الشرق الاسلامي في كتابات الفيلسوف الألماني هيجل 


يعد الفيلسوف الألماني هيجل ( 1770م-1831م) من أعظم فلاسفة العصور الحديثة في العالم لما تركته كتاباته من أثر بالغ في تاريخ الفلسفة الإنسانية، وبالرغم من أن فيلسوف ألمانيا العظيم لم يترك كتابا واحد عن الدين الإسلامي أو عن مسلمي الشرق إلا أن الإسلام كثيرا ما يحضر في كتابات هذا الفيلسوف الذي خبر الفكر الإسلامي وقرأه قراءة فاحصة نجد أثرها واضحا فيما تركه من آراء مبثوثة في عموم كتاباته، وقد تعلقت هذه الآراء بموقف هيجل من الإسلام بوصفه ظاهرة روحية دينية خاصة.

ولعل الفصل الذي خص به الإسلام في كتابه (محاضرات في فلسفة التاريخ) هو الحيز الوحيد الذي شغل آراء هيجل عن هذه الديانة السماوية لكن عموم آرائه المتفرقة التي تناولت الحضارة الإسلامية توزعت بدرجات متفاوتة على مفردات كتبه الكثيرة، ولعلّ من الممكن إيجاز بعض هذه الآراء من خلال الفقرات الآتية:

-يقدم هيجل الدين الاسلامي على انه (ثورة الشرق) التي حطمت كل الوثنيات والسلط القائمة آنذاك- وطهرت النفس من الأدران والشوائب التي تعلق بها جاعلة من الواحد المطلق (الله) جوهرا لهذا الوجود وغاية لغاياته، فيما لم يصرح هيجل بوجود مثل هذا الروح في التشكيلات الحضارية القديمة كالمغول والصينيين والهنود، وهي تشكيلات مهمة شاركت الإسلام في صياغة الشرق على المستوى الروحي .

-يقر هذا الفيلسوف الكبير بفضل العرب المسلمين على الامم الاخرى بما فيها الامم الاوربية عموما والامة الجرمانية التي ينتمي لها على وجه الخصوص، فالعلوم والمعارف ولا سيما الفلسفية منها وصلت الغرب عن طريق العرب، بل انه يذهب اكثر من ذلك حينما يلمح إلى أن الاحتكاك بالمسلمين في بلاد الأندلس وحوض المتوسط أثمر عصر النهضة الأوربية فيما بعد، ثم الإصلاح الديني الذي عرفته الكنيسة المسيحية، غير أنه يعود فيبخس الفلسفة الإسلامية حقها حين يقول: ( أن ما هو شرقي يجب أن يستبعد من تاريخ الفلسفة الإنسانية) على اعتبار أن الشرق مفتقر في جوهره إلى وعي الذات وهو الشرط الأساس في التفلسف الذي يربط هيجل أصله ومنتهاه للأمم الإغريقية حصرا.

-يقترب هيجل من التصورات الاسلامية حينما يجعل الوعي البشري معلقا بثلاث متميزات متلازمة، هي: الله والإنسان والغاية الكلية، فالله في الوعي المتسامي هو القوة المطلقة الكلية التي تتحكم بالوجود وتصوغه صوغا نهائيا غير قابل للإضافة والتعديل! أما الإنسان فهو اللحظة الثانية للوعي الاسمى والنتيجة المباشرة لوجود القوة المطلقة الكليّة (الله) في حين تحدد الغاية طبيعة علاقة الله بالانسان وهي علاقة عبد بمعبود أو حبيب متعلق إلى أعلى درجات التعلق بحبيبه.

-رأى هيجل أن مآل العالم بفعل التطور التكنلوجي الذي ظهرت بوادره قبل ولادة هيجل في أوربا بقرن من الزمان هو مآل متجه نحو عبودية الإنسان واضمحلاله الروحي بفعل هيمنة القوى المسخرة للتكنلوجيا، وهو ما سيتعارض مع فكرة الأديان ونفيها وتحجيمها، علما إن هذا  الأمر يتطابق اليوم مع فكرة العولمة التي لا تجد من يعارضها كالإسلام لأنها تريد ا، تجعل الناس كلهم عبيدا بالإكراه وهو ما يتنافى مع فكرة غائية الوجود القائمة على طبيعة العلاقة الفريدة بين الرب المطلق والإنسان الفرد.

-وفي موقف هيجل الفني (والفن شغل مساحة كبيرة في اشتغالاته الفلسفية) يرى هذا الفيلسوف: (إنّ الإسلام لا يسمح بأيّ تصوير لله، حيث هذا الموضوع روحيّ محض). وهنا يمكن أن نتلمس أثر الإسلام للتناول الهيجلي  للعلاقة المترتبة على هذا الرأي بين الإسلام وموقف الإصلاح البروتستانتي تجاه الأيقونات والتماثيل وعلاقة الكاثوليك بهذه الرسوم وموقف الإسلام من كلّ الرسوم والتماثيل التي ترمز إلى الله . 

-وعن التصوف الذي وجده ظاهرة إسلامية محضة فإن هيجل يراه: ( حيوية داخلية للشعور العميق للروح التي تقتصر أساسا على إبطال المرئي) وهو يرفض فكرة وحدة الله والعالم التي يعدها فكرة ليست موجودة إلا في الفكر الذي بطبعه لا يمتلك اية حقيقة فعلية ولا اي تحديد.

-ما هذه إلا آراء مختصرة جدا لتأثيرات الرؤية الإسلامية في فكر هيجل الفلسفي، وهي رؤية من الضروري أن تأخذ حيزا أكبر في الدراسات الفلسفية المشرقية والإسلامية لا في فكر هيجل وحده وإنما في فكر كل الفلاسفة الأوربيين الذين احتكوا بالرؤية الإسلامية وقرأوها عن قرب أو عن بعد....

التعليقات
تغيير الرمز
تعليقات فيسبوك