كارثية -إن وقع-، كما أن عليها بيان أكاذيب أمريكا بشأن السد وماتبتغيه من ورائها على وجه السرعة والدقة والشفافية، لاسيما ونحن على أعتاب طرد عصابات داعش من اراضي العراق وتحرير مدننا الجاثمة تحت احتلاله، وليس من مصلحة العراقيين استبدال احتلال داعش التكفيري الإرهابي باحتلال تحت ذريعة حماية سد الموصل.

 

التعليقات
تغيير الرمز
تعليقات فيسبوك