المنظور النفسي والقرآني للصبر

1049 2015-07-28

د. لطفي الشربيني      

في كثير من الأحيان نكون نحن السبب الأوّل في هزيمة أنفسنا حين نسمح للقلق بأن يتملكنا ويسيطر علينا لأننا في بعض الأحيان تكون لدينا مشكلات ومواقف حقيقية تبرر ما يساورنا من القلق، وكلّ مرضى القلق لديهم من الأسباب ما يعتقدون انّه يكفي لتبرير ما بهم من قلق لكن يبقى عليهم مسؤولية تضخيم هذه الأشياء السلبية والاستسلام لما تثيره في أنفسنا من اضطراب وفي نفس الوقت يهملون تماماً التفكير في كثير من النواحي الإيجابية في حياتهم وهي أضعاف السلبيات التي تسبب قلقهم.

انّ أسباب قلق الناس تنحصر عادة في المال والأبناء والصحة وما يتعلق بهذه الأشياء من مشكلات وأمور يرى فيها الشخص نوعاً من التهديد لأمنه وسلامته فيساوره بخصوص ذلك القلق والتغلب على القلق في هذه المواقف يكون بالتركيز على الإيجابيات مع الثقة بالنفس والإيمان بالله سبحانه وتعالى والصبر الجميل الإيجابي في مواجهة أمور الحياة مع محاولة تعديل المواقف لصالحنا بدلاً من شعور القلق المدمر.

ومن وسائل العلاج النفسي والقرآني الصبر إذا تحمل المتاعب من أجل غاية نبيلة حتى تمر الأزمنة التي يعانيها ليتحقق الصابر من مكافأة وجزاء الله تصديقاً لقول الله تعالى:

(وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ) (النحل/ 126).

(وَمَا يُلَقَّاهَا إِلا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ) (فصّلت/ 35).

(وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الأمُورِ) (الشورى/ 43).

(فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ...) (غافر/ 55).

(.. وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا...) (آل عمران/ 120).

والصابر يتحمل في سبيل الله ثقةً به ورجاء فيه تعالى:

(.. إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِرًا نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ) (ص/ 44).

(وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ...) (محمّد/ 31).

(.. وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ...) (البقرة/ 177).

فالصبر علم ثم انّه معاناة وجهاد ومكابدة في سبيل الحقّ... والصابر صادق:

(الصَّابِرِينَ وَالصَّادِقِينَ وَالْقَانِتِينَ وَالْمُنْفِقِينَ وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالأسْحَارِ) (آل عمران/ 17).

للصبر إذاً ثمرات رائعة ونتائج يانعة إذ انّه طريق للصحة النفسية في الدنيا والآخرة وليس دليلاً على الحقد والكراهية وكبت الاعتداء والهروب من الفاجعات... وستر النزعات والشهوات... بل الصبر دليل على التحمل للأذى ورضا بالقضاء والمعاناة في سبيل أمل عظيم بامتحان قاسٍ يريد الصابر به أن يجتاز المحنة لينال ثواب الله فضلاً من الله ومنه:

(سَلامٌ عَلَيْكُمْ بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ) (الرعد/ 24).

والله سبحانه وتعالى يأمر الناس باتباع الطريق القويم والصراط المستقيم ويبين لعباده انّ الصبر الجميل أفضل طريق للإنسان في الدنيا والآخرة:

(فَاصْبِرْ صَبْرًا جَمِيلا * إِنَّهُمْ يَرَوْنَهُ بَعِيدًا * وَنَرَاهُ قَرِيبًا) (المعارج/ 5-7).

(.. بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ أَمْرًا فَصَبْرٌ جَمِيلٌ...) (يوسف/ 18).

(.. فَصَبْرٌ جَمِيلٌ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَنِي بِهِمْ جَمِيعًا...) (يوسف/ 83).

(وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ وَتَوَاصَوْا بِالْمَرْحَمَةِ) (البلد/ 17).

(.. وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ) (العصر/ 3).

ونؤكد أنّ الحالة المعنوية للمريض وصدق إيمانه بالله تعالى لها دور هام في علاج الكثير من الحالات، فغالباً ما كنت أصادف مريضين بنفس المرض ونفس الحالة، فأجد من خلال الملاحظة أنّ الأوّل قد تغلب على مرضه ويستطيع ممارسة أمور حياته بصورة أقرب إلى المعتاد، بينما ينغمس الآخر كلياً في حالته المرضية وتتدهور حالته المعنوية، ويصاب بكثير من مضاعفات المرض، وقد لاحظت أنّ هذا الأخير الذي تسوء حالته باستمرار يفقد الاهتمام بكلّ شيء وتتركز أفكاره في العادة حول مرضه، ويصعب إقناعه بضرورة المقاومة والصبر في مواجهة المرض، بينما الأوّل لا يبدو متأثراً بالحالة التي ألمت به، ويصبر على ما يعانيه في كثير من الأحيان يتحدث كثيراً عن ثواب الصبر على الابتلاء وعن الأمل في الله سبحانه القادر على الشفاء وبذلك يكون الصبر وسيلة ناجحة لعلاج النفس وبه تتحقق الصحة النفسية للإنسان.

التركيز على الإيجابيات:

من أساليب العلاج المعرفي الاقناع بأسلوب الحوار. ومثال ذلك أن نركز على فكرة انّ الأمور الجيدة والإيجابية كثيرة في داخلنا ومن حولنا لكن المشكلة انّنا نتجاهلها ونتمسك بالتركيز على أشياء سلبية قليلة تصادفنا فيساورنا بشأنها القلق.. فهل فكرت مرة في أن تحصي ما لديك من أشياء وتحاول تحديد قيمتها بالتأكيد لم تفعل إذا نظرت إلى نفسك فقط دون ما لديك من ثروة أو ممتلكات فهل تستطيع أن تحدد الثمن الذي تساويه أعضاء جسمك؟ انّ لديك عينين تبصر بهما كم تساوي الواحدة؟ ولديك قلب وكليتين وكبد والجلد والدم... وغير ذلك مما لا يعرف قيمته الحقيقية إلّا من فقد شيئاً منه!

وبعد كلّ ذلك نجد من يشكو من القلق ومن يتهم الآخرين والحياة من حوله ولا يرضى بحظة في الدنيا صحيح انّ الحياة تأتي أحياناً ببعض مواقف التعسة والألم ولكن لابدّ أن تكون لدينا القدرة دائماً على تلمس مواطن للسعادة وسط تلك المواقف حين نستخلص منها بعض الإيجابيات وقد يكون أحد المواقف الذي يمثل خبرة مريرة تعرض لها الواحد منا فيه الكثير من الفائدة التي ندركها فيما بعد.

يقول عالم النفس (ادلر) أنّ بوسع الإنسان يحوّل بقدرته السالب إلى موجب وهذا ممكن بالرغم من الشك الذي يعيه كثيراً من الناس في إمكانية تحويل المواقف الأليمة إلى شيء إيجابي ومن دواعي تعزيز الثقة بالنفس والإيمان بالله أن يشعر الإنسان انّه كائن عظيم.. فيه كلّ إبداع الخالق سبحانه وتعالى.. فالإنسان لا يتساوى مع أي كائن آخر في هذا الكون ولكلّ منا شخصية مستقلة متميزة ولك أن تعلم أيها الإنسان أنّ كلّ خلية فيك تختلف عن ما لدى غيرك وتحمل بصمة خاصة تميزك عن غيرك من الناس حتى هؤلاء الذين عاشوا في العصور الماضية وإذا نظرت إلى نفسك وإلى الحياة من حولك وتأملت قليلاً ستجد ما يدفعك إلى الطمأنينة خصوصاً إذا كان إيمانك بالله عميقاً ولديك اليقين الراسخ بأنّه سبحانه بيده كلّ شيء فلا داعي إذاً للقلق والخوف من أمور هي من تدبير الله.. قال تعالى:

(إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ * آخِذِينَ مَا آتَاهُمْ رَبُّهُمْ إِنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ مُحْسِنِينَ * كَانُوا قَلِيلا مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ * وَبِالأسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ * وَفِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ * وَفِي الأرْضِ آيَاتٌ لِلْمُوقِنِينَ * وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلا تُبْصِرُونَ * وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ) (الذاريات/ 15-22).

ويجب على كلّ منا أن يتذكر ذلك حين يساوره القلق والاكتئاب بسبب أمور تافهة للغاية فقد يقلق الواحد منّا على صحته حين يصيبه ألم في أسنانه أو حين يجد أنّه لا يملك ثمن حذاء فاخر ولا يستطيع شراء سيارة أنيقة كان يحلم بقيادتها وهو في هذه الحالة يتناسى تماماً نعمة الله عليه.. فهناك أشخاص لا يجدون المأوى أو الطعام وقريباً منك يمكن أن ترى في الشارع شخصاً أعمى وآخر بترت ساقيه وغيرهم كثير يرقضون دون القدرة على الحركة بسبب الأمراض انظر إلى نفسك وانظر إلى ما تزدحم به الحياة من حولك من أشياء وتذكر وأنت في تأمل ذلك انّ لك كلّه من صنع الله سبحانه وانّ ما أصابك لم يكن ليخطئك فالأمر بيد الله وكف عن ما تشعر به.

المصدر: كتاب وداعاً أيها الاكتئاب

التعليقات
تغيير الرمز
تعليقات فيسبوك