قال الله تعالى:
{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لَائِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ(*)إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ (*) وَمَنْ يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ} [المائدة: 54،55، 56].
هذه الايات تحكي واقعة التصدق بالخاتم؛ التي سجل فيها القران الولاية لعلي وانشد فيها حسان بن ثابت شعرا:
أبا حسن تفديك نفسي ومهجتي * وكل بطئ في الهوى ومسارع
أيذهب مدحي في المحبين ضائعا * وما المدح في جنب الاله بضائع
فأنت الذي أعطيت إذ كنت راكعا * فدتك نفوس القوم يا خير راكع
فأنزل فيك الله خير ولاية * فبينها في محكمات الشرائع
نقلت القصيدة في (المناقب للخوارزمي ص 264 - 265 ط قم.)
هذه الايات تحذر من الارتداد وكأنه امر لا محالة واقع ، وفي نفس الوقت تتفأل ان الله في حال الارتداد فالله تعالى سوف يأتي بقوم يحبهم ويحبونه بدل عن المرتدين اشارة الى ما وصف به النبي علي عليه السلام في واقعة خيبر، حيث بعد تخاذل ابو بكر وعمر حين اعطاهم الرسول صلى الله عليه واله الراية في خيبر على التوالي ففروا وجبنوا وجبنوا اصحابهم عن فتح خيبر عندها قال الرسول قولته المشهورة في الحديث المتواتر المتفق عليه : ( لأُعْطِيَنَّ الرَّايَةَ غَدًا رَجُلاً يُفْتَحُ عَلَى يَدَيْهِ ، يُحِبُّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ ، وَيُحِبُّهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ »(1) .
لذا فالاية ترسم الطريق للمؤمنين في حال حصول الارتداد عن دين الله القويم وتأمرهم بان وليهم علي عليه السلام بشخصه الموصوف من قبل الرسول صلى الله عليه واله وهو المعطي للصدقة في المسجد وحاله راكع وواقعة تلك الصدقة المشهودة التي لم تتكرر مع احد على الاطلاق بالرغم من محاولاتهم كما سيأتي بيانه .
ان هناك شبه اجماع لمفسري العامة ما عدا النواصب منهم لعنهم الله على ان هذه الايات نزلت في علي عليه السلام واليك توثيق البعض منها:
1- جاء في تفسير البحر المديد:
(وجملة : { وهم راكعون } : حال إن نزلت في عليّ رضي الله عنه (2).
2- وفي التسهيل لعلوم التنزيل لابن جزى :
((وهم راكعون)؛ قيل نزلت في علي بن أبي طالب رضي الله عنه فإنه سأله سائل وهو راكع في الصلاة فأعطاه خاتمه)(3).
3- وفي تفسير الدر المنثور (3/ 404)
(( أخرج الخطيب في المتفق عن ابن عباس قال : « تصدَّق علي بخاتمه وهو راكع ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم للسائل » من أعطاك هذا الخاتم؟ قال : ذاك الراكع ، فأنزل الله ( إنما وليكم الله ورسوله ).
وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن جرير وأبو الشيخ وابن مردويه عن ابن عباس في قوله { إنما وليكم الله ورسوله . . . } الآية . قال : نزلت في علي بن أبي طالب .
وأخرج الطبراني في الأوسط وابن مردويه عن عمار بن ياسر قال « وقف بعلي سائل وهو راكع في صلاة تطوّع ، فنزع خاتمه فأعطاه السائل ، فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فاعلمه ذلك ، فنزلت على النبي صلى الله عليه وسلم هذه الآية { إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون } فقرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم على أصحابه ، ثم قال : من كنت مولاه فعلي مولاه ، اللهم وال من والاه وعاد من عاداه » .
وأخرج أبو الشيخ وابن مردويه عن علي بن أبي طالب قال « نزلت هذه الآية على رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيته { إنما وليكم الله ورسوله والذين } إلى آخر الآية . فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم فدخل المسجد ، جاء والناس يصلون بين راكع وساجد وقائم يصلي ، فإذا سائل فقال : يا سائل ، هل أعطاك أحد شيئاً؟ قال : لا ، إلا ذاك الراكع - لعلي بن أبي طالب - أعطاني خاتمه » .
وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ وابن عساكر عن سلمة بن كهيل قال : تصدق علي بخاتمه وهو راكع ، فنزلت { إنما وليكم الله } الآية .
وأخرج ابن جرير عن مجاهد في قوله { إنما وليكم الله ورسوله . . . } الآية . نزلت في علي بن أبي طالب ، تصدق وهو راكع .
وأخرج ابن جرير عن السدي وعتبة بن حكيم مثله))(4) .
4- وفي الدر المنثور ايضا: (وأخرج الطبراني وابن مردويه وأبو نعيم عن أبي رافع قال « دخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو نائم يوحى إليه ، فإذا حية في جانب البيت ، فكرهت أن أبيت عليها ، فأوقظ النبي صلى الله عليه وسلم ، وخفت أن يكون يوحى إليه ، فاضطجعت بين الحية وبين النبي صلى الله عليه وسلم ، لئن كان منها سوء كان فيَّ دونه ، فمكثت ساعة فاستيقظ النبي صلى الله عليه وسلم وهو يقول { إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون} الحمد لله الذي أتمَّ لعلي نعمه، وهيأ لعلي بفضل الله اياه» .
وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس قال : كان علي بن أبي طالب قائماً يصلي ، فمر سائل وهو راكع فأعطاه خاتمه ، فنزلت هذه الآية))(5) .
5- وفي تفسير الكشاف للزمخشري:
(أنها نزلت في عليٍّ كرم الله وجهه حين سأله سائل وهو راكع في صلاته فطرح له خاتمه)(6) .
6- وفي تفسير المحرر الوجيز لابن عطية المحاربي:
(وروي في ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج من بيته وقد نزلت عليه الآية فوجد مسكيناً فقال له هل أعطاك أحد شيئاً فقال نعم ، أعطاني ذلك الرجل الذي يصلي خاتماً من فضة ، وأعطانيه وهو راكع ، فنظر النبي صلى الله عليه وسلم فإذا الرجل الذي أشار إليه علي بن أبي طالب ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم ، الله أكبر وتلا الآية على الناس .
قال القاضي أبو محمد رضي الله عنه : وقال مجاهد : نزلت الآية في علي بن أبي طالب تصدق وهو راكع)(7).
7- وفي تفسير بحر العلوم للسمرقندي:
قال ابن عباس : وذلك أن بلالاً لما أذّن ، وخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم ، والناس في المسجد يصلون بين قائم وراكع وساجد ، فإذا هو بمسكين يسأل الناس ، فدعاه رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال : «هَلْ أَعْطَاكَ أَحَدٌ شَيْئاً؟» قال : نعم . قال : «مَاذَا»؟ قال : خاتم فضة . قال : «وَمَنْ أَعْطَاكَ»؟ . قال : ذلك المصلي . قال : «فِي أيِّ حَالٍ أعْطَاكَ»؟ قال : أعطاني وهو راكع . فنظر ، فإذا هو عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه . فقرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم على «عبد الله بن سلام» { الذين يُقِيمُونَ الصلاة وَيُؤْتُونَ الزكواة وَهُمْ رَاكِعُونَ } يعني : يتصدقون في حال ركوعهم حيث أشار بخاتمه إلى المسكين حتى نزع من أصبعه ، وهو في ركوعه )(8).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
هوامش البحث:
1 ) موجود في كل كتب الحديث واللفظ للبخاري: صحيح البخارى (11/ 45).
2 ) تفسير البحر المديد (2/ 78)
3 ) التسهيل لعلوم التنزيل لابن جزى : (1/ 319)
4 ) الدر المنثور للسيوطي: (3/ 404)
5 ) الدر المنثور (3/ 405)
6 ) الكشاف للزمخشري: (2/ 38):
7 ) المحرر الوجيز لابن عطية المحاربي: (2/ 309):
8 ) تفسير بحر العلوم للسمرقندي (1/ 485)