كيف تسنى لمعاوية الطليق ان يكون خليفة لرسول الله(ص)

3881 2015-12-14

 

ولد معاوية سنة (20) قبل الهجرة وأسلم سنة(8) هـ. مُكرهاً تحت حد السيوف، وعُرف هو وإضرابه ب(الطُّلَقاء). لقول الرسول صلى الله عليه واله عفوا عنهم يوم الفتح: اذهبوا فانتم الطلقاء.

ومن سوء حظ الامة بعد العفوية التي اصابها في انقلاب السقيفة على الوصي الحق والإمامة الربانية المنصوص عليها  ان جعله عمر بن الخطاب ابان خلافته واليا على الشام، ومنذ ذلك الحين انتهج معاوية لنفسه اُسلوباً تحكّميّاً سلطويّاً، وضرب على وتر الاستقلال مذ نُصب والياً هناك، وتساهل معه عمر بشكل غير مسبوق مما عرف به عمر من شدة وذلك لأسبابٍ ما في نفسه.

ففي معاوية قرشية معادية جدا لآل محمد والعترة الهادية صلوات الله عليهم تطابق نظرية عمر في ان قريش ترفض ان تجتمع النبوة الامامة في بيت واحد.

وقد تعاهد رجال من قريش في صحيفة مكتوبة ان يحجبوا الامر عن الامام علي عليه السلام مع انهم شهداء على النص عليه.

وفي عهد حلافة عثمان الاموي - الذي كان يتطلّع إلى تسليط الاُمويّين على الناس - لم يرعوِ معاوية عن ظلمه وجوره، وتمرّغ في ترفه ونعيمه،  بلا وازعٍ من ضمير، ولا رادعٍ من سلطان.

فاستمرّت امارته عشرين سنة، فأمعن في أساليبه في تجهيل الامة وتحميقهم، وبثّ الذعر والهلع في نفوسهم، وأشاع فيهم انه هو كاتب الوحي و خال المؤمنين واقرب الناس الى رسول الله؛ تمهيد لاستلام الخلافة يوما ما.

عزم على مناوأة الإمام علي بن ابي طالب(عليه السلام) منذ تولّيه الخلافة، وجمع حوله كل ابناء فتيات قريش ذوات الرايات الحمر مروان بن الحكم واستدعى ابن سمية زياد ابن ابيه ليكون زياد ابن ابي سفيان وعمر بن العاص بن النابغة  والمغيرة بن شعبة، وجدّ كثيراً في تحريض طلحة والزبير ضد الامام (عليه السلام)، وقاد معركة صفّين ضدّ الإمام(عليه السلام) .

وبعد قضيّة التحكيم أكثر من شنّ الغارات الوحشيّة على المناطق الخاضعة لحكومة الإمام(عليه السلام)، وأفسد في الأرض، وأهلك الحرث والنسل.

ثمّ تمكّن من فرض الصلح على الإمام الحسن(عليه السلام) سنة 41 هـ، عبر مكيدة خاصّة، وضجيج مفتعل، فأحكم قبضته على السلطة بلا منازع ، ثمّ طفق يضطهد شيعة أمير المؤمنين(عليه السلام) وأنصاره، موغلاً في ذلك، حتى أنّ أقرانه وأتباعه لم يطيقوا ممارساته.

وإنّ لقاء المغيرة به، وإخباره عن موقفه العدائي ضدّ الدين الإسلامي الحنيف يترجمان حقده الدفين، كما يدلّان على غاية خسّته ودَنَسه، وقد أفرط في سبّ الإمام(عليه السلام)، وعندما طُلب منه أن يكفّ قال:

لا واللَّه، حتى يربوَ عليه الصغير، ويهرم عليه الكبير، ولا يذكر ذاكر له فضلاً!!

وتستوقفنا المعلومات التي يذكرها ابن أبي الحديد حول طمسه فضائل الإمام، واختلاقه فضائل لنفسه، وسعيه في وضع الحديث، نقلاً عن كتاب الأحداث للمدائني، وغيره من الكتب القديمة، والواقع أنّ كلّ ما قام به يوائم التفكير القيصري والكسروي، ويبتغي تبديل تعاليم الدين.

وتعتبر إمامته للصلاة في المدينة، وتركه البسملة، واحتجاج المهاجرين والأنصار عليه أدلّة قاطعة على ما نقول.

ومهما يكن فإنّ معاوية تقمّص الخلافة؛ الخلافة الدينيّة التي لا يعتقد بها اعتقاداً راسخاً من أعماق قلبه، وادّعى خلافة من قصد قتاله، ولم يتورّع عن تشويه الدين، ولم يأبهْ لتغيير معارف الحقّ. وأباح لنفسه كلّ عمل من أجل إحكام قبضته على الاُمور، واستمرار تسلّطه وتحكّمه. هلك معاوية سنة 60 هـ.، ونصب يزيد حاكماً على الناس، فخطا بذلك خطوة اُخرى نحو قلب الحقائق الدينيّة، وهو ما اشتُهرت آثاره في التاريخ.. وانحرف تماما بالدين الى الملك العضوض عندما احال الرسالة الرحمة الى مملكة يتوارثها ال امية.

جاء في مقتل الحسين للخوارزمي عن أحمد بن أعثم الكوفي: إنّ معاوية لمّا حجّ حجّته الأخيرة ارتحل من مكّة، فلمّا صار بالأبواء، ونزلها قام في جوف الليل لقضاء حاجته، فاطّلع في بئر الأبواء، فلمّا اطّلع فيها اقشعرّ جلده، وأصابته الَّلقْوة في وجهه، فأصبح وهو لِما به مغموم، فدخل عليه الناس يعودونه، فدعَوا له وخرجوا من عنده، وجعل معاوية يبكي لما قد نزل به، فقال له مروان بن الحكم: أجزعت يا أميرالمؤمنين؟ فقال: لا يا مروان، ولكنّي ذكرت ما كنت عنه عزوفاً، ثمّ إنّي بكيت في إحَني، وما يظهر للناس منّي، فأخاف أن يكون عقوبة عجّلت لي لما كان من دفعي حقّ عليّ بن أبي طالب، وما فعلت بحجر بن عديّ وأصحابه، ولولا هواي من يزيد لأبصرت رشدي، وعرفت قصدي.

نسب معاوية:

جاء في ربيع الأبرار: كان معاوية يُعزى إلى أربعة: مسافر بن أبي عمرو، وإلى عمارة بن الوليد، وإلى العبّاس بن عبدالمطّلب، وإلى الصباح مغنٍّ أسود كان لعمارة. قالوا: وكان أبوسفيان دميماً، قصيراً، وكان الصباح عسيفاً لأبي سفيان، شابّاً وسيماً، فدعته هند إلى نفسها.

وقال الفخري: كانت اُمّه هند بنت عتبة شريفة في قريش، أسلمت عام الفتح. وكانت في وقعة أحد لمّا صُرع حمزة بن عبد المطلب(رضى اللّه عنه) عمّ رسول اللَّه(صلى اللّه عليه وآله وسلم) من طعنة الحربة التي طعنها، جاءت هند فمثّلت بحمزة، وأخذت قطعة من كبده فمضغتها حنقاً عليه؛ لأنّه كان قد قتل رجالاً من أقاربها! فلذلك يقال لمعاوية ابن آكلة الأكباد.

دعاءُ النبيّ عليه:

جاء في المعجم الكبير عن ابن عبّاس : سمع رسول اللَّه(صلى اللّه عليه وآله وسلم) صوت رجلين يغنّيان ؛ وهما يقولان:

ولايزال حواريُّ يلوح عظامه **** زوى الحربُ عنه أن يَجُنّ فيُقبرا

فسأل عنهما فقيل: معاوية وعمرو بن العاص، فقال: اللهمّ اركِسهما في الفتنة ركساً، ودَعْهُما إلى النار دعّاً( ).

وفي  صحيح مسلم عن ابن عبّاس: كنت ألعب مع الصبيان فجاء رسول اللَّه(صلى اللّه عليه وآله وسلم) ، فتواريت خلف باب. قال: فجاء فحَطأني حَطْأة( ) وقال: اذهب وادعُ لي معاوية. قال: فجئت فقلت: هو يأكل. قال: ثمّ قال لي: اذهب فادعُ لي معاوية. قال: فجئت فقلت: هو يأكل. فقال: لا أشبع اللَّه بطنه!

وفي وقعة صفّين عن عليّ بن الأقمر: وفدنا على معاوية وقضينا حوائجنا ثمّ قلنا: لو مررنا برجل قد شهد رسول اللَّه(صلى اللّه عليه وآله وسلم) وعاينه، فأتينا عبداللَّه بن عمر فقلنا: يا صاحب رسول اللَّه(صلى اللّه عليه وآله وسلم) ، حدّثنا ما شهدت ورأيت. قال:

إنّ هذا أرسل إليّ - يعني معاوية - فقال: لئن بلغني أنّك تحدّث لأضربنّ عنقك. فجثوت على ركبتي بين يديه، ثمّ قلت: وددتُ أنّ أحدّ سيف في جندك على عنقي، فقال: واللَّه ما كنت لاُقاتلك ولا أقتلك.

وايم اللَّه ما يمنعني أن اُحدّثكم ما سمعت رسول اللَّه(صلى اللّه عليه وآله وسلم) قال فيه، رأيت رسول اللَّه(صلى اللّه عليه وآله وسلم) أرسل إليه يدعوه - وكان يكتب بين يديه - فجاء الرسول فقال: هو يأكل. فقال: «لا أشبع اللَّه بطنه» فهل ترونه يشبع؟

قال: وخرج من فَجّ ( ) فنظر رسول اللَّه إلى أبي سفيان وهو راكب ومعاوية وأخوه، أحدهما قائد والآخر سائق، فلمّا نظر إليهم رسول اللَّه(صلى اللّه عليه وآله وسلم) قال : اللهمّ العن القائد والسائق والراكب. قلنا: أنت سمعت رسول اللَّه(صلى اللّه عليه وآله وسلم) ؟ قال : نعم ، وإلّا فصُمّتا اُذناي ، كما عميَتا عيناي.

في البداية والنهاية - بعد ذكر كلام النبيّ(صلى اللّه عليه وآله وسلم) -: وقد كان معاوية لا يشبع بعدها ، ووافقته هذه الدعوة في أيّام إمارته، فيقال: إنّه كان يأكل في اليوم سبع مرّات طعاماً بلحم، وكان يقول: واللَّه لا أشبع وإنّما أعيى.

وجاء في تهذيب التهذيب عن عليّ بن عمر: النسائي أفقه مشايخ مصر في عصره، وأعرفهم بالصحيح والسقيم، وأعلمهم بالرجال، فلمّا بلغ هذا المبلغ حسدوه، فخرج إلى الرملة[ ثمّ إلى دمشق ] فسئل عن فضائل معاوية فأمسك عنه، فضربوه في الجامع فقال: أخرجوني إلى مكّة، فأخرجوه وهو عليل وتوفّي مقتولاً شهيداً....

و عن أبي بكر المأموني: قيل له [أي النسائي ] وأنا حاضر: ألا تُخرج فضائل معاوية؟ فقال: أيّ شي ء اُخرج؟ «اللهمّ لا تُشبع بطنه»!! وسكت وسكت السائل .

أمر النبيّ بقتله إذا شوهد على منبره

قال رسول اللَّه(صلى اللّه عليه وآله وسلم) : إذا رأيتم معاوية على منبري فاقتلوه .

وعنه(صلى اللّه عليه وآله وسلم) : إذا رأيتم معاوية يخطب على منبري فاقتلوه .

2325 - عنه(صلى اللّه عليه وآله وسلم) : إذا رأيتم معاوية بن أبي سفيان يخطب على منبري فاضربوا عنقه .

وفي أنساب الأشراف عن أبي سعيد الخدري: إنّ رجلاً من الأنصار أراد قتل معاوية ، فقلنا له: لا تسلّ السيف في عهد عمر حتى نكتب إليه قال: إنّي سمعت رسول اللَّه(صلى اللّه عليه وآله وسلم) يقول: «إذا رأيتم معاوية يخطب على الأعواد فاقتلوه». قالوا: ونحن سمعناه ولكن لا نفعل حتى نكتب إلى عمر، فكتبوا إليه فلم يأتِهم جواب الكتاب حتى مات.

وصيّة والديه

في البداية والنهاية عن عليّ بن محمّد بن عبد اللَّه بن أبي سيف: قال أبوسفيان -لمعاوية -: يا بنيّ، إنّ هؤلاء الرهط من المهاجرين سبقونا وتأخّرنا، فرفعهم سبقهم وقدمهم عند اللَّه وعند رسوله، وقصر بنا تأخيرنا، فصاروا قادة وسادة، وصرنا أتباعاً، وقد ولّوك جسيماً من أمورهم فلا تخالفهم؛ فإنّك تجري إلى أمَدٍ، فنافِس فإن بلغته أورثته عقبك، فلم يزل معاوية نائباً على الشام في الدولة العمريّة والعثمانيّة مدّة خلافة عثمان.

في  البداية والنهاية عن عليّ بن محمّد بن عبداللَّه بن أبي سيف: قالت هند - لمعاوية فيما كتبت به إليه -: واللَّه يا بنيّ إنّه قلّ أن تلد حرّة مثلك، وإنّ هذا الرجل [أي عمر بن الخطّاب ] قد استنهضك في هذا الأمر، فاعمل بطاعته فيما أحببت وكرهت.

عمر بن الخطّاب ومعاوية

جاء في البداية والنهاية عن الزهري: ذُكر معاوية عند عمر بن الخطّاب فقال: دعوا فتى قريش وابن سيّدها؛ إنّه لمن يضحك في الغضب، ولا ينال منه إلّا على الرضا، ومن لا يؤخذ من فوق رأسه إلّا من تحت قدميه.

وجاء في تاريخ الطبري عن أبي محمّد الاُموي: خرج عمر بن الخطّاب إلى الشام، فرأى معاوية في موكب يتلقّاه، وراح إليه في موكب، فقال له عمر: يا معاوية! تروح في موكب وتغدو في مثله، وبلغني أنّك تصبح في منزلك وذوو الحاجات ببابك! قال: يا أميرالمؤمنين إنّ العدوّ بها قريب منّا ولهم عيون وجواسيس، فأردت يا أميرالمؤمنين أن يروا للإسلام عزّاً، فقال له عمر: إنّ هذا لَكيد رجل لبيب أو خدعة رجل أريب، فقال معاوية يا أميرالمؤمنين مُرني بما شئت أصِر إليه، قال: ويحك! ما ناظرتك في أمر أعيب عليك فيه إلّا تركتني ما أدري آمرك أم أنهاك!

وفي سير أعلام النبلاء: لمّا قدم عمر الشام، تلقّاه معاوية في موكب عظيم وهيئة، فلمّا دنا منه، قال: أنت صاحب الموكب العظيم؟ قال: نعم. قال: مع ما بلغني عنك من طول وقوف ذوي الحاجات ببابك؟ قال: نعم. قال: ولِمَ تفعل ذلك؟ قال: نحن بأرضٍ جواسيس العدوّ بها كثير، فيجب أن نُظهر من عزَّ السلطان ما يُرهبهم، فإن نهيتني انتهيت، قال: يا معاوية! ما أسألك عن شي ء إلّا تركتني في مثل رواجِب الضَّرِس. لئن كان ما قلت حقّاً؛ إنّه لرأي أريب، وإن كان باطلاً؛ فإنّه لخدعة أديب. قال: فمُرني. قال: لا آمرك ولا أنهاك.

فقيل: يا أميرالمؤمنين! ما أحسن ما صدر عمّا أوردته. قال: لحسن مصادره وموارده جشّمناه ما جشّمناه .

وايضا في تاريخ الطبري عن سعيد المقبري: قال عمر بن الخطّاب: تذكرون كسرى وقيصرَ ودهاءهما وعندكم معاوية!.

وفي الاستيعاب: قال عمر [بن الخطّاب ] إذ دخل الشام ورأى معاوية: هذا كسرى العرب .

خصاله الموبقة:

في تاريخ الطبري عن الحسن: أربع خصال كنّ في معاوية، لو لم يكن فيه منهنّ إلّا واحدة لكانت موبقة: انتزاؤه على هذه الاُمّة بالسفهاء، حتى ابتزَّها أمرها بغير مشورة منهم وفيهم بقايا الصحابة وذوالفضيلة، واستخلافه ابنه بعده سكّيراً خمّيراً؛ يلبس الحرير، ويضرب بالطنابير. وادّعاؤه زياداً؛ وقد قال رسول اللَّه(صلى اللّه عليه وآله وسلم) : «الولد للفراش، وللعاهر الحَجَر». وقتلُه حِجراً، ويلاً له من حجر - مرّتين .

هويّته عن لسان الإمام عليّ عليه السلام:

قال الإمام عليّ(عليه السلام) - في صفة معاوية -: لم يجعل اللَّه عزّوجلّ له سابقةً في الدين، ولا سلف صدق في الإسلام، طليق ابن طليق، حزب من هذه الأحزاب، لم يزل للَّه عزّوجلّ ولرسوله(صلى اللّه عليه وآله وسلم) وللمسلمين عدوّاً هو وأبوه حتى دخلا في الإسلام كارهين ( ).

و عنه(عليه السلام) - في صفة رجل مذموم، ثمّ في فضله هو(عليه السلام) -: أما إنّه سيظهر عليكم بعدي رجل رحب البلعوم، مُندَحِق ( ) البطن، يأكل ما يجد، ويطلب ما لا يجد، فاقتلوه، ولن تقتلوه! ألا وإنّه سيأمركم بسبّي والبراءة منّي؛ فأمّا السبّ فسبّوني؛ فإنّه لي زكاة، ولكم نجاةٌ؛ وأمّا البراءة فلا تتبرّؤوا منّي؛ فإنّي وُلدت على الفطرة، وسبقت إلى الإيمان والهجرة.

و عنه(عليه السلام) - في كتابه إلى معاوية -: فسبحان اللَّه! ما أشدّ لزومك للأهواء المبتدعة، والحيرة المتّبعة، مع تضييع الحقائق واطّراح الوثائق التي هي للَّه طلبة وعلى عباده حجّة.

2338 - عنه(عليه السلام) : واللَّه، لودّ معاوية أنّه ما بقي من هاشم نافخ ضَرَمة( ) إلّا طُعِن في نَيْطه إطفاءً لنور اللَّه، وَيَأْبَى اللَّهُ إِلآَّ أَن يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ.

أهداف معاوية:

جاء في سير أعلام النبلاء عن سعيد بن سويد: صلّى بنا معاوية في النخيلة(42) الجمعة في الضحى ثمّ خطب وقال: ما قاتلنا لتصوموا ولا لتصلّوا ولا لتحجّوا أو تزكّوا، قد عرفت أنّكم تفعلون ذلك، ولكن إنّما قاتلناكم لأتأمّر عليكم، فقد أعطاني اللَّه ذلك وأنتم كارهون.

وللمسعودي في مروج الذهب عن مطرف بن المغيرة بن شعبة: وفدت مع أبي المغيرة إلى معاوية، فكان أبي يأتيه يتحدّث عنده، ثمّ ينصرف إليَّ فيذكر معاوية، ويذكر عقله، ويعجب ممّا يرى منه، إذ جاء ذات ليلة فأمسك عن العشاء، فرأيته مغتمّاً، فانتظرته ساعة، وظننت أنّه لشي ء حدث فينا أو في عملنا، فقلت له: ما لي أراك مغتمّاً منذ الليلة؟ قال: يا بنيّ، إنّي جئت من عند أخبث الناس! قلت له: وما ذاك؟ قال:

قلت له - وقد خلوت به -: إنّك قد بلغت منّا يا أميرالمؤمنين، فلو أظهرت عدلاً، وبسطت خيراً؛ فإنّك قد كبرت، ولو نظرت إلى إخوتك من بني هاشم، فوصلت أرحامهم؛ فواللَّه ما عندهم اليوم شي ء تخافه، فقال لي:

هيهات هيهات!! ملك أخو تَيمٍ فعدل وفعل ما فعل، فواللَّه ما عدا أن هلك فهلك ذكره، إلّا أن يقول قائل: أبوبكر، ثمّ ملك أخو عديّ، فاجتهد وشمّر عشر سنين، واللَّه ما عدا أن هلك فهلك ذكره، إلّا أن يقول قائل: عمر، ثمّ ملك أخونا عثمان فملك رجل لم يكن أحد في مثل نسبه، فعَمل ما عَمل وعُمل به، فواللَّه ما عدا أن هلك فهلك ذكره، وذِكر ما فُعل به، وإنّ أخا هاشم يُصرخ به في كلّ يوم خمس مرّات: أشهد أنّ محمّداً رسول اللَّه، فأيّ عمل يبقى مع هذا؟ لا اُمّ لك، واللَّه ألا دفناً دفناً( ).

كتاب الإمام الحسين إليه ( )

2341 - الإمام الحسين(عليه السلام) - في كتابه إلى معاوية -: أمّا بعد: فقد جاءني كتابك تذكر فيه أنّه انتهت إليك عنّي اُمور لم تكن تظنّني بها رغبة بي عنها، وإنّ الحسنات لا يهدي لها، ولا يسدّد إليها إلّا اللَّه تعالى.

وفي موسوعة الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام في الكتاب و السنة و التاريخ (6/  233): من كتاب له عليه السلام لمعاوية:

وأمّا ما ذكرت أنّه رُقي إليك عنّي، فإنّما رقّاه الملّاقون المشّاؤون بالنميمة، المفرّقون بين الجمع، وكذب الغاوون المارقون، ما أردت حرباً ولا خلافاً، وإنّي لأخشى اللَّه في ترك ذلك منك ومن حزبك القاسطين المُحِلّين، حزب الظالم، وأعوان الشيطان الرجيم.

ألست قاتل حِجْر وأصحابه العابدين المخبتين الذين كانوا يستفظعون البدع، ويأمرون بالمعروف، وينهون عن المنكر؟ فقتلتهم ظلماً وعدواناً من بعد ما أعطيتهم المواثيق الغليظة، والعهود المؤكّدة، جرأةً على اللَّه، واستخفافاً بعهده؟

أوَلست بقاتل عمرو بن الحمق الذي أخلقتْ وأبلتْ وجهه العبادة؟ فقتلته من بعدما أعطيته من العهود ما لو فهمته العُصْم  نزلت من شُعَف  الجبال.

أوَلست المدّعي زياداً في الإسلام، فزعمت أنّه ابن أبي سفيان، وقد قضى رسول اللَّه(صلى اللّه عليه وآله وسلم) أنّ الولد للفراش وللعاهر الحَجَر؟ ثمّ سلّطته على أهل الإسلام يقتلهم ويُقطّع أيديهم وأرجلهم من خلاف، ويصلبهم على جذوع النخل. سبحان اللَّه يا معاوية! لكأنّك لست من هذه الاُمّة، وليسوا منك.

أوَلستَ قاتل الحضرمي الذي كتب إليك فيه زياد أنّه على دين عليّ كرم اللَّه وجهه، ودين عليّ هو دين ابن عمّه(صلى اللّه عليه وآله وسلم) الذي أجلسك مجلسك الذي أنت فيه، ولولا ذلك كان أفضل شرفك وشرف آبائك تجشّمُ الرحلتين: رحلة الشتاء والصيف، فوضعها اللَّه عنكم بنا منّة عليكم.

وقلت فيما قلت: لا تُرْدِ هذه الاُمّة في فتنة. وإنّي لا أعلم لها فتنة أعظم من إمارتك عليها.

وقلت فيما قلت: انظر لنفسك ولدينك ولاُمّة محمّد. وإنّي واللَّه ما أعرف أفضل من جهادك؛ فإن أفعل فإنّه قربة إلى ربّي، وإن لم أفعله فأستغفر اللَّه لديني، وأسأله التوفيق لما يحبّ ويرضى.

وللحديث صلة في حلقة ثانية انشاء الله تعالى

هوامش البحث:

1 ) جاء في دلائل الامامة (ص: 209): قال عمر يابن عباس أتدري ما منع الناس منكم فقال لا ، قال لكني ادري قال فما هو؟  قال كرهت قريش ان يجتمع لكم النبوة والخلافة فتجفخون على الناس جفخا فنظرت قريش لانفسها فاختارت ووفقت واصابت قال فأطرق ابن عباس طويلا ثم قال تميط عني غضبك يا أمير المؤميين وتسمع كلامي؟ قال تكلم يابن عباس قال اما قولك ان قريشا كرهت فان الله تبارك وتعالى يقول وكرهوا ما انزل الله فأحبط اعمالهم واما قولك انا نجفخ عليهم جفخا فليس فينا

مع قرابتنا من رسول الله جفخ ولا نفخ وكيف ذلك والله يقول لنبيه صلى الله عليه وآله واخفض جناحك لمن اتبعك من المؤمنين واما قولك ان قريشا اختارت فان الله اختار من خلقه خير خلقه فان كانت قريش نظرت من حيث نظر الله فقد وفقت واصابت قال عمر على رسلك يابن عباس أبت قلوبكم لنا يا بني هاشم الابغضا لا يزول وحقدا لا يحول فقال ابن عباس مهلا يا عمر مهلا لا تنسب قلوب بني هاشم وقلب رسول الله إلى ما تنسبها اليه فان الله عز وجل قد اذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا ... الخ الحديث.

2 ) جاء في كتاب الأربعين- محمد طاهر القمي الشيرازي (2/  68)

لي، فقال ابنه: تقول هذا ؟ فقال: دعني، نحن أعلم بما صنعنا أنا وصاحبي وأبو عبيدة ومعاذ (الصراط المستقيم 3: 154). ومما يؤيد هذا ما في الصراط المستقيم، قال: أسند سليم، الى معاذ بن جبل: أنه عند وفاته دعا على نفسه بالويل والثبور، قلت: انك تهذي ؟ قال: لا والله، قلت: فلم ذلك ؟ قال: لموالاتي عتيقا وعمر، على أن أزوي خلافة رسول الله عن علي، وقال: وروى مثل ذلك عن عبد الله بن عمر، أن أباه قاله. وروي عن محمد بن أبي بكر أن أباه قال له، وزاد فيه: أن أبا بكر قال: هذا رسول الله ومعه علي بيده الصحيفة التي تعاهدنا عليها في الكعبة، وهو يقول: لقد وفيت بها وتظاهرت على ولي الله أنت وأصحابك، فأبشر بالنار في أسفل السافلين، ثم لعن ابن صهاك، ثم قال: هو الذي صدني عن الذكر بعد إذ جاءني. وروت العامة، أن عمر لما كفن قال علي عليه السلام: وددت أن ألقى الله بصحيفة هذا المسجى (الصراط المستقيم 3: 153). والمراد الصحيفة التي ذكرناها لا صحيفة أعمال عمر كما توهم المخالفون، وكيف يكون ذلك ؟ وقد تقدم أن عليا عليه السلام كان يعتقد أن عمر ظالم آثم غادر، ولم يرض أن يبايعوه بالخلافه، حيث شرطوا أن يعمل بسيرة أبي بكر وعمر. وفي الصراط المستقيم، قال العباس بن الحارث، لما تعاقدوا على الصحيفة نزلت: (ان الذين ارتدوا على أدبارهم) (محمد صلى الله عليه وآله: 25.) الاية، وقد ذكرها أبو اسحاق في كتابه، وابن حنبل في مسنده، والحافظ في حليته، والزمخشري في فائقه (الصراط المستقيم 3: 153).

 

3  ) مروج الذهب: 4/41.

4   ) شرح نهج البلاغة: 4/57، النصائح الكافية: 97 وراجع مروج الذهب : 3/41.

5  ) شرح نهج البلاغة: 11/44.

6  ) الأَبْوَاء: قرية من أعمال الفُرع من المدينة، بينها وبين الجُحفة ثلاثة وعشرون ميلاً (معجم البلدان: 1/79).

7  )  اللَّقْوَة: مرض يعرض للوجه، فيُميله إلى أحد جانبيه (النهاية: 4/268).

8  ) الإحَن: جمع إحنة؛ الحقد (النهاية: 1/27).

9  ) مقتل الحسين للخوارزمي: 1/173.

10  ) العسيف: الأجير (مجمع البحرين: 2/1214).

11  ) ربيع الأبرار: 3/551، شرح نهج البلاغة: 1/336؛ بحارالأنوار: 33/201/489

12  ) الفخري: 103.

13  ) المعجم الكبير: 11/32/10970، مسند ابن حنبل: 7/182/19801، مسند أبي يعلى: 13/429/7436؛ وقعة صفّين: 219، شرح الأخبار: 2/535/499 كلّها عن أبي برزة نحوه وراجع لسان العرب: 6/100.

قال العلّامة الأميني: للحديث طرق أربعة صحيحة لا غمز فيها غير أنّ ابن كثير حبّبته أمانته أن لا يذكر من طرق الحديث إلّا الضعيف كما أنّ السيوطي راقه أن لا ينضّد في سلك لآلئه إلّا المزيّف، ساكتاً عن الأسانيد الصحيحة حفظاً لكرامة ابن هند (الغدير: 10/145).

14  ) يقال: حطأه، حَطْأً؛ إذا دفعه بكفّه. وقيل: لا يكون الحَطْء إلّا ضربة بالكفّ (النهاية: 1/404).

15  ) صحيح مسلم: 4/2010/96، اُسد الغابة: 5/202/4948، مسند الطيالسي: 359/2746، دلائل النبوّة للبيهقي: 6/243 وفي آخره «قال: فما شبع أبداً»، تاريخ الطبري: 10/58، فتوح البلدان: 663، سلسلة الأحاديث الصحيحة: 1/121/82، البداية والنهاية: 8/119 والستّة الأخيرة نحوه.

16 ) الفَجّ: الطريق الواسع (النهاية: 3/412).

17  ) وقعة صفّين: 220، بحارالأنوار: 33/190/458 - 474.

18  ) البداية والنهاية: 6/169. وقال ابن كثير في موضع آخر: وقد انتفع معاوية بهذه الدعوة في دنياه واُخراه، أمّا في دنياه فإنّه لمّا صار إلى الشام أميراً، كان يأكل في اليوم سبع مرّات، يجاء بقصعة فيها لحم كثير وبصل فيأكل منها، ويأكل في اليوم سبع أكلات بلحم، ومن الحلوى والفاكهة شيئا كثيراً!!(البداية والنهاية: 8/119).

19  ) الرَّمْلة: مدينة بفلسطين ، بينها وبين بيت المقدس ثمانية عشر يوماً، كانت مقرّ ملك سليمان بن داود (عليهما السلام) (معجم البلدان: 3/69).

20 ) تهذيب التهذيب: 1/94/66، خصائص أميرالمؤمنين للنسائي: 11 وفيه من «قيل له...» وراجع تهذيب الكمال: 1/338/48.

21  ) تهذيب التهذيب: 1/637/1708 عن عبداللَّه وج 3/71/366 عن عبداللَّه مرفوعاً وج 4/346/5956، تاريخ دمشق: 59/157 كلاهما عن الحسن، سير أعلام النبلاء: 3/149 وج 6/105؛ وقعة صفّين: 221 كلاهما عن الحسن وص 216 عن زرّ بن حبيش وعن عبداللَّه بن مسعود وزاد في ذيله «قال الحسن: فما فعلوا ولا أفلحوا».

22  ) وقعة صفّين: 216 عن الحسن وزاد في ذيله «قال أبوسعيد الخدري: فلم نفعل ولم نفلح»؛ تاريخ دمشق: 59/156/12336 وح 12337 كلاهما عن أبي سعيد وفيه «فارجموه» بدل «فاقتلوه».

23 ) وقعة صفّين: 216 عن عبداللَّه بن مسعود.

24  ) أنساب الأشراف: 5/136.

25  ) البداية والنهاية: 8/118.

26 ) البداية والنهاية: 8/118.

27  ) البداية والنهاية: 8/124.

28  ) تاريخ الطبري: 5/331.

29  ) الرواجِب : هي ما بين عُقد الأصابع من داخل والضَّرِس : الصعب السيّئ الخُلُق (النهاية : 2 / 197 وج 3/83).

30  ) يقال: جَشِمتُ الأمرَ وتَجَشّمته: إذا تكلّفتَه (النهاية: 1/274)

31  ) سير أعلام النبلاء: 3/133/25، الاستيعاب: 3/471/2464، تاريخ دمشق: 59/112، البداية والنهاية: 8/124 كلّها نحوه.

32 ) تاريخ الطبري: 5/330.

33  ) الاستيعاب: 3/471/2464.

34  ) تاريخ الطبري: 5/279، الكامل في التاريخ: 2/499 نحوه وفيه «بالسيف» بدل «بالسفهاء» وراجع محاضرات الاُدباء: 4/483، البداية والنهاية: 8/130.

35  ) تاريخ الطبري: 5/8.

36  ) مُنْدَحِق البطن: أي واسعها، كأنّ جوانبها قد بعد بعضها من بعض، فاتّسعت (النهاية: 2/105).

37  ) نهج البلاغة: الخطبة 57، إعلام الورى: 1/340، شرح المائة كلمة: 237 وفي صدره «ما حكم بوقوعه في حقّ عبيداللَّه بن زياد أما إنّه...»، بحارالأنوار: 39/325/27؛ ينابيع المودّة: 1/205/3.

38  ) نهج البلاغة: الكتاب 37، الاحتجاج: 1/428/92، بحارالأنوار: 33/98/403 وفيهما «تضييع» بدل «تضييق».

39  ) الضَّرَمة: النار، وهذا يقال عند المبالغة في الهلاك؛ لأنّ الكبير والصغير ينفخان النار (النهاية: 3/86).

40  ) أي إلّا ماتَ. يقال: طُعن في نَيْطه، وفي جنازته؛ إذا مات (النهاية: 5/141).

41 ) 40) التوبة: 32.

42 ) عيون الأخبار لابن قتيبة: 1/180، النهاية في غريب الحديث: 5/90 وفيه إلى «ضَرَمة»، شرح نهج البلاغة: 19/129 وفيه إلى «نَيْطه»؛ تفسير العيّاشي: 2/81/30 عن أبي الأعزّ التميمي.

43) النُّخَيْلَة: موضع قرب الكوفة على سمت الشام (معجم البلدان: 5/278).

44) سير أعلام النبلاء: 3/146/25، البداية والنهاية: 8/131؛ كشف الغمّة: 2/167.

45  ) مروج الذهب: 4/41، الأخبار الموفّقيّات: 576/375، شرح نهج البلاغة: 5/129؛ كشف اليقين: 466/565، كشف الغمّة: 2/44 كلّها نحوه، بحارالأنوار: 33/169/443.

46 ) كتب معاوية إلى الإمام الحسين 7: أما بعد، فقد انتهت اليّ منك اُمور، لم أكن اظنّك بها رغبة عنها، وإنّ احقّ الناس بالوفا لمن اعطى بيعة من كان مثلك، في خطرك وشرفك ومنزلتك التي انزلك اللَّه بها، فلا تنازع إلى قطيعتك، واتق اللَّه ولا تردّن هذه الاُمّة في فتنة وانظر لنفسك ودينك واُمّة محمّد، ولايستخفنّك الذين لا يوقنون (الإمامة والسياسة: 1/201).

47 ) العُصْم: الوعول (لسان العرب: 12/406    

 

التعليقات
تغيير الرمز
تعليقات فيسبوك