الجهاد .. بين ضيق الرؤية واتساع المفهوم


محمود قنديل

 

للوهلة الأولى يضعنا المتطرفون التكفيريون أمام مفهوم أحادى للجهاد، وهو – حسب تصورهم – مجابهة الأعداء من حكام المسلمين والمجتمعات الجاهلية (رغم إسلامها) بالسلاح، الأمر الذى يمثل ذروة الخطر ويعمل على انشقاق الأمم وتشظى الأوطان، ويرون أنهم – بذلك قد أعلوا من جهاد النفس وجهاد الشيطان ببذل أرواحهم فداءً لله من أجل إقامة دولة إسلامية تكون فيها الحاكمية لله وهو الشعار الذى رفعه الخوارج إبان حكم الأمويين (لا حاكمية إلا الله) وتبناه من بعدهم متطرفو الفكر وممارسو الإرهاب فى كل العصور والأمكنة.

وينصب تركيزهم – أولا – على ضرورة إزاحة الحاكم ورحيله عن المشهد بكل السبل وكافة الطرق ليتسنى لهم تطبيق ما ينسجم مع أهوائهم، وقد أصَّلَ لهذا الفهم أبو الأعلى المودودى عندما قال: "الله هو الحاكم الحقيقى – ليس لأحد من دون الله حق فى أن يشرِّع"(1)

ويذهب سيد قطب إلى أن: "الهدف هو إقامة مجتمع الإسلام الذى تطبق فيه أحكام القرآن تطبيقًا حرفيًا وأول هذه الأحكام أن يكون الحكم نفسه لله"(2)

ورأى حسن البنا (مؤسس جماعة الإخوان المسلمين) ضرورة أن يكون للجماعة قوة تحميها وتعمل على تطبيق أهدافها، فكان التنظيم السرى أو النظام الخاص الذى بدأ وطنيًا لمحاربة أعداء الخارج، ثم ما لبث أن مارس الإرهاب ضد الداخل فارتكب جريمتى مقتل القاضى أحمد الخازندار سنة 1948 ثم اغتيال محمود فهمى النقراشى (رئيس الوزراء) عام 1948، وبعد ذلك قام نفس التنظيم بمحاولة اغتيال الرئيس عبد الناصر عام 1954 فيما عُرِف بحادث المنشية (بالإسكندرية).

وقد سعى سيد قطب – فيما بعد – إلى تأسيس نظام مسلح داخل الجماعة للدفاع عنها والعمل على تحقيق إقامة مجتمع إسلامى لكن نظام "ناصر" لم يمهله فقُبِض عليه وقدم إلى المحاكمة ليتقرر إعدامه وينفذ الحكم خلال الستينيات.

ولعل ما قاله حسن البنا فى رسائله بشأن الجهاد ليؤكد على رغبته ورغبة أتباعه من بعده على ضرورة وجود سيف يقود ما يرونه من فكر متخلف.

فمن رسائله عن الجهاد يقول: "ومن الجهاد فى سبيل الله أيها الحبيب أن تكون جنديا لله تقف له نفسك ومالك لا تبقى على ذلك من شىء، فإذا هدد مجد الإسلام وديست كرامة الإسلام، ودوى نفير النهضة لاستعادة مجد الإسلام كنت أول مجيب للنداء وأول متقدم للجهاد".

وفى كلمات توحى بضرورة التخلص من الحاكم يقول: "ومن الجهاد فى سبيل الله أيها الحبيب: أن تعمل على إقامة ميزان العدل وإصلاح شئون الخلق وإنصاف المظلوم والضرب على يد الظالم مهما كان مركزه وسلطانه"(3)

هذا الأمر دعمه "عمر التلمسانى" المرشد الثالث للإخوان فى مقالة له بالعدد الأخير من مجلة "الدعوة" التى صادرها السادات نهاية حكمه وقُبَيْل اغتياله على يد التكفيريين (جماعة المسلمين) أو (التكفير والهجرة) كما عُرِفَت إعلاميًا.

يعنون "التلمسانى" مقالته بـ "مصيبتنا أهى من إسرائيل أم من حكام المسلمين؟" وهو سؤال يكشف عن الوجه القبيح لضمور مثل هذه الأفكار التى تبحث لها عن مساحة داخل الوطن تعمل من خلالها على تقويضه لإقامة ما يجهرون بـه: "الحاكمية لله".

وفى مقالته وصف إسرائيل بأنها كيان هش يسهل التخلص منه، بينما فتح نار كلماته على الحكام، فعزا هزالة المسلمين إلى حكامهم، وكشف عن دهاء نواياه: "أريد أن أجذب الشعوب الإسلامية إلى زوابع الحيرة التى تكنفنى"، وفى محاولة ماكرة تحرض على الصدام يقول: "الشعوب الإسلامية سترغم الحكام على النزول عند إرادتها"(4)

الخطاب الأيديولوجى لديهم واحد (عند أبو الأعلى المودودى، وحسن البنا، وسيد قطب) ومن انتهج فكرهم وأيده إلى يومنا هذا سواء فى سوريا، أو العراق، أو ليبيا من تنظيمات متعددة يأتى على رأسها "تنظيم الدولة الإسلامية" (داعش).

إنهم يمثلون خطرًا حقيقيًا على مجتمعات تتطلع إلى آفاق آمنة فى ظل تعددية عاشت من قبل تحت حكم الرسول فى أمن وأمان، فهؤلاء الخوارج الجدد يتجاهلون نصوصًا قرآنية صريحة فى هذا الشأن: ( لَكُمْ دِينُكُم ولى دين - لستَ عليهم بمسيطر   - فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر – أفأنتَ تُكْرِهُ الناسَ حتى يكونوا مؤمنين ) . لكنهم يولون وجوههم شطر ما يرونه من تطرف يهدم ولا يقيم، ويفرق ولا يجمع.

لذا لم يكن غريبا أن يفصح "سيد قطب" عن مفهومه للحاكمية وهو "إسلام العباد لرب العباد وإخراجهم من عبادة العباد إلى عبادة الله وحده بإخراجهم من سلطان العباد (يقصد الحكام) فى حاكميتهم وشرائعهم وقيمهم وتقاليدهم إلى سلطان الله وحاكميته وشريعته وحده فى كل شأن من شئون الحياة".

وسيد قطب مولع بتقسيم المجتمعات والقيم إلى اثنين لا ثالث لهما، مجتمع إسلامى ومجتمع جاهلى، ثقافة إسلامية وثقافة جاهلية، وكلها أمور غاية فى الخطورة لأنها تجعل الداعى إليها فى زمرة (جماعة المسلمين) والمدعو إليها ضمن (مجتمع الجاهلين) من هنا كان تكفير الآخر وجهاده وسفك دمه. غير مبالين بأن سفك الدماء يعادل الفساد فى الأرض (أتجعلُ فيها مَنْ يُفسدُ فيها ويسفك الدماء) البقرة - 30، وأن أول ما يُقْضَى بين الناس يوم القيامة ( يقضى ) فى الدماء كما ورد عن الرسول الكريم.

ولم يلتفتوا إلى تحذير الرسول: "القاتل والمقتول فى النار" ولأن المقتول كان حريصًا على قتل صاحبه فقد استحق النار أيضًا.

ولم يستمعوا إلى خطبة الوداع: (... إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام كحرمة يومكم هذا فى بلدكم هذا فى شهركم هذا).

ثمة قواعد غليظة وضعها الإسلام لإزهاق نفس خلقها الله، تأتى فى مقدمتها القصاص لأنه يحافظ على عدم الإسراف في القتل، ويضبط إيقاع المجتمع نحو حياة عادلة ينال فيها القاتل جزاء ما اقترفه من جُرم، فيُقتَل كما قَتَل.

وتحريم سفك الدماء جاء مُشَدَدًا من قبل القرآن: " وإذ أخذنا ميثاقكم لا تسفكون دماءكم " البقرة - 84، الأمر الذى أدرك معه هابيل (ابن آدم) عظمة حرمة الدم عـــــندما قـــــال لأخيه قابيل: " لئن بسطتَ إلىَّ يدكَ لتقتلنى ما أنا بباسط يدى إليك لأقتلك إنى أخاف الله رب العالمين"   المائدة - 28.

ويباح سفك الدماء ضد العدو المحارب لا المسالم: " أُذِنَ للذين يُقَاتَلُون بأنهم ظُلِموا وإنَّ الله على نصرهم لقدير " الحج : 39.

إن الإشكالية الحقيقية أننا لم نرَ أحدًا من الجهاديين الذين يرفعون الرايات السوداء وقد خُطَّ عليها اسم الرسول تمسحًا فيه، لم نرَ أحدًا منهم ينطلق من القواعد التى انطلق منها محمد (ص) فى دعوته وحكمه:  ( وإنك لعلى خُلُق عظيم  - ولو كنتَ فظًّا غليظَ القلبِ لانفضوا من حولك – قُلْ هذه سبيلى أدعو إلى الله على بصيرة أنا ومن اتَّبعنى ) .

أما استشهادهم بقول القرآن: " قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر"  التوبة - 29 فهو قتال ضد محارب يحمل السلاح بغية العدوان، وهذا الفهم أكدته حقائق النصوص الأخرى، لكنهم يخافون تعددية التأويل والتفسير لتلك الآيات رغم ما تحفل به دلالات وإيحاءات وإشارات لأن هذا لا يخدم مبغاهم.

قد ننحاز إلى أنهم يمثلون الراديكالية الإسلامية فى أسوأ صورها، هذا السوء يتمثل فى قلبهم للحقائق، واستلهامهم لجذور التشدد وتنقيبهم عن كل ما يؤيد توجههم من فكر أو رأى، لذا نراهم وقد استندوا إلى حديث الرسول الذى ورد بمسند أحمد "أما والذى نفس محمد بيده لقد جئتكم بالذبح" فنراهم يذبحون البشر كما تذبح القطعان، مرددين قولة "الله أكبر" وكأن ذبح الإنسان الذى كرمه الله – بنص القرآن – صار واجبًا مقدسًا مادام يخالفهم الفكر والمعتقد.

ثم إن نص الحديث (لقد جئتكم بالذبح) يتناولونه بأحادية غريبة لا تهتم بوضعه فى سياقه الاجتماعى أو تفسيره عبر نسق قرآنى، أو حتى فهمه من خلال مواقف الرسول ذاته، فمحمد – صلى الله عليه وسلم – لم يمارس الذبح قط، ولم تكن حربه ضد كافر أعزل مسالم، فلم يرفع سلاحه سوى فى وجه المحاربين فقط، ولو كان من أنصار الذبح لذبح المشركين يوم فتح مكة وقال مقولته المشهورة: ماذا تظنون أنى فاعل بكم؟ قالوا (باستعطاف وذل) أخ كريم وابن أخ كريم، قال: اذهبوا فأنتم الطلقاء.

وفى الحروب وضع قواعد للمحاربين المسلمين حقًا: (لا تغلوا ولا تغدروا ولا تمثلوا ولا تقتلوا وليدًا) و (ولا تتبعوا امرأة، ولا تجهزوا على جريح، ولا تقلعوا شجرة).

فإذا كان الأمر كذلك، فلِمَ قال الرسول: " لقد جئتكم بالذبح "؟، لابد أن نضع الأمور فى موضعها الصحيح، ونفتح النصوص على احتمالات تأويلاتها ودلالاتها، لغويًا واجتماعيًا، فالرسول سبق أن قال لبعض أتباعه الصالحين عندما غسّلوا رجلا جُنُبًا فى ليلة باردة ومات نتيجة عدم إعمال عقولهم وحصروا فكرهم فى نص واحد مفاده (وجوب غُسْل الجنب)، قال لهم الرسول غاضبًا: قاتلكم الله كما قتلتموه، فهى مقولة كانت موجودة فى الجزيرة العربية يرددها قاطنو المكان لا يقصدون من ترديدها سوى الإعراب عن جم غضبهم وإلا لكان أولى بالرسول أن يقتلهم.

من هنا نجد فى مقولة: "لقد جئتكم بالذبح" ردًا على سب المشركين والكفار للرسول وإيذائهم له وهو يطوف بالكعبة، وهى قولة تهديد لا أكثر بدليل أنه لم يذبحهم أو يأمر بذبح أحدٍ منهم أبدًا.

الأزمة هنا فى ضيق الفهم، وضمور العقل، وسوء التلقى، وكلها تصب فى مجرىً أحادى لا يفسح المجال للآخر، ويقصى كل الآراء معليًا من رأيه الخاص وفكره العقيم وليست عنده القدرة على مقارعة الحجة بالحجة استفادةً من حوار إبراهيم الخليل مع النمروذ كما ورد بالقرآن، لكنهم يفسرون النصوص حسب ما يتفق وهشاشة عقولهم، رغم عدم اتفاقها مع مجمل آي القرآن وسلوك الرسول وصحيح أحاديثه، فقد رأينا ولعهم بتفسير ابن كثير للنص القرآنى: "أفَحُكم الجاهلية يبغون" المائدة - 50، كما بدا انبهارهم بفتاوى ابن تيمية عن التتار وكلها نصوص تحرض على انقسام المجتمع وسفك الدماء باسم الإسلام. 

إن قوله تعالى: " إن الحُكْم إلاَّ لله " الأنعام - 57 لا يعنى تكفيرًا لأحد، لأن تحذير الله واقع: "ولا تقولوا لمن ألقى إليكم السلام لست مؤمنا " النساء - 94.

أما قوله تعالى: " وإن نُكِثُوا أيمانهم من بعد عهدهم وطعنوا فى دينكم فقاتلوا أئمة الكفر إنهم لا أيمان لهم لعلَّهم ينتهون ، ألا تقاتلون قوما نكثوا أيمانهم " التوبة – 12، 13.

فالأمر بالقتال ليس لعلة الكفر، لكنه بسبب نكث الأيمان (العهود والمواثيق والاتفاقات) لأنهـــــم بذلك أصبحــوا محاربين (يحملون السلاح) ويدبرون لإشعال الحرب  ( وهمُّوا بإخراج الرسول ) التوبة – 13.

ويستندون إلى نصوص قرآنية ثلاثة بغية تكفير الحاكم وإباحة دمه " ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون  -  ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الظالمون  - ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الفاسقون "  المائدة – 44، 45، 47.

لكن الواضح أن تفسير هذه النصوص فى إطارها القرآنى لا تقول – أبدًا – بتكفير الحاكم تكفيرًا يخرجه عن الملة ويبيح دمه، فهناك ظروف وملابسات قد لا تسمح للحاكم المسلم بتطبيق بعض أحكام الإسلام وحدوده، مع إيمانه الكامل بشريعة الله التى جاء بها الإسلام، فهو – إذن – لم ينكر نصًا قرآنيًا، أو حديثًا شريفًا لكن لضرورات داخلية وظروف خارجية يرى إرجاء الأمر.

إن إهراق دم امرئ لا يكون إلا وفق قواعد مشددة تحافظ على كيان المجتمع وتمنحه شرعية الدفاع عن النفس حال تعرضه للعدوان.

لقد وجدت الجماعات التكفيرية المعاصرة فى كتاب (الجهاد .. الفريضة الغائبة) ضالتهم، فبعد أن كان مفهوم الجهاد لديهم يستند إلى آراء وفتاوى وأفكار متشرذمة، أصبحوا بصدد كتاب جامع لرؤاهم المتشددة وأحكامهم التكفيرية، وفقههم الإرهابى.

فهذا الكتاب لـ "عبد السلام فرج" أحد الذين حكم عليهم بالإعدام عام 1982 فى قضية اغتيال الرئيس السادات.

يقول فرج فى مقدمة كتابه: "إن علماء الإسلام الحديث تجاهلوا الجهاد فى سبيل الله رغم علمهم أنه الطريق الوحيد لإعادة ورفع صرح الإسلام لأن طواغيت الأرض لن تزول إلا بقوة السيف(5)

الرجل – إذن – واضح أمام الجميع، ومنسجم مع نفسه، ومتسق مع تكفيريته.

إن هذه السطور وكل صفحات الكتاب هما دعوة صريحة للشباب – الغيور على دينه – للتغرير به ودفعه إلى ظلامية الفكر وممارسة القتل ضد الآخرين من مسلمين لا يُعْتَرَف بإسلامهم، وحكام يوصمون بالكفر.

ومن المؤسف – حقا – أن هؤلاء الجهاديين الإرهابيين يضيقون بكل صاحب فكر أو رأى أَعْمَلَ عقله ليخرج برؤى جديدة بصرف النظر عن صحتها أو خطئها، وبصرف النظر عن تأييدنا لها أو رفضنا إياها، فقتلوا الشيخ الذهبى "وزير الأوقاف الأسبق" ردًا على كتابه "التطرف" الذى قال فيه: "إن الدين ليس فيه إرهاب لأن رسالات السماء دعت إلى التسامح والتعاون بلا إكراه ولا سيطرة على البشر".

وحاولوا قتل نجيب محفوظ على خلفية روايته "أولاد حارتنا" متهمين إياه بالكفر والخروج عن الإسلام، فقام شابان منهم بطعنه فى عنقه لكن عناية الله حفظته. 

وفى صيف 1992 اغتيل المفكر العلمانى فرج فوده على يد الجماعة الإسلامية على خلفية مطالبته بفصل الدين عن السياسة والدولة عن المجتمع.

كما نجحوا فى اغتيال الرئيس السادات فى خريف 1981 بعد تكفيره ووصمه بالخروج عن الملة فى الذكرى الثامنة لانكسار إسرائيل وانتصار المصريين.

وأعتقد أنهم لو كانوا قد عاصروا الإمام علي ع لكفروه وقتلوه ، وهو القائل : الناس صنفان ؛ إما أخٌ لك في الدين ، أو نظير لك في الخلق .

وكذلك أُجزم بأنهم لو عاصروا زمن الإمام الحسين ع لوصموه بالكفر وذبحوه ، وهو القائل : لم أخرج أشرًا ولا بطرًا ولا ظالمًا ولا مفسدًا وإنما خرجتُ لطلب الإصلاح في أمة جدي ، أريد أن آمر بالمعروف وأنهى عن المنكر .

إن سكوت الإسلام عن وضع نظام محدد للحكم لهو دلالة على أن الأمر متروك لمختلف الشعوب، لاختيار ما تراه مناسبًا من طرائق شتى لأنظمة الحكم.

أما شعارهم الأثير الذى يتشدقون به (لا حكم إلا لله)، فهو بالفعل حق أُرِيدَ به باطل كما قال الإمام علي ع من قبل، فالله تعالى وضع للإنسان خطوطًا عامة ومساحات رحبة، بحيث يتحرك البشر أنَّى شاءوا دون تجاوز لقداسة النصوص، واتساع تأويلها، ومن يظن أن الإسلام جاء ليقيد حركة حياة الناس فهو واهم، ذلك أن كل أمر من الله (الخالق) هو لصالح الإنسان (المخلوق)، فلم يأمر الله إلا بخير، ولم ينه إلا عن شر.

فـ "الحكم لله" ينبغى أن يكون كما أراده الله، لا كما يريده خلق الله من المتطرفين التكفيريين.

إن مسئولية هذه الأفكار الخربة العفنة لا ينبغى أن تلقى على هؤلاء التكفيريين وحدهم، فهم نتاج لأنظمة حكم أوتوقراطية، تُولى اهتمامها الأكبر للحفاظ على أمن الحاكم وكرسى الحكم، مهملة – فى سبيل ذلك – شئون التعليم المستنير والثقافة الواعية والخطاب الفقهي المعتدل ، وغير مكترثة بأوضاع اقتصادية متدنية من شأنها الإطاحة بآمال الشباب وأحلامهم المشروعة. 

إن مناخ الفساد، وغياب العدل، وتفشى الظلم، ومحاولات الإقصاء، وافتقاد القدوة، وازدواج المعايير فى إدارة شئون البلاد، كل هذه الأشياء تصبح رحمًا ظلاميةً تلد التكفيريين الإرهابيين الذين يسعون فى كل زمان ومكان إلى الفساد فى الأرض وإراقة الدماء وتقويض الأوطان. 

*      *      *        *

إحالات:

• القرآن الكريم.

• صحيح البخارى ومسلم.

1- أبو الأعلى المودودى، الخلافة والملك: دار القلم، طبعة أولى، الكويت 1978.

2- سيد قطب، معالم فى الطريق: مكتبة وهبة، القاهرة 1964.

3- حسن البنا، مجموعة رسائل: دار الدعوة، القاهرة 1999.

4- مجلة "الدعوة"، السنة الحادية والثلاثون، العدد 438، أغسطس 1981.

5- جاد الحق على جاد الحق، نقض الفريضة الغائبة: الأزهر، القاهرة 1414 ه.

 

التعليقات
تغيير الرمز
تعليقات فيسبوك