حسين صادق الكربلائي (1951م - 2016م) قصائد معجونة بدم القلب!      

3410 2016-03-24

بالرغم من غيابه المفاجئ والمفجع سيبقى المبدع الموهوب (حسين صادق) محفّزا ذاكرة محبّيه للعودة إلى ديوانه الوحيد (علّمتنا كربلاء) الذي نشره قبل أسابيع قليلة من رحيله، خاصّا كاتب هذه السطور بنسخة منه ظلّت مطوية بسبب كثرة الشواغل اليومية وتعدّدها.

 وقد أثار الرحيل الصادم لهذا الشاعر الملتزم الانتباه لهذا الديوان البكر والوحيد في محاولة لا شعورية لتخفيف وقع الموت وقساوته أولا، وثانيا للبحث عمّا تركه لنا الفقيد في هذا الديوان من لواعج ومسرّات أُغفلت أو تُنوسيت في زحمة شواغلنا الكثيرة، بينما كان الأمر بالنسبة لهذا الأديب الفطري بمثابة الشغل الشاغل الذي يلازمه أنّى يحلّ ويرحل، وهو ما يتبدى لمن عرف (حسين صادق) المولود بمدينة كربلاء 1951م، من خلال حديثه الدائم عن مدينته التي ولد فيها وترعرع بين دروبها وأزقتها، واستنشق عبير بساتينها صبيّا ويافعا، وتعلّم في مدارسها ثمّ طاف محطات عشقها بحثا عما يطفئ ظمأ الروح الملتهبة ويخفف قسوة العيش في ظلّ حياة جائرة ودنيا غير منصفة عرفها جيلُه، جيلُ الحروب والمتاهات والانتصارات الوهميّة.

ينتمي جلّ شعر (حسين صادق) إلى ما يُعرف بالأدب الملتزم الذي يجعل من خلاله الكاتب أو الأديب فنّه وسيلة لخدمة فكرة معيّنة (نافعة غالبا) عن الانسان ومواقفه الاجتماعيّة والأخلاقية، وليس مجرّد تسلية غرضها الوحيد إثارة المتعة والاندهاش الجمالي العابر، وهو ما يحتّم على هذا الأديب مشاركة الجموع همومَها وآمالَها وتطلعاتِها لدرجة تصل إلى نكران الذات الفرديّة أو (الداخليّة) التي يجب أن تتنازل عن خصوصيتها وتضحي بها من أجل ذات أكبر وأشد أهمية هي الذات (الخارجيّة) أو الذات الكليّة التي تندرج الأولى ضمنها وتدور في فلكها مستمدة شحناتها العاطفيّة ومستوحية نماذجها ورموزها التاريخية العظيمة ومستعيدة ذكرياتها التي تمنحها نشوة الإحساس بالوجود والانتماء! 

ولمّا كان شعر الولاء المعبّر عن حبّ عترة النبي المصطفى - بحدّ ذاته- غرضا ساميا يؤكّد إيمان قائله برسالة الاِسلام ويسعى عبر سبيل القصيد لتجذير ارتباط المجتمع برموزه التاريخية العظيمة؛ فقد جاء ديوان (علّمتنا كربلاء) مدشّنا بقصائد عديدة تلتقي عند هذا الهدف السامي والأساسي وتنطلق منه.  

 وقد توزّعت القصائد الثلاثة والخمسون التي انبنى عليها الديوان بين محاور أربعة شكّلت الأساس الذي ترتكز إليه رؤية الفقيد الراحل، أمّا هذه المحاور، فهي: قصائد المديح الخالص لأهل البيت كقصيدة (جمال النور) في الرسول الكريم، ومطلعها:

         يبلى الزمانُ ولا تزالُ جديدا **** بجمالِ نورِك قد سموتَ فريدا ! 

وكقصيدته عن (يوم المباهلة) التي تحمل العنوان نفسه، وقصيدته (يوم الغدير) وقصيدته (رضا الإله) في ذكر مناقب أمير المؤمنين، وقصيدتاه (دم الحسين قضية)و (يا أبا الأحرار) في الإمام الحسين وسوى ذلك من القصائد الأخرى التي حاول من خلالها قائلها أن يلبس مشاعره وعواطفه الدينية شكلا فنيا هو (نظام الشطرين) الذي وجد فيه البناء الأكثر قدرة على استيعاب هذه العواطف.

 أما المحور الثاني من محاور الديوان فتمثّل من خلال شعر المناسبات المكتوب في مناسبات معينة هزّت الشاعر وأجّجت قريحته للقول كما في قصيدة (الوائلي مضى) التي دبّجها مستذكرا رحيل عميد المنبر الحسيني الشيخ أحمد الوائلي، قائلا في مطلعها:

          الموت حقّ والمنيــة موعدُ **** هذا سبيل الحي دربٌ أوحدُ

          لوكان يبقى في البرية خالدٌ *** لبقى نبيّ العالمين مــــــحمّدُ...

وكقصيدته المعنونة (عودة القباب) التي قالها إثر اكتمال تعمير ضريح الإمام العسكري في مدينة سامراء بعد الهجمة التكفيرية الشرسة، وكقصيدته التي ترنّم بها بعد تأسيس مجلة (دواة) المعنيّة بالفكر اللغوي والأدبي، وغير ذلك من القصائد الأخرى، في حين كان المحور الثالث يدور في شعر الحكمة والوعظ الاجتماعي كقصيدته (اصفح الصفح الجميل) التي ابتدأها بقوله:

                اترك القال وقيل ***  تنجُ من وزرٍ ثقيــــــل

               وإذا ساءك قولّ ***  فاصفح الصفح الجميل...

وكقصيدته (حكّم العقل لترقى) وقصيدة (صرخة إنسان) التي يحثّ فيها سامعه على قول الصدق وتوخّي الصراحة والمكاشفة الحقة عند العمل والتعامل، وقصيدته التي يدعو فيها إلى الرفق باليتامى والعطف عليهم تحنّنا ورحمة، كما كان يفعل الأنبياء والصالحون والأخيار في كلّ زمان ومكان.

في حين مثّلت أناشيد الطفولة وأهازيجها المرتكز الرابع من مرتكزات شعر (حسين صادق)، وقد قامت فكرة هذه الأناشيد على ضرورة تعليم النشء الجديد وتهذيبه بأخلاق أهل البيت وسلوكياتهم الراشدة، كإقامة الصلاة في أوقاتها وإظهار السرور والبهجة في أعياد المسلمين، وضرورة تجنب الغيبة والبهتان عند القول، واحترام الأبوين وتقديسهما، ومراعاة حقّ الجار، ومواصلة الكدّ والجهد من أجل التحصيل العلمي اللائق، وسوى ذلك من أمور أخرى حميدة.

ويلاحظ قارئ ديوان (علّمتنا كربلاء) أن اختيار نقطة التقاء الشاعر بموضوعه تتم بمهارة فائقة يتوافق فيها إيقاع القصائد الذي جاء أغلبه من البحور الصافية مع الدلالة التي لا تتخفى أو تخاتل القارئ، لأن الشاعر مشغول بنمط المتلقي العادي الذي يتوجّه إليه بعيدا عن الفذلكات اللغوية والانزياحات المجازية التي تشغل الذهن وتكدّه من أجل الوصول إلى محصولاتها ونتائجها .

 لقد ودّع (حسين صادق) أهله ومحبيه ومدينته التي غمرته أجواؤها بالألفة والمحبة والطيبة المتناهية، وفارق عالما محتشدا بالمآسي والقهر والجور ليرقد رقدته الأخيرة بين أحضان هذه الأرض التي أنجبته وألهمته، وإذ تستقرّ روحه المطمئنة في عالم غيبها السرمدي فإن كلماته ستظل حاضرة تملأ الأفئدة التي أحبته بيقين خالص يؤاخي بين الروحي والدنيوي ويواشج بين الشعري والقدسي.

 

التعليقات
تغيير الرمز
تعليقات فيسبوك