ثمّ أبصرتُ بصيصاً من نور أحبّة الله

992 2014-03-18

حوار مع المستبصر السيد (محمد ابو جعفر الحسيني)

• أجرى الحوار وأعدّه:محمد اليساري/عبدالرحمن اللامي

إنّ حبّ أهل البيت الأطهار (عليهم السلام) هو امتداد لحبّ الله (تبارك وتعالى) وحبّ رسوله الأمين (صلّى الله عليه وآله وسلّم) في أجلى الصور، وحبّهم (عليهم السلام) هو الهداية الى دين الله بأوضح السبل، فهم الذين جعلهم رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) أعدالاً للكتاب، وجعل التمسك بهم أماناً من الضلال، وقد ورد في الزيارة الجامعة الكبيرة: (ومَن أحبّكم فقد أحبّ الله، ومَن أبغضكم فقد أبغض الله) في إشارة إلى كون محبّة الله ومحبّة أهل البيت الأطهار (عليهم السلام) المعصوم في امتداد واحد، وقد فاز والله مَن سرى في عروقه هذا الحبّ، واعتقد وجوب اتّباع منهجهم، وسلك طريق محجّتهم.

ومن الذين مّن الله تعالى عليهم وقرّبهم الى دوحة أهل بيت النبوة (عليهم السلام) المستبصر السيد (محمد ابو جعفر الحسيني) من دولة المغرب، والذي كان سنيّاً على الطريقة الشافعية، وهو من دعاة حركة الإخوان المسلمين في أوروبا، وقد تشرّف بزيارة الإمام الحسين (عليه السلام)، وقد أجرت مجلة الروضة الحسينية هذا الحوار معه ليحدثنا عن استبصاره نور الهداية:

الروضة الحسينية: لو بيّن السيّد الحسيني كيف كانت البداية لولوجه طريق التشيّع؟

السيّد الحسينيّ: لقد ساقني القدر الى هذا التحول في العقيدة والمذهب، إذ نحن في الباخرة نعبر من اسبانيا الى المغرب، وكان معي شقيقي وزوجته، فأحسستُ بصداع قويّ في رأسي، ومن عادتي عندما أحسّ بألم في رأسي أشدّه برباط ليهدأ الألم قليلاً، وكانت زوجة أخي تحمل معها قطعة قماش سوداء فطلبتها منها وربطتُ بها رأسي، حتى وصلنا الى المغرب ودخلتُ بيت والدي وأنا معصوب الرأس، وكان هناك اجتماع تشاوري في بيت والدي يحضره علماء من المدارس الإسلامية، وسمعتُ البعض يتهامسون بأنّي قد أصبحت شيعيّاً، ظنّاً منهم أنّ العصابة التي أربط بها رأسي هي العمامة التي تعلو  رأس علماء الشيعة عادة، ولكني لم اهتمّ للأمر بشكل كبير وجرت الأيام وعدتُ الى بلجيكا لممارسة عملي كمبلّغ في جماعة الإخوان المسلمين، فوجئتُ بعد حين بأنّ المسؤول عن الإخوان المسلمين في بلجيكا يطرق باب داري في منتصف ليلتي الأولى بعد عودتي من السفر ليقول لي: قد أشيع في بروكسل بأنّ الشيعة استقطبوك، واستطاعوا أن يجرّوك الى مذهبهم، وأنك أصبحت شيعيّاً، فأجبته وكيف ذلك؟ وكنت حينها لا أعرف شيئاً عن المذهب الشيعي، فقال: لقد شاهدك الكثير من الناس وأنت تتزيّى لباس الشيعة وعلى رأسك عمامتهم السوداء، فتذكرتُ ما حدث في بيت والدي من تهامسٍ بخصوصي ونعتي من بعضهم بالتشيّع.

وهذه القضيّة وملابساتها غرست في نفسي حبّ البحث والتقصّي عن الشيعة والتشيّع، وبعدها بدأت أبحث وأبحث حتى استقرّ بي المطاف في مرسى ولاية أهل البيت الأطهار (عليهم السلام).

الروضة الحسينية: متى وكيف أعلنتم تشيّعكم؟

السيّد الحسينيّ: بدأت بالبحث والتمحيص منذ عام 1991م الى غاية عام 1997م، وهي السنة التي أعلنتُ بها تشيّعي، وذلك في  العاصمة البلجيكية بروكسل في المسجد بعد صلاة الجمعة.

وكانت طريقة بحثي طريقة أكاديمية، إذ قرأتُ خلال هذه السنوات عدداً كبيراً ومتنوعاً من الكتب، في العقيدة والفكر والتاريخ، مع التركيز على أمّهات الكتب السنّية مثل كتب الطبري وابن كثير وابن الأثير، والكتب الفقهية، وكتب المناظرات بين المذاهب الإسلامية، وكتب المقارنات الفكرية بين المدارس الإسلامية، وأضف الى ذلك المناقشات التي جرت بيني وبين كبار علماء المدارس الإسلامية المعروفة.

وبعد كلّ هذا الجهد من البحث والتحرّي، منّ الله (تبارك وتعالى) عليّ بأن أبصر بصيصاً من نور أحبّته الرسول الأكرم (صلّى الله عليه وآله وسلّم) وأهل البيت الأطهار (عليهم السلام).

الروضة الحسينية: وماذا اكتشفت أثناء بحثك وتقصّيك فجعلك تعدل الى مدرسة أهل البيت الأطهار (عليهم السلام)؟

السيّد الحسينيّ: لقد كان عملي أثناء البحث والتقصي عن الحقيقة أشبه ما يكون بتحرّي بوليسي، ولقد أجريت الكثير من المقارنات بين كتب المذاهب الإسلامية، فلمست الاختلاف في الطبعات القديمة والطبعات الحديثة لكتب السنّة، إذ تمّ حذف بعض الأحاديث والروايات التي تُسيء لرموزهم، وطمس بعض الأحاديث التي جاءت بحقّ أهل البيت الأطهار (عليهم السلام) لتشويه الحقائق، خصوصاً تلك التي تشير الى أحقّية اتّباع أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب (عليه السلام) وأبنائه الطاهرين (عليهم السلام) الذين هم الثقل الآخر مع القرآن الكريم، كما في حديث الثقلين.

الروضة الحسينية: ما هي أحوال أتباع أهل البيت الأطهار (عليهم السلام) في المغرب؟

السيّد الحسينيّ: هناك تضييق كبير وضغوط كبيرة على أتباع المذهب الشيعي في دول المغرب العربي بصورة عامة، وخصوصاً في بلدي المغرب فليس هناك مؤسّسات شيعيّة، ولا يُسمح لهم بتأسيس مؤسسات دينية أو ثقافية أو بناء مساجد وحسينيّات، وهناك تخوّف كبير من قبل السلطات الحاكمة في المغرب من الشيعة، بل يعتبرونهم خطراً على بلدهم، لذا فإنك ترى اقتصار إحياء الشعائر وإقامة المآتم الحسينية في مختلف المناسبات الدينية سواء كانت أفراحاً أو أتراحاً تُجرى في بيوت الموالين لآل البيت الأطهار (عليهم السلام)، وتتمّ بصورة سرّية بعيدة عن أعين السلطات الحكومية، ونحن نأمل في الأيام القادمة أن تغيّر الحكومة المغربية من سياساتها تجاه القضيّة الشيعيّة، ولأنّ العالم أصبح قرية صغيرة ولم يعد يخفى شيء على أحد، فيتحتّم على كلّ الحكومات العربية أن تبدي مرونة وانفتاح حول هذا الموضوع.

الروضة الحسينية: هل تغيّرت رؤيتك لأهل البيت الأطهار (عليهم السلام) بعدما منّ الله (تبارك وتعالى) بالاستبصار؟

السيّد الحسينيّ: الذي يشاهد بعين الإنصاف يلاحظ أنّ هناك فرقاً واضحاً بين علاقة أهل السنة بأهل البيت (عليهم السلام) وعلاقة الشيعة بأهل البيت (عليهم السلام)، فبعض أهل السنة لا يعرفون عن أهل البيت (عليهم السلام) حتى أسماءهم ولا يعرفون شيئاً من سيرتهم، ولا دورهم في الإسلام، ولا يأخذون من أحاديثهم شيئاً، بل يعتبرونها مراسيل لا وزن لها، على الرغم بتصريحهم (عليهم السلام) بأنهم يروون عن آبائهم عن أجدادهم إلى رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، بينما تلاحظ الشيعة عكس ذلك فلهم في كلّ شهر إن لم نقل في كلّ أسبوع مناسبة مع أهل البيت (عليهم السلام) يُحْيون فيها ذكراهم، ويقدسون تلك الذوات الطاهرة, ويتّخذون من نهجهم طريقاً الى الحق والى الله (عزّ وجلّ).

الروضة الحسينية: ما هي نظرة المذهب السنّي الشافعي فيما يتعلق بالقضيّة المهدويّة؟

السيّد الحسينيّ: هناك أحاديث كثيرة تتكلم عن الإمام المهدي (عجّل الله فرجه) وتثبت وجوده وتعيّن صفاته وتذكر ثورته، وأنه المنقذ للبشرية جمعاء، ولكن الخلاف الأكبر بينهم وبين الشيعة هو قولهم أنه لم يولد بعد، وأنه من نسل الإمام الحسن المجتبى (عليه السلام) وليس من نسل الإمام الحسين (عليه السلام)، ويصفونه بأنه شخص يصلحه الله بين عشيّة وضحاها، وهو مَن يقوم بتحرير البشرية ويبسط العدل والنظام، وهذا الأمر جعلني أقف طويلاً عنده، إذ كيف يكون مثل هذه الشخصية العظيمة والمدّخر الى يوم خطير لا يُعتنى بأمره وبزمان حضوره، فلا نسمع أحداً منهم يذكر المهديّ المنتظر (عجّل الله فرجه) في خطبة أو محاضرة، ولا نقرأ عنه شيئاً في بحوثهم ومقالاتهم، ويكاد يغيب ذكره البتة، حتى باتت الأجيال الجديدة تنكره ولا تعرف عنه شيئاً.

فعرفتُ فيما بعد أنّ سياسة الذين خلفوا الرسول الأكرم (صلّى الله عليه وآله وسلّم) والى يومنا هذا هي طمس كلّ شيء ينتمي الى الرسول الأكرم (صلّى الله عليه وآله وسلّم) وأهل البيت الأطهار (عليهم السلام)، وهو الشعار الذي أطلقه معاوية جهراً: (لا والله إلاّ دفناً دفناً) حينما طلب منه المغيرة بن شعبة أن يعدل في أخريات حياته ويلين جانبه لبني هاشم.

الروضة الحسينية: أخيراً ماذا تتمنّى في هذه الدنيا؟

السيّد الحسينيّ: أمنيتي أن أكون من الممهّدين لصاحب العصر والزمان (عجّل الله فرجه)، وأن نأخذ بما يريده منّا مولانا بالتفقّه بالدين، والغوص في أعماق أحاديث أهل البيت الأطهار (عليهم السلام)، وهو السرّ وراء التقدّم ومواكبة تطورات العصر، فنحن بين أيدينا علوم أهل البيت الأطهار (عليهم السلام) التي تضمن لنا أن نكون خير أمّة بين أمم الأرض.

وأتمنى أن يكتب الله (جلّ جلاله) لي العودة الى كربلاء المقدّسة لزيارة العتبات المقدسة، فإنها رحمة لنا، كونها محطات تربطنا بأولياء الله ونتوسل بهم الى الله في قضاء حوائجنا.

التعليقات
تغيير الرمز
تعليقات فيسبوك
آخر الاضافات