الخط البياني لنمو الحضارات واندثارها

2707 2015-12-17

يسبق نشوء العقائد المنقذة والتي تبني الحضارات ؛ وعلى مرّ التاريخ البشري وبنمط متكرر ؛ يسبقها حالة عطش وجوع عقائدي شديدان في الامم والمجتمعات البائسة ، ويصحبهما  تطلع شديد للمنقذ وللعقيدة المنقذة.  وعلى دوام التاريخ فان حالة العطش العقائدي هذه تبرز ظاهرة للعيان عندما يزداد الظلم ويسيطر الظالمون ويكثر المستضعفون، فتسود الفوضى في المجتمع ويضطر المتسلطون للقمع ، ويتعثر الاقتصاد لأستثار القلة براس المال، ومثلما يبخس مال الامة بالاستئثار يضيع وقت المجتمع وبالاستغلال ويصرف جهده لصالح ترف وخزائن ورخاء المستكبر الظالم. بمعنى لا وفرة في الوقت ولا في الجهد ولا في المال، بل ضياع في هذه النعم الثلاث.

وعندما تظهر العقيدة المنقذة من قبل الانبياء والرسل والمصلحين بشكل عام يتلبسها الناس العطاشا فورا ، بينما يتصدى لها بالقمع المترفون المستفيدون من استغلال الانسان  لأخيه الانسان ، ولذلك يشير قوله تعالى : ( وما ارسلنا في قرية من نذير الا قال مترفوها انا بما ارسلتم به كافرون).

 وقال تعالى ايضا : ( وكذلك ما ارسلنا من قبلك في قرية من نذير الا قال مترفوها انا وجدنا اباءنا على امة وإنّا على اثارهم مقتدون).

فكأنما وفرة المال ووفرة الوقت ووفرة القوة والجهد ؛ هي جينات الموت في شفرة حياة الحضارة.

قاعدة عقلية اجتماعية: ( ما لا يصرف في طاعة يصرف في معصية).

ما لا يصرف من حمالات الافعال المتوفرة وهي : ( القوة والمال والوقت) في طاعة الله فأنها حتما تصرف في معصيته، وصرف هذه الوسائل بالمعصية يعني المهلكة.

وعندما نقول حضارة ؛ فانما نقصد العقيدة المنقذة للإنسان من الظلم والمانعة من تولي الظالمين مقاليد الامور ، ولذا وعلى هذا الاساس فقد يكون المتمدن غير متحضر على الاطلاق.

وفي حال انتهاء الصراع لصالح العقيدة المنقذة تأخذ المبادئ والقوانين والنظم طريقها للتنفيذ فتحفظ الحقوق وتوفر الجهد والمال وتوفر الوقت الضائع بالاستغلال وفوضى التسلط شيئا فشيئا.

  حتى اذا توالت الاجيال وظهر جيل لا يعرف معنى هذه الموفرات من المال والوقت والجهد ، صرفت في المعصية ؛ صار المجتمع بيئة للترف ثم الخدر والضياع وعادة الحاجة الى الانقاذ والعقيدة المنقذة . أي عاد النمط الاجتماعي ليتكرر من جديد هكذا كما في الرسم البياني اعلاه.

وعلى هذا الاساس وجدنا في التاريخ ؛ ان المجتمعات تحيى بالأديان التي يأتي بها الأنبياء ، ومن بعد رحيلهم بمدة زمنية ، تنحرف عقائد تلك الاديان  او تموت ، وكأنها تحمل جينات الموت في شفرة حياتها.

ولذا فان تدخل الحسين عليه السلام في نهضته غير الخط البياني ليمنع تحضر الامة بالعقيدة الكاملة  من التدهور والاندثار...لماذا؟

لأن تضحيته بدأت في ادنى نقطة لمنحنى الانحراف، وهي اعلى نقطة في منحنى الترف  لتعطيه القوة في الارتفاع من خلال اقصاء موفورات الترف الوقت والجاه والمال( جينات الموت) باتجاه  علل الدين وأهدافه السامية فان ما نهض به الحسين عليه السلام نزع مسببات الترف والخدر والانحراف من عقيدة  الامة.

كيف نزع الحسين عليه السلام  مسببات الانحراف عن عقيدة الامة؟

للإجابة على هذا السؤال نحتاج الى معرفة ماهية ظاهرة ارسال الانبياء والرسل الى البشر تترى ، عللها وأهدافها ، والتعرف الى اكبر ظاهرة انسانية على الاطلاق في التاريخ البشري اهملتها دراسات الانتروبولوجيا للظالمين الكبار عمدا !! ولنعرف عللها وأهدافها حيث يكمن سر نهضة الحسين عليه السلام.

المصادر:

  1) المستضعف غير الضعيف ، فالمستضعف قوي تكالبت عليه القوى الظالمة ، فعلت عليه واستغلته ، وقد تكمن قوته في رفضه للظلم ونبذه للظالمين ، والواقع ان كل المستضعفين في التاريخ على هذه الشاكلة ، وهم دوما رواد الحركات التحررية وهم قواعد الاصلاح وسند المصلحين وانصار الرسل وحواري النبيين.

 2) سبأ- 34.

 3) الزخرف -23.

 4) ذلك لان اي فعل لا ينجز إلا بقوة فإذا لم بقع الفعل في طاعة الله فهو هتما يقع في معصيته. ولان اي فعل يحتاج لزمن لحصوله فإذا لم يصرف الزمن في الطاعة لله فلا خيار إلا ان يقع في معصية ، وكذا المال ثمن الجهد واجر الجهد اذا لم يصرف في موارد الطاعة فانه حتما يصرف في موارد المعصية.

 

التعليقات
تغيير الرمز
تعليقات فيسبوك