الوحدانية في الإحاطة

1586 2016-08-08

المعاني العلمية لعدم تجلي الخالق العظيم لمخلوفاته

الإحاطة: هي شمول الموجود بوجوده لموجودات أخرى.. وكلما كان الموجود محيطاً كلما صعب تجليه.

فمخلوقات الله تعالى في الوجود صنفان؛ صنف خاضع مسير مامور، وصنف محيط مهيمن آمر مستطل نافذ وجوده في الكائنات.

والمخلوقات المحيطة المهيمنة في الكائنات ثمانية مخلوقات هي : الطاعةو الزمان والمكان، والموت والحق والعدل والبلاء والامامة والرحمة والمربوبية للواحد .

فلا احد يفلت من الموت ولا احد يستطيع ان يتحكم بالزمان والمكان ولا احد يستطيع ان يعيش خارج الحق والعدل ولا احد يستطيع ان يخرج عن سنة الامامة الكونية  ولا يستطيع ان يوجد شيء خارج معاني الرحمة في وجوده ولا يستطيع احد ان يخرج عن مربوبية الله الواحد حتى ولو الحد بلسانه.

فالمخلوق المحيط من هذه المخلوقات المحيطة النافذة في المخلوقات هي جزئية الاحاطة ولذا يمكننا ادراكها والشعور بها بقدر جزئية احاطتها بنا، لان من معاني الجزئية التخلل في عناصراحاطتها فندركها عند ذلك التخلخل.

فالقاعدة تقول ان ادراك الموجود المحيط جزئيا يتناسب عكسيا مع مقدار احاطته. 

اذا فاذا كان الموجود محيط كليا سبحانه وتعالى فان اداركه سيكون مستحيلا.

فمثلاً إحاطة الماء بحياة الأحياء المائية، فالسمكة لا تدرك أنها في الماء، حتى إذا خرجت منه بقيت تدير حركاتها وكأنها لا زالت في الماء.

وإحاطة الهواء بنا تجعلنا لا نستجلي حقيقة ما نحمل من قوته على أجسامنا.. وإحاطة قوة الجذب الشاقولي لمركز الأرض تحيط بنا ولا نكاد نشعر بها مع انها تكلفنا الكثير جدا من القوة، الا اننا نشعر بثقل الجاذبية عندما نكن مرضى او عندما نكون تعبين  او عندما نضطر للصعود الى الطابق العاشر في عمارة شاهقة بدون مصعد عندها نشعر باننا نحتاج الى قوة اضافية لمعاكسة الجاذبية.

قاذا كان الضغط الجوي والماء والهواء والجاذبية الارضية ، بل والكون كله وما فيه ، كلها موجودات إحاطتها جزئية، ومع هذا يصعب تجليها، فكيف بالمحيط المطلق؟ كيف يكون معنا ان نطلب تجليه؟

فقط المعتوهون هم الذي يتصورون ان الانسان المحدود في كل شيء يستطيع ان يحيط بالمطلق المحيط بكل شيء واللا محدود الذي ليس كمثله شيء وهو السميع البصير؟

سبحان الله الواحد الاحد الذي لم يتجلّ لخلقه مع جلائه وبيان آياته.

 هذه هي موجبات عدم التجلي في واقعها، وخارج وجود الإنسان وطبيعة معرفته وتعلمه، باعتبار أن العلم – كما قدمنا – ناتج المطابقة بين السنن التكوينية في نفس الإنسان مع السنن الأم من الكون، فإذا كانت المطابقة جزئية، كذلك تكون معرفته جزئية، وتكون المعرفة تامة بتمام المطابقة، وهي التجلي عند السعي بالحواس أو الجلاء عند السعي بأنماط التعلم وإن موجبات عدم التجلي هذه لا تعني شيئاً أمام قدرة الله تعالى بعيداً عن حقائق المعرفة في الوجود الكلي والموجودات، وإن عدم تجليه هو من فصول سنة رحمته الواسعة التي كتبها على نفسه، فإن شاء الله تعالى التجلي فلا شيء في الوجود يقوم لتجليه، ويبدو ذلك واضحاً من طلب موسى عليه السلام رؤية ربه: قال تعالى: (ولما جاء موسى لميقاتنا وكلمه ربه قال رب أرني أنظر إليك قال لن تراني ولكن انظر إلى الجبل فإن استقر مكانه فسوف تراني، فلما تجلى ربه للجبل جعله دكاً وخر موسى صعقاً فلما أفاق قال سبحانك تبت إليك وأنا أول المؤمنين) (الأعراف: 14).

وفي قول الله هذا بيان واضح للرحمة الواسعة، والحكمة والتدبير الحسن، في التعليق على المحال بين استقرار الكون وبين تجلي الخالق لمخلوقاته.

التعليقات
تغيير الرمز
تعليقات فيسبوك