الفرق بين الجريمة الجنائية والجريمة المدنية


علي الحسناوي   

عرفت المادة (204) من القانون المدني العراقي الجريمة المدنية بأنها "كل تعد يصيب الغير بأي ضرر يستوجب التعويض", كما عرفتها المادة (163) من القانون المدني المصري رقم 31 لعام 1948 المعدل بأنها: "كل خطأ سبب ضرراً للغير يلزم من ارتكبه بالتعويض". 

وبناءاً على ذلك يمكن القول بأن مصدر الجريمة الجنائية هو النصوص الجنائية الموضوعية على وفق مبدأ (لا جريمة ولا عقوبة إلا بنص) ومصدر الجريمة المدنية هو القواعد المدنية الموضوعية والعرف والشريعة الإسلامية والإحكام والقرارات القضائية وقواعد العدالة, كما أن سبب الدعوى الجنائية هو الجريمة أي الاعتداء على أمن المجتمع والإخلال بالتوازن (ارتكاب جريمة) بينما سبب الدعوى المدنية هو الإضرار بالغير, وأثر الجريمة الجنائية هو إنزال العقوبة أو التدبير الاحترازي بالفاعل في حين أن أثر الجريمة المدنية هو التعويض غالباً عن الضرر او التنفيذ العيني او إعادة الحال إلى ما كان عليه, فإذا لم يوجد ضرر فلا توجد جريمة مدنية أو التزام بتعويض, فمعيار الجريمة المدنية هو الضرر المترتب على الغير كنتيجة لسلوك الفاعل.

فالقانون المدني لا يحدد الجرائم المدنية وإنما يجعلها قائمة في كل خطأ يسبب ضرراً بالغير, ولا يعنى قانون العقوبات عموماً بهذا الضرر في تحديد الجرائم وإنما ما ينطوي عليه الفعل أو الامتناع من إخلال بنظام المجتمع ولو لم يسبب ضرراً لأحد, وبعبارة أخرى فإن قانون العقوبات يكتفي بالضرر العام الذي يصيب المجتمع من ارتكاب الجريمة, كما هو الشأن في جرائم التشرد والتسول وإحراز سلاح بدون ترخيص والشروع إذا لم يلحق ضرراً بأحد من الأفراد. فترتكز الجريمة الجنائية أساساً على الخطأ, فإذا انتفى الخطأ انتفى وجود المسؤولية الجنائية, ويستوي لقيامها ترتب ضررٍ على الخطأ أو أن يقف عدوان الجاني عند تعريض المصلحة محل الحماية الجنائية لخطر الضرر.

ولهذا فإن للركن المعنوي في الجريمة الجنائية أهمية, فلا تقوم الجريمة الجنائية في اغلب الأحوال إلا إذا توافر الخطأ العمدي لدى الجاني (القصد الجنائي), كما تقوم إذا ما حدد المشرع ذلك استثناءاً بمجرد الخطأ غير العمدي, على عكس الجريمة المدنية التي قد تتوافر دون خطأ من الفاعل. وبما أن الجريمة الجنائية تختلف عن الجريمة المدنية, فالدعوى الناشئة عن كل منهما تختلف عن الأخرى, فالأولى تنتج عنها دعوى يقيمها الادعاء العام (النيابة العامة) باسم المجتمع ولمصلحته أمام المحاكم الجنائية وتنتهي بالجزاء الجنائي المنصوص عليه في قانون العقوبات, أما الثانية فتنتج عنها دعوى يقيمها المتضرر لمصلحته الشخصية أمام المحاكم المدنية المختصة من أجل أن يحكم له بتعويض مناسب عن الضرر الذي لحق به. 

وعلى الرغم من الاختلاف القائم ما بين الجريمتين, إلا أنه من المتصور أن ينشأ عن الفعل الواحد جريمة جنائية وجريمة مدنية, كما هو الحال في جريمة السرقة والقتل, فعندها يكون للادعاء العام (النيابة العامة) تحريك الدعوى الجنائية للمطالبة بعقاب الجاني عن جريمته, وفي الوقت ذاته يكون للمتضرر من الجريمة أن يطالب بتعويض عن الضرر الذي أصابه من الجريمة إما عن طريق رفع الدعوى المدنية أمام القضاء المدني أو رفعها تبعاً للدعوى الجنائية أمام المحاكم الجنائية.

فما تم توضيحه من فروق تميز ما بين الجريمة الجنائية والجريمة المدنية هي برهان يمكن الاستناد إليه في إعلان ذاتية القواعد الجنائية الموضوعية بالنسبة للقواعد المدنية الموضوعية, فلكل جريمة مميزاتها وخصائصها التي تنفرد بها بشكل خاص إزاء غيرها من أنواع الجرائم, وهذا ما يستتبعه بالضرورة انفراد القانون الذي تتبعه أي منهما بخصائصه وأفكاره ونظرياته الفلسفية ومبادئه ومفاهيمه وأهدافه الذاتية التي يستند عليها وجوده, وبالتالي تمتعه بذاتية خاصة ترسم معالم وجوده ويرتكز عليها بناؤه بوصفه جزءاً من النظام القانوني العام. 

التعليقات
تغيير الرمز
تعليقات فيسبوك