الحبّ بين الزوجيْن في الإسلام..


من كتاب (الاُسرة وقضايا الزواج)

لقد أثبتت الوقائع والبحوث العلمية في مضمار السلوك الإنساني أنّ الزواج هو العامل الوحيد الذي يوفّر الاستقرار في حياة الإنسان ؛ ذلك أن الزواج يعني ارتباط إنسانين في ظل حياة مشتركة يسودها الحب والمودة والصفاء.

 إن الأسرة هي العش الدافىء الذي يوفّر للزوجين أسباب الطمأنينة والسعادة التي تنهض على أسس من الألفة والمحبة ؛ هذا من جهة ومن جهة أخرى، فإن الزواج يعني تكامل الزوجين وانتفاء الشعور بالنقص الذي يعتري المرأة والرجل على حد سواء.

 

أساس الحب:

 إن أسس الحب تتجسد في التضامن والتفاهم والتضحية والتسامح والاحترام المتقابل، والحب هو جوهر الحياة الزوجية، وبدونه تبدو كل الأشياء خاوية لا معنى لها ؛ ذلك أن الإنسان إنما يحيا بالحب ومن أجل الحب، وهو ذلك المشعل الذي يضيء للإنسان معالم الطريق، وتلك الشعلة المتوقدة في القلب، التي تمنحه الشعور بالدفء والسلام.

 إن الحب يمنح الإنسان تلك الرؤية التي تجعل من كل المرئيات تبدو وكأنّها خضراء. ولذا فإن الحب هو الأساس في الحياة الزوجية، وهو العامل المهم والكبير في استمرارها وتكاملها.

 

تعميق مشاعر الحب:

 إن من المسائل المهمة في الحياة المشتركة أن يعمل الزوجان على تعزيز وتعميق مشاعر الحب بينهما، من كلمة حلوة أو موقف رحيم أو نظرة دافئة أو لمسة مفعمة بالحنان، وما إلى ذلك من وسائل التعبير عن الحب والتودّد.

 وما أكثر الأزواج الذين ينطوون على مخزون من تلك العواطف السامية في حين يخونهم التعبير عن ذلك، وبالتالي يتراكم الجليد في علاقاتهم فيجدون أنفسهم في عزلة وانزواء يهدد حياتهم المشتركة بالانهيار.

 إن جذوة الحب وحدها لا تكفي، بل ينبغي تأكيد وجودها عن طريق التعبير عن ذلك بكل الوسائل كالزينة ؛ الحديث الحنون ؛ الاهتمام بالطعام ؛ النظافة ؛ والثناء، وإلى غير ذلك من شؤون الحياة.

 وبالرغم من سلبية المشاكل والأمراض التي تعترض حياة الإنسان إلا أنها فرص مناسبة لإثبات وتثبيت عواطف المحبة والمودة والتضامن بين الزوجين.

 

شروط الحب:

 وإذا كان الحب بهذه الأهمية فما هي شروطه يا ترى ؟

 ينبغي أن يكون الحب صادقاً، بعيداً عن الرياء، صافياً من كل الشوائب، خالياً من التصنع، نابعاً من صميم القلب و...

 والزواج السعيد عادة هو نوع من الصداقة والمحبة والإلفة، حتى ليصعب تمييز جوانبه المادّية والمعنوية، فهو شكل من أشكال الإندماج والتفاعل الذي يلبّي كل حاجات الروح والجسد.

 وفي كل هذا، ينبغي أن لا نتوقع الدلال المستمر في مناسبة وغير مناسبة، ذلك أن الحب عاطفة صادقة تتفجر في وقتها، وتعبر عن نفسها في الزمن المناسب والظرف المناسب.

 وأخيراً، فإن الحب الصادق عاطفة نبيلة لا تنتظر ما يقابلها أبداً، ولا تعرف أشكال المقايضة أو التعامل التجاري.

 

دور المرأة:

 بالرغم من كون الحب علاقة زوجية، أي يشترك فيها الطرفان ـ الرجل والمرأة إلا أن دور المرأة في ذلك يفوق في أهميته دور الرجل، حث أن حب المرأة يمنح الرجل شعوره بالثقة بل ويجدد أنفاس الحياة الزوجية.

 تتمكن المرأة ومن خلال الحب أن تبعث في قلب الرجل شعوراً فيّاضاً بالحيوية، وبالتالي فإنها تنفذ في قلبه لتحتل المنزل الأثير لديه.

 إن استقرار الحب يعني نمو الأمل.. الأمل الذي يكتسح في طريقه الاضطراب والقلق ويحلّ مكانها الطمأنينة والسلام.

 بل إن هذا الحب سيكون سدّاً منيعاً يحمي المرأة ويقيها غضب الرجل ؛ هذا في الوقت الذي تبدو فيه الحياة خالية من المعنى بدون الحب.. الحب ذلك النبع الصافي المفعم بمشاعر الاستقرار والهدوء.. والفرح.

 إن الرجل يتوقع من المرأة الحب.. ذلك أن المرأة هي السرّ العجيب الذي يكمن وراء انطلاق الرجل ؛ وإذا ما رأى نفسه محروماً من الحب فإنه سيفكر في امرأة أخرى تمنحه ذلك الشعور. وهذا هو سر غضب المرأة من مسألة تعدّد الزوجات.

 

مرحلة الحب:

 تولد المودّة بين الزوجين بمجرد اقترانهما، وفي خلال تلك المدّة تبقى للطرفين خصائصهما ومقوماتهما الشخصية. وبعد أن تنمو المودّة لتتمخض عن الحب الذي يعني الاتحاد التامّ ؛ الإيثار ؛ التسامح ؛ والتضحية، فإن الحياة الزوجية تدخل مرحلة جديدة تتلاشى فيها تلك المقومات الشخصية لتولد شخصية جديدة.. شخصية تنهض على التكامل الذي يحققه الزواج والحب.

ومن هنا تختلف الأسرة الإنسانية في حياتها عن بقية الكائنات الحية الأخرى ؛ ذلك أنها ترتفع إلى مرتبة القداسة والملائكية.

 

العلاقات الجنسية في الزواج:

 إن أولى التوصيات في مضمار الصحة النفسية هي تلك العلاقات الجنسية الصحيحة التي يقيمها الزوجان في حياتهما المشتركة ؛ ذلك أن الارتباط الجنسي في ظروفه السليمة يقضي على مشاعر القلق ليولّد لدى المرء شعوراً بالطمأنينة.

 إن الجانب الجنسي هو جانب فطري أودعه الله في حياة البشر، وأن وجوده وعنفه أمر طبيعي ؛ على أنه ينبغي توجيه هذه الغريزة وإشباعها وفقاً لأسس وأصول صحيحة، وفي ضوء التعاليم الإلهية.

 إن تنظيم العلاقات الجنسية بشكل صحيح وسليم سوف يساعد على استمرار الحياة الزوجية واستقرارها، مع التأكيد على أن المسألة الجنسية لا يمكن اعتبارها جوهر الحياة الزوجية، وهي نقطة نثيرها أما البعض ممن كان لديهم علاقات جنسية لا مشروعة قبل الزواج لكي لا يشعروا بالملل والضجر من حياتهم الجنسية في ضلال الزواج.

 

أضرار الامتناع:

 لقد خلق الله الإنسان وأودع فيه غريزة الجنس كبقية غرائزه الأخرى، وأن تلبيتها بالشكل المقبول عقلاً وشرعاً يضمن للإنسان سلامته روحاً وجسداً، كما أن كبتها أو إهمالها سيؤدّي إلى مضاعفات عديدة لا تحمد عقباها.

 إن بعض الشباب من الذين يعيشون أحلام الحب الملائكي تخفت في نفوسهم تلك الميول الجنسية مما يؤدي إلى ضعف شديد في علاقاتهم الزوجية، وهذه ظاهرة نلمسها في حياة المرأة أكثر من الرجل وتعتبر بشكل عام حالة مرضية لها أسبابها النفسية أو الجسدية التي ينبغي معالجتها قبل أن تقصم ظهر العلاقات الزوجية.

 وإذا كان لهذه الظاهرة ما يبررها في دين المسيحية فإن الإسلام قد حثّ على الزواج واعتبره من المستحبات المؤكّدة التي لا تفصلها عن الواجب إلاّ قيد أنملة.

 إن إهمال هذا الجانب لا يضيع حقوق الزوجية فحسب، بل إنه يشتمل على أضرار نفسية وجسدية وخيمة، وبالتالي ظهور أعراض الانهيار في العلاقات الأسرية.

 

إرواء العطش الجنسي:

 تشكل الحياة الجنسية جانباً مهماً وأساسياً في علاقات الزوجين، وإن عدم إرواء العطش الجنسي لأحدهما قد يؤدي إلى تراكم الغيوم في سماء الأسرة ويجعل جوّها مشحوناً بالقلق.

 قد يشعر الزوجان أحدهما أو كلاهما بفتور تجاه شريكه في الحياة دون أن يعرف سبباً واضحاً لذلك ؛ ذلك أنها تترك في أعماق اللاوعي تراكمات تطفو إلى السطح ولو بعد حين.

 إن العلاقات الزوجية ينبغي أن ترسى على أساس السعي المشترك لتوفير المتطلبات والحاجات المشتركة، ذلك أن الزواج نفسه إنما هو استجابة فطرية لمشاعر النقص التي تختلج في أعماق الجنسين.

 إن تلبية النداء الجنسي يجب أن يكون مشتركاً، فلا ينبغي أن تكون العلاقات الجنسية انطلاقاً من رغبة منفردة، لأن ذلك يعني حرمان الطرف الآخر والاستهانة بمشاعره، وبالتالي اضطرابه نفسياً.

 

كبح الجماح:

 كما ذكرنا آنفاً فإن الجانب الجنسي لا يشكل جوهر العلاقات الزوجية، على الرغم من كونه عاملاً مهمّاً في تعزيز روابطهما المشتركة.

 إن الغرائز البشرية هي مقدمات الحياة الإنسانية، غير أن الهدف من وراء الحياة أسمى بكثير من الغرائز نفسها، وعلى الإنسان أن لا يهدر سنوات عمره في اللهاث وراء غرائزه.

 

إن الشخصية الإنسانية المتّزنة والمعتدلة تنشأ عن ضبط الغرائز والسيطرة عليها لا إطلاق العنان لها. وفي الحياة المشتركة ينبغي أن يفكر الزوجان بذلك انطلاقاً من وحي الحياة المشتركة.

التعليقات
تغيير الرمز
تعليقات فيسبوك