الحشد الشعبي العراقي ثورة بيضاء بسواعد ملونة


الكاتب السوري/ مهند صقر

شهدت المنطقة العربية منذ بداية التاريخ صراعات وحروب دولية واقليمية طويلة الأمد بهدف الاستيلاء عليها والاستفادة من مواردها الطبيعية وموقعها الجغرافي الاستراتيجي وخصوصا إقليمي بلاد الشام والعراق، اللذان يعدان قلب العالم وتمرّ عبرهما شبكة الطرق الدولية التي تصل أجزاء العالم ببعضه.

وقد كان العراق (حضارة بلاد مابين النهرين) شاهداً على أول حضارة في التاريخ ساهمت بنقلة نوعية للإنسان غيرت حياته وطرق معيشته مستفيدا من الموارد الطبيعية ومن الإيمان بالقدرة على التغيير .

تلك الحضارة في بلاد العراق لم تكن نعمة في كثير من الأحيان فقد تكالبت عليها القوى الظلامية محاولة نهب حضارتها وتدميرها خلال عقود متلاحقة إلا أن الإنسان العراقي كان لهم سداً منيعاً وحجر عثرة في وجه الأطماع والطغيان .

فبدأًت موجات الحروب الهمجية التي قام بها "العيلاميون" منذ الألف الرابع قبل الميلاد مرورا بالحثيون والفرس واليونانيون وانتهاء بالبريطانيين والأمريكيين الذين غزو العراق وزرعوا فيها بذور الإرهاب والتفرقة لإدامة السيطرة بعد خروجهم المُذل..

ولا شك ان العراق اليوم تعاني أسوأ انواع الاحتلال التي مرت به عبر مر العصور، حيث قامت الدول الاستعمارية الحديثة بعد خروجها المذل من العراق عام 2013 بزرع خلايا وتنظيمات إرهابية تحركها من خارج الحدود، حيث تهدف تلك التنظيمات إلى تدمير البنى التحتية وتهجير الأقليات الإثنية والعرقية التي تشكل لوحة خلابة تميزت بها حضارة ما بين النهرين منذ عصور، حيث قامت الولايات المتحدة بالتعاون مع حلفائها في المنطقة قبيل خروجها من العراق على دعم الجماعات الارهابية بغية تدمير ما تبقى من البنى التحتية للعراق الحديث وتهجير اكبر قدر من سكانه وهدر الثروات الطبيعية للبلاد .

ولكن وعلى الجهة المقابلة كان العراقيون يدركون الهدف من هذا المخطط الإرهابي ولان الجيش العراقي كان منهكا بسبب الحروب التي خاضها والعقوبات المفروضة عليه منذ عقود فقد كان لابد من ظهور ثورة شعبية جماهيرية لدعم الدولة العراقية وللوقوف في وجه الأطماع الغربية، فكانت فتوى المرجعية الإسلامية (السيد علي السيستاني) بضرورة وجوب الجهاد الكفائي للوقوف في وجه الطغيان الإرهابي ودحره .

وبهذا تكونت نواة الحشد في البدء من المتطوعين الذين استجابوا لفتوى الجهاد، وهم بغالبهم من الشيعة وانضمّت لاحقا العشائر السنية من المناطق التي سيطرت عليها داعش، وكذلك انخرطَ في صفوف الحشد آلاف أخرى من مختلف الأديان والقوميات كالمسيحيين والتركمان والأكراد الذين شعروا بالأهداف الحقيقية التي تبناها واخلص إليها أفراد "الحشد الشعبي"، حيث حرص القائمون عليه منذ تأسيسه على ضرورة الإخلاص والدفاع عن الوطن بكل أطيافه وليس الدفاع عن فئة معينة، ونبذ الطائفية والرجعية التي حاولت القوى التكفيرية والغربية ادامتها، عبر إظهار الحشد الشعبي بمظهر اللون الواحد وأنه من طائفة واحدة وأهدافه مغرضة، إلا ان اصرار قيادات الحشد الشعبي على تاكيد روح المواطنة والتزام أفراده بالقواعد والأسس التي وضعها السيد "علي السيستاني" من ضرورة حث منتسبي الحشد الشعبي على التعامل بالأخلاق الإسلامية، وعدم التعرض للناس أو أهالي المنتمين لداعش (في المناطق المحررة) بأي أذى أو اضطهاد، وعدم إيذاء الكبار بالسن والأطفال والنساء، وعدم قطع شجرة إلا أن يضطروا إلى قطعها، وكذلك معاملة غير المسلمين معاملة حسنة وعدم المساس بهم وبممتلكاتهم .

وعلى هذه الأسس والمعطيات التي ثبتت واقعياً خلال الفترة الماضية يتضح أن الحشد الشعبي أحد تلك القواعد الشعبية التي قرّرت الدفاع عن الأرض والعرض والمُقدّسات، إذ يُمكن وصفهم قوّة جماهيرية تتمثّل فيها أطياف متنوعة الأديان والمذاهب والقوميات في البلاد، مُنتهجة في حُب الله والأرض سبيلا للدفاع عن الوطن والشرف .

وبالنتيجة، لم يكن التطور والاندماج الذي أحدثه الحشد الشعبي مُفاجئاً وبعيداً عن الواقع، كونه يعبر عن حاجة مُلحّة وضرورة إستراتيجية للأمن الوطني العراقي من جهة، ولحماية منهج الإسلام المُعتدل من جهة ثانية.

التعليقات
تغيير الرمز
تعليقات فيسبوك