الحسين والحاكم


  زهير المالكي

.. اني لم اخرج أشراً ولا بطراً ولا مفسداً ولا ظالماً، وإنما خرجت لطلب الإصلاح في أمة جدّي، أريد أن آمر بالمعروف وأنهى عن المنكر، وأسير بسيرة جدي (ص) وأبي علي بن أبي طالب (ع) فمن قبلني بقبول الحق فالله أولى بالحق ومن رد علي هذا اصبر حتى يقضي الله بيني وبين القوم بالحق وهو خير الحاكمين.. - من وصية الامام الحسين بن علي عليهما السلام لأخيه محمد بن الحنفية حين خروجه من المدينة عام 60 للهجرة

بدأت جموع الزاحفين من كل انحاء العالم تتجه الى ارض الاحرار معزين العالم باربعينية استشهاد سيد شباب اهل الجنة واهل بيته وصحبه الكرام الذي صدقوا ماعاهدوا الله عليه وضاربين اروع مثل في التضحية والفداء ومعلنين اروع صرخة حق اطلقت في وجه الطغيان والفساد والظلم (هيهات منا الذله ) . ولكن تلك المشاعر والصرخات والاقدام المتورمه لن يكون لها وزن او صدى مالم تستوحي تلك القلوب المتلهفة الدروس من حقيقة ثورة ابي الاحرار الذي قدم حياته وزهرة ابنائة واخوته وخيرة اصحابه على مذبح مقاومة الظلم والاستبداد الذي قدم له مقولته التي اصبحت نبراسا لكل المصلحين في العالم ( والله ماخرجت اشرا ولابطرا ولكن خرجت لأطلب الاصلاح في امة جدي ) .

بهذه الكلمات النورانية حدد الامام الحسين عليه السلام اهداف ثورته فهو لم يكن طالب ملك او سلطان ولكن اراد ان يجنب الامة الخضوع للحكام المستبدين الذين يتخذوا مال الله دولا وعباده خولا والصالحين حربا والفاسقين حزبا ، فيحمّلوا المسلمين الذلة والانحراف والتحريف، فيشيعوا بين الناس الذلة والخنوع فلا يقفوا امام محاولات الاساءة للدين باسم الدين . فثورة الامام الحسين عليه السلام كان ثورة لاصلاح القيادة باعتبارها اساس اصلاح الامة .

رسم سيد الشهداء الامام الحسين بن علي عليه السلام في رسالته الى أهل الكوفة الخواص العامة الواجب توفرها في الحاكم ليكون مؤهلا لقيادة الامة في طريق الحق فقال عليه السلام ,فوالله، ما الإمام إلا العامل بالكتاب، القائم بالقسط، الدائن بدين الحق، الحابس نفسه على ذات الله  .

من هذه الكلمات وضع الامام عليه السلام مواصفات الحاكم المستحق للقيادة وهي :

1. أن يكون عاملاً بأحكام القرآن الكريم :

فالحاكم هو صاحب الولاية العامة على شؤون الناس عامة، المكلف منهم بتطبيق شرع الله وتنفيذ أحكامة والالتزام بها، والحرص على تحقيق مصالحهم جميعاً بحفظ حقوقهم، وتأمين حاجاتهم، والعمل على حفظ أمن الدولة واستقرارها، سواء على الصعيد الداخلي أو الصعيد الخارجي. وقد حذر الإسلام الحاكم من أي تقصير في القيام بمسؤولياته هذه، وقرر مبدأ المسائلة والمحاسبة عليها في الدنيا والآخرة.

والسلطان في الدولة هو سلطان الاسلام وسلطان الله، وليس سلطان الحاكم الفرد أو الجماعة أو الحزب أو الطبقة، وزعامة الامة تكون من خلال تنفيذ أحكام الله والوقوف عند حدوده والالتزام باوامره ونواهيه واتباع تشريعات الاسلام التي جائت في كتاب الله وليس ماوضعه ائمة الضلال واجبروا الناس على اتباعه باعتباره من اساس الدين وماهوالا ماسطره لهم فقهاء السوء.

ومجرد زعم الحاكم أو النظام أنه يحكم بالإسلام ويطبق الشريعة لا يُغني شيئاً فمن خالف ما أمر الله به ورسوله صلى الله عليه وسلم بأن حكم بين الناس بغير ما أنزل الله، أو طلب ذلك اتباعاً لما يهواه ويريده فقد خلع ربقة الإسلام والإيمان من عنقه، وإن زعم أنه مؤمن، وكل من حكم بغير ما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم أو حاكم إلى غير ما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم فقد حكم بالطاغوت وحاكم إليه .

2. أن يقيم القسط والعدل.

فالقيادة تتطلب عدلا في ممارسة الحكم قبل اي شيء آخر،وفي مدرسة ال البيت عليهم السلام العدل هو السائس العام لشؤون الدولة والرعية فالعدالة سياسة عامة شاملة ينتفع بها عامة الناس، وإن نظام القيادة في الحكومة الاسلامية يجب أن يجعل أساس البرامج على محور العدالة.

فالحكومة في الاسلام لاتقوم على السيف وان كان السيف هو الذي قامت عليه الدول الاسلامية منذ ان نزى غلمان بني اميه على منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم نزو القرده فهذا ليس من مدرسة اهل البيت التي تعتمد على قبول الناس لها وتعاونهم ووجود الرغبة لديهم في الخضوع لحكم الاسلام فالامة حرة في خياراتها بما يحافظ على النظام الاجتماعي السليم .

فالعدل هو المعيار لتنفيذ الاحكام بين الرعية، والحفاظ على القدرة على خدمة الناس وقيادتهم الى طريق الحق بالاضافة الى القدرة على اتخاذ القرارات بكل قدرة وتدبير وشجاعة وصرامة في مواجهة أعدائهم ومجابهة المصاعب الناجمة عن تلك المواجهة، والقيام بالسياسة الشرعية مع رعاية الأصول والقيم، وعلى أساس الحدود والأحكام الشرعية، وبصفتها وظيفة وتكليفاً عليهم أداؤه.

3ـ أن يكون متديناً بدين الحق.

فالحاكم يجب ان يكون بعيداً عن قول الزور والاستبداد وبعيد عن الاعتداد والاستعلاء والامتيازعن سائرالناس وأن ينشأ على التقوى ويصبح مسؤولا على أساس التقوى ، والهدف من الحكم إعداد الأجواء لعبودية لله في الأرض ، وليس الهدف الاقتدار والاستعلاء على الآخرین ولا موضوعیة للحكومة بذاتها ، بل هي وسيلة لإحياء الحق وإمانة الباطل .

وقد ذكّرالإمام علي عليه السلام في كلماته في «نهج البلاغة» بخطرالحكّام المستبدّين لكي لا يبتلي المجتمع المسلم بأمثالهم ، ولا يستولوا على مصيرالاسلام والمسلمين، فيسيموا الناس الذلة والهوان ويدفعونهم الى والانحراف والتحريف ، ولا يتصدوا لتحطيم الإسلام باسم الاسلام وإن خطرهؤلاء ولا سيما حينما يتولوا امور الناس اكبرمن أي خطرآخر، وإن تاريخ الاسلام الدامي والمؤلم ليرينا تلك الآثارالسّيئة لحكم هؤلاء السفهاء المتغطرسين

يقول عليه السلام (ولكني آسى أن يلي أمرهذه الاُمة سفهاؤها وفجّارها ، فيتخذوا مال الله دولاً وعباده خَولا ، والصالحين حرباً والفاسقين حزباً)

4ـ أن يحبس نفسه على الله ودينه، بعيداً عن أي زلة وانحراف.

يستمد الحاكم في النظام الإسلامي شرعيته من الله عز وجل وشريعته،وما عمله الصالح الا مرضاة الله تعالى. وتقيّم هذه المسؤولية بما يدفعها من الاتجاه الإلهي في العمل للحفاظ على القيم والمقاييس الشرعية والقانونية، من دون أن يكون رأي الشعب مُشرّعاً ومقرّراً،على أن يراعي الحاكم في ذلك مصالح الاسلام ثم المسلمين، لا المصالح الفردية والجماعية.

ورغم ذلك فالحاكم في النظام الإسلامي، ليس مختاراً مطلقاً ومستبداً، بل يحمل أمانة ومسؤولية ، فهو الحافظ لحقوق الله والناس. في حين أن الاستبداد الفردي أو الجماعي أو التنظيمي الحزبي، والأهواء والميول ـ لا التكليف والتقوى ـ هي التي تقرر المصير في غير النظام الإسلامي؛ والحاكم في الأنظمة الوضعية يحكم وفق أهوائه وآرائه. وليست الديمقراطية فيها أساس رأي الأمة كما هو شائع ،والحاكم في النظام الاسلامي عندما يباشر ولايته وينفذها إنما يكون على أساس الاسلام ومصالح الأمة الاسلامية، لا الميول البشرية الشخصية.

مما سبق يمكن ان نخلص الى ان الحاكم في مدرسة ال البيت يمثل منظومة محكومة بضوابط وحدود الشرع والدين وليس متسلط منفلت العقال بما اضفته عليه السنة وعاظ السلاطين من قداسة غير مستحقة جعلته متحكم بارواح العباد واموالهم فالحاكم الحقيقي ليس هو من تسلط بالسيف واطلق على نفسه الالقاب . ومن هذا المنطلق يمكن القول ان نظرية ال البيت تقدمت على سواها من النظريات والمعتقدات الفكرية والايديولوجية عندما جعلت من علاقة الحاكم بالشعب علاقة متلازمة والزمت الحاكم قبل ان يتصدى لقيادة الامة ان يتحلى بالعدل والصلاح بل ان العدل واجب على الحاكم امام الامة ان التزم به الحاكم ضمنت الدولة رخاءها واستقرارها،واذا خالفه او قصر فيه انحلت تلك العلاقة واصبح الحاكم غير مستحق للقيادة والزعامة.

 

التعليقات
تغيير الرمز
تعليقات فيسبوك