عندما يستشري الفساد


الدكتور سامي آل سيد عگلة الموسوي

عندما خلق الله الاشياء وبعث الحياة في الاحياء منها جعل الفساد فيها يعني نهايتها. فالشيء اذا فسد تعرض الى سلسة متصلة من المتغيرات تؤدي بعضها الى بعض لتصل بالشيء الفاسد الى نهايته بالتحلل والاندثار لكي لايفسد غيره. وقد جعل الله تلك المعادلة ما بين الفساد في الاشياء والاحياء وبين نهايتها مبدأ من مباديء التوازن في الطبيعة التي ما أنبرت الحكمة الالهية تتحكم فيه بدقة. 

والفساد حسب التعبير القرآني يعني خروج الشيء عن طبعه الصحيح وتحوله الى حال اخرى لاتنسجم مع الحياة الطبيعية والوجود. وقد جعل الله موازيين تمنع الفساد ضمن الحدود الفلسلجية للكائنات والتركيبية للموجودات. اذا اختلت تلك الموازين فسد الشيء فالبدن يفسد فيه جهاز المناعة لاسباب عديدة قد تؤدي الى نهاية الحياة وعودة الكائن الحي الى عناصر الارض من جديد. وهكذا تفسد الاجهزة الاخرى للحيوان او النبات او للماء اذا ركد وهلم جرى. 

اما الفساد على المستوى العام فهو اخطر لانه يضر ليس فقط في المجمتع ككل بل يؤثر بشكل مباشر على مستقبل الاجيال القادمة المنضورة وغير المنضورة. وقد اشار الله لانواع عديدة وخطيرة من الفساد في الكتب السماوية المقدسة كالقرآن والتوراة والانجيل وذمها ونهى عنها وحذر من ان عواقبها خطيرة قد تدمر الشعوب باكملها وقد سجل التأريخ القديم والحديث امثلة على ذلك عديدة. 

عندما يذكر الفساد يتبادر الى اذهان اغلب الناس عدم الالتزام الشرعي كشرب الخمر والزنا وغيرها ولكن القرآن يشير الى ماهو اعم واخطر بل ويكاد ان يكون القرآن كتاب ينهى عن الفساد في جميع آياته…! بل وقد علمت الملائكة وتسائلت (أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء)؟! …. فالانسان يقتل بعضه بعضاً منذ فجر التأريخ ويسرق قوت غيره وهو يراه يجوع ويمرض ويعرى ! واذا ما حكم ظلم ولايستغني الا على فقر غيره واذا اعطى مَنَّ واذا أأتمن خان وهو بعيد كل البعد عن مبدأ علي بن ابي طالب (عليه السلام) (الانسان اخو لك في الدين او في الانسانية) ولم يقل في الاسلام بل قال في الدين وهذا مفهموم شامل لكل الاديان الصحيحة والربانية المعروفة… وما عدا ذلك هو فساد في الارض … فالكراهية فساد والنفاق فساد وسوء الخلق فساد وعدم مساعدة الاخرين فساد والجهل فساد والظلم فساد والحرب دون سبب الدفاع عن النفس فساد والكذب والغيبة والفتنه والعنصرية والطائفية والمذهبية كلها فساد … الاسلام ليس مذهبي ولاطائفي ولاعنصري اذا لافرق بين الناس الا بالتقوى وهذا عائد لحكم الله وليس لاحد ان يزكي غيره فيه .. فلايحق لاحد ان يكفر غيره دون علم ولاهدىً وما جائت المذاهب الا بعد الاسلام وليس قبله .. 

اليوم في العراق الفساد يستشري ليس في القمة الحاكمة فحسب بل في كافة نواحي الحياة …. فالشيعي الذي يكره السني هذا نوع من الفساد المخالف للطبيعة التعايشية السلمية التي ارادها الله في الاوطان البشرية وكذلك هو حال السني الذي يكره الشيعي وكلاهما يحاول بهذه الكراهية ايذاء الاخر …. هذا فساد …. وهذا الفساد يؤدي الى تدمير الاوطان والانسان …. ان الله جعل الوطن (الارض) للجميع والدين ليس لاحد بل لله وكل ماهو دون الله له الوطن ولا يحق له ان يكون خليفة لله من تلقاء نفسه … وعليه فليس له ان يزكي لانفسه ولاغيره بل اذا اراد ان يكون عبداً صالحاً لله ومواطنا نموذجياً ان يحترم غيره دون النظر الى دينه بل الى علاقته الاجتماعية التعايشية السلمية القائمة على الاحترام لجميع الاراء دون التمذهب والطائفية التي ابتعد عنها الاسلام الحق … 

ان الله لايحب الفساد وذكر ان هناك من الناس من يفسد ويتصور انه يحسن صنعاً (واذا قيل لهم لاتفسدوا في الارض قالوا انما نحن مصلحون….. الا انهم هم المفسدون ولكن لايشعرون). ان نتيجة الفساد بما في ذلك سرقة قوت الشعب وعدم اداء واجب القيادة الصحيحة نحو بر الامان للشعب وتقديم المصالح الفئوية والفردية والطائفية والعرقية على شعب متعدد الاعراق نتيجة ذلك هو خراب البلد باجمعه وفق مبدأ (ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ) ….. وهنا تحذير فيه عودة … اما اذا استفحل الفساد واستشرى واصبحت المصالح الضيقة هي التي تعلو عند ذاك تصاب البلدان بالفقر والجهل والمرض والجوع وتكون نهايتها حتمية كجزأ من القانون الطبيعي للحياة والخلق .. اذ ان الاحداث يصنعها الانسان وليس هي تصنع الانسان … فالذي يريد الاخر ان يصنع لشعبه الحياة مخطأ … اذ لا امريكا ولاغيرها تستطيع تقسيم العراق لو ان العراقيين انفسهم لايريدون ذلك … ولا ايران تستطيع اخراج العراق من بيئته العربية لو ان اهل البلد يرفضون ذلك كما ولاتستطيع تركيا (عثمنة) العراق مع رفض اهله لذلك … اذن هو ان يصنع العراقيون بانفسهم الاحداث وذلك باصلاح انفسهم قبل كل شيء ثم ان يرفضوا الفساد بانواعه التي ذكرنا منها الطائفية والمذهبية والعنصرية والكراهية والسرقات وسوء الادارة وعدم مساعدة الاخرين وسوء التعامل الاجتماعي وهلم جرى …

اما ذا تركوا الفساد يطغى وينتشر فليتوقعوا خراب البلد عاجلاً … فلاتجني براقش الا على نفسها !

فالحذر الحذر من الاستمرار في الوضع على ماهو عليه ويجب ان يتم اصلاح جذري وشامل من الفرد حتى هرم السلطة في كافة الدوائر والمؤسسات لكي لايحل على هذا البلد الدمار …

وإذا أردنا أن نهلك قرية أمرنا مترفيها ففسقوا فيها فحق عليها القول فدمرناها تدميرا

التعليقات
تغيير الرمز
تعليقات فيسبوك