الصوت الممیز فی الحرم الرضوي...

1247 1970-01-01

عندما تزداد شوقاً؛ عندما تحول المسافات الشاسعة، والأعمال الیومیة المتراکمة، والکثیر من المسائل الصغیرة والکبیرة بینک وبین الحرم، لن یسرّ قلبك إلا عندما تستقر فی مکان وتغمض عینیک لترحل من هذا العالم إلى فضاء الحرم المطهر. الآن، ستبقى هنا مع مظاهر من الحرم>

ربما أحببت ان تقف أمام الضریح، أو فی المسجد الواقع عند رأسه الشریف، أو فی أی مکان آخرمن الروضة المنورة لتزرف الدموع وتهمس بأسرارک وحاجاتك للإمام الرؤوف. ربما تکون ممن کانت غایة أمانیهم الوقوف للحظة أمام النافذة الفولاذیة، ربما تحب أن تقف فی وسط صحن کوهرشاد مقابل القبة الذهبیة وتقرأ الزیارة ثم تکمل زیارتک بصلاة رکعتی الزیارة. أجل! لقد ترك لك الحرم مئات المظاهر الملکوتیة کذکریات تتذکرها عندما یضیق قلبک وترسل روحک لتقبیل أقدام شمس الشموس مولانا الإمام الرؤوف. ولکن من بین کل هذه الأشیاء الموجودة فی الحرم الملکوتی هل فکرت للحظة فی الإیقاعات المنبعثة منه، تعال وأجب عن هذا السؤال؛ عندما یذکر اسم حرم الإمام الرضا (علیه السلام) أی صوت یزمزم فی أذنیک؟ صحیح! یجیب الجمیع هذا الجواب تقریباً؛ ألحان النقارة. الصوت الملیء بالرموز والأسرار الذی یعم أرجاء الحرم من سنوات طویلة ویحفظ أیقاعه فی قلوب الکثیر من زائری الإمام الرضا (ع).

الیوم نرید أن نتحدث عن النقارة وموسیقى النقارة عن السُّنة التی بقیت ألحانها العذبة ذکرى على مدى خمسة قرون و نصف. حفید کوهرشاد، مؤسس النقارة. سنة ألحان وإیقاعات النقارة من السنن القدیمة فی الحرم الرضوی وهی ترجع إلى 557 سنة کما هو مذکور فی الوثائق الرسمیة الموجودة فی مرکز الوثائق والمخطوطات للبلاد. بدأ عزف إیقاعات النقارة فی العتبة الرضویة المقدسة من أواسط القرن التاسع الهجری القمری حیث أصدر المیرزا أبو القاسم بایر حفید گوهرشاد عام 860 هـ.ق الموافق لـ 835 هـ.ش فی سفره إلى مشهد المقدسة أمراً بعزف إیقاعات النقارة فی صحون الحرم. وبعد ذلک استمر عزف تلک الإیقاعات داخل الحرم الرضوی فی المراحل المختلفة وحتى الآن، وتروی الوثائق الموجودة من تلک الأزمنة استمرار هذه السنة وتصفها بأنها أحد الخدمات الرائجة للعتبة الرضویة المقدسة.

ولکن منذ عام 1312 وحتى 1320 هـ.ق تم توقیف عمل النقارة فی الحرم بأمر من رضا خان البهلوی ویذکر أن هذه المدة هی المدة الوحیدة التی توقفت فیها النقارة طیلة السنة باستثناء شهری محرم وصفراللذان یتوقف فیهما عمل النقارة دوماً احتراماً لمراسم العزاء. النقارة الخشبیة أکثر الوثائق المتبقیة عن إیقاعات النقارة فی الحرم الرضوی المطهر کهذه الصورة التی تعود إلى العهد القاجاری. سجلت هذه الصورة فی عام 1309 هـ.ق من قبل عبد الله قاجار من صحن الانقلاب فی حرم ثامن الحجج (ع) وهی من أقدم الصور التی یظهر فیها مکان النقارة فی الحرم. یشاهد فی هذه الصورة أن مکان النقارة یقع على سطح إیوان مشهور بإیوان النقارة، کما یظهر فی هذه الصورة بوضوح مشربة الماء لاسماعیل طلایی( سقاخانه) الذی یعتبر من أقدم الأقسام التاریخیة الموجودة فی الحرم الرضوی ویظهر کذلک قنوات المیاه التی توصل لها الماء. کان بناء النقارة آنذاک یتشکل من هیکل خشبی وکان الذین یعزفون یقفون فی داخلها کما أن وقت عزف تلک الإیقاعات واحد على طول تلک السنوات حیث تکوّن بذلک الشکل الأصلی لسنة النقارة.

وفقاً لهذه السُّنة تعزف النقارة فی کل یوم قبل طلوع الشمس وقبل غروبها وبالتزامن مع طلوعها وغیابها تسمع الأذن آخر ألحانها وهذا لأجل تنبیه المصلین الذین لم یؤدوا الفریضة حتى تلک الساعة وتذکیرهم بأنه لا یوجد متسع من الوقت لأداء الفریضة.

وتعزف إیقاعات النقارة أیضاً فی المناسبات الخاصة التی یفرح بها الناس ویحتفلون بها بشکل جماعی فیصعد العازفون إلى النقارة ویدقون الطبول وینفخون بالأبواق. وکذلک عند شفاء مریض فی هذه العتبة مع علم خدام الإمام بحاله وانضمامه إلى الذین سبقوه بالشفاء فیها تعزف ألحان وإیقاعات النقارة إعلاماً للجمیع وإظهاراً للفرح والسرور. بالاضافة إلى ذلک تعزف هذه الألحان والإیقاعات فی لیالی میلاد المعصومین والمناسبات الدینیة کعید الفطر والأضحى والغدیر وفی رأس السنة الشمسیة وبدایة النیروز. وتتوقف النقارة احتراماً لمراسم العزاء فی أیام شهر محرم وصفر التی هی أیام عزاء عند الشیعة.

إیوان النقارة إیوان النقارة أو الإیوان الشرقی یعتبر إیوان مهم فی صحن الانقلاب الإسلامی حیث یأتی الکثیر من الزائرین عن طریقه إلى العتبة المقدسة. البناء الجمیل والعظیم لهذا الإیوان المتشکل من رسوم ونقوش فیروزیة اللون هو أحد الأقسام المرتفعة فی الحرم الرضوی المطهر ولهذا السبب یمکن مشاهدته من أقسام الحرم المختلفة. إن ارتفاع بناء هذا الإیوان هو سبب فی وصول ألحان وإیقاعات النقارة إلى أماکن بعیدة. نشاهد فی هذه الصورة المأخوذة من عدسة إبراهیم ذهبی المعروف بالسیاح إیوان النقارة فی عام 1325 هـ.ش کما نرى فیها بالاضافة إلى الإیوان وبناء النقارة الطریق إلى الحرم الرضوی المطهر من جهة شارع النواب الصفوی ونرى فیها أیضاً المحلات التجاریة والدکاکین الواقعة على هذا الطریق.

وبالطبع فهذه الأقسام ضمت بشکل کامل إلى الحرم الرضوی الشریف.   النقارة بعد تخریب بناء النقارة القدیم فی عام 1338 هـ.ش من أجل إعادة بنائه استغرق البناء الجدید ثمانیة سنوات لیکون بهذا الاستحکام والجمال فوق إیوان النقارة.

عند إنشاء بناء النقارة تم التخلص من سقف الإیوان لأنه کان قد کسر ووصل فی البدایة المدخل الداخلی والخارجی مع بعضهما البعض بواسطة البطون المسلح واتصلت مع بعضها بأعمدة وسقف اسمنتی ثم وضع بمحاذاة الأعمدة قواعد النقارة ثم شید بناء النقارة الاسنمتی علیه دفعة واحدة بشکل قالب واحد. عندما کان مکان النقارة الجدید فی حال الإنشاء کانت إیقاعات النقارة عند البدء تعزف لأشهر قرب برج الساعة فوق الإیوان الغربی وبعد ذلک وبمدة أربع سنوات کانت تعزف على منصة خشبیة مؤقتة من فوق إیوان عباسی.

یتکون البناء الجدید للنقارة من ثلاثة طوابق فی الطابق الأول توضع وسائل النقارة وفی الطابق الثانی یوجد غرفة خاصة بأفراد النقارة فیها نافذتان حدیدیتان صغیرتان مطلتان على الغرب وفی الطابق الثالث تکون النقارة التی هی بارتفاع 3/20 تقریباً على شکل ثمانیة أضلاع منتظمة فیها ضلعان ممدودان فی الطول. یبلغ ارتفاع بناء النقارة 9/50 متر وقاعدتها بمساحة30 × 6/18 وسقفها یتصل بالطابق الثانی بـ 18 قاعدة حدیدیة وتمد فیها سلالم حدیدیة بتصمیم هندسی على الأطراف ویوجد فی أعلاها ثلاثة طبقات کدرجات مزینة بالرسوم والفسیفساء وفی أعلاها سور مسنن مزین بالفسیفساء بلون الفیروزة الازرق یتلألأ من بعید.

الشکل الخارجی للطابقین الأولیین مزین بالسقوف المنحیة الجمیلة والأطباق الفسیفسائیة ذات الألوان الرائعة وهذه السقف المزینة وما یتعلق بالبناء من أمور أخرى کانت على عاتق الحاج صادق رأفتی کما أن تصمیم الرسوم والفسیفساء کان بقلم محمد حسن رضوان وکتابة العتبة الرضویة المقدسة. لقد رممت هذه النقارة بشکل جزئی عدة مرات منذ التأسیس وحتى هذه اللحظة وهی الآن على الشکل الذی ترونه فی الصورة.   العاملون فی النقارة. من النقاط المهمة حول النقارة وسنة العزف فیها والتی یجدر بنا التذکیر بها هی حول العازفین لتلک الإیقاعات والألحان.

فی عام 1307 هـ.ش ومع تدوین قانون الخدمة لعمل العازفین فی النقارة والذین یعتبرون من خدام الحرم وضع لهم وظائف خاصة وتم خفض عددهم إلى تسعة أشخاص. ومن ذلک العهد وحتى أواخر العهد البهلوی هذه المجموعة المکونة من تسعة أشخاص تعتبر من العاملین الذین کانوا فی إدارة التشریفات کما کتبت احتشام کاویانیان ثم صاروا یعملون بعد ذلک بصورة فخریة. وأما الآن فیبلغ عدد العاملین فیها 14 شخص یشارک منهم فی کل نوبة عشرة بینهم أربعة یدقون على الطبل وستة ینفخون فی الأبواق. ویحظى هؤلاء بحقوق ومزایا خاصة وهم یعملون تحت اشراف إدارة الانضباط التی هی تحت إشراف مدیریة الأماکن المقدسة فی العتبة الرضویة. ورئیسهم الیوم هو أحمد أقوام شکوهی الذی ورث هذا المنصب عن أبیه وأجداده، کما أن أبناءه أیضاً من العاملین فیها. وهو یعمل فی النقارة منذ 55 عام حیث یعزف الإیقاعات ویجهز الطبول ویدیر النقارة.

معدات و وسائل النقارة

تشمل معدات ووسائل النقارة أربعة أنواع من الطبول والأبواق ولوازمهما. الطبول لها هیاکل مخروطیة کبیرة وصغیرة من النحاس والحدید وعلیها جلد مدبوغ ویضرب علیها بعصاتین خشبیتین بطول 20 سم، والأبواق آلات موسیقیة تعمل عن طریق النفخ فیها یبلغ طولها بین 100 و120 سم تقریباً وهی مصنوعة من النحاس أو النحاس والزنک. الطبول الأربعة المستخدمة لها أسماء هی طبل سرتشاشنی ، کاه برکاه، تخم مرغی، وساده أما الأول فهو طبل صغیر منه النحاس والزنک ویعطی الطبقة السفلى من الصوت ویوصف بأنه الطبل الأصلی ویضرب علیه من قبل سرتشاشنی فی کل الأوقات والطبول الأخرى هی من النحاس وهی بحجمین کبیر ومتوسط. الأبواق لها ذکر وعلى أحد الأقوال ألحانها هی ألحان القرون السابقة التی انتقلت من صدر الى صدر حتى وصلت إلینا وکل شخص یفسرها کما یعتقد وفقاً لذوقه.   عند إجراء المراسم یجلس الطبالین الأربعة على کراسی صغیرة بالجهة الیمنى من النقارة مستقبلین قبة الإمام (ع) الذهبیة ویقف أصحاب الأبواق الستة بالترتیب إلى جانب قائد الفرقة فی جهة الیسار. کما یقوم العاملون القدماء بتدریب العاملین الجدد من خلال تجارب فی هذا المکان.

http://news.aqr.ir

التعليقات
تغيير الرمز
تعليقات فيسبوك