تعرف المنطقة العربية، ولا سيما البلدان الفقيرة منها، تدهورًا واضحًا على مستوى الخدمات الصحية، ما يُخفّض من مستوى الأعمار لدى مواطنيها، ويزيد فرص الوفاة المبكرة، خاصةً عند الحوامل والمواليد.
ويشهد العالم، بحسب تقرير منظمة الصحة العالمية، وفاة 800 امرأة يوميًّا جرّاء أسباب يمكن الوقاية منها، لها علاقة بالحمل والولادة، أي ما يقارب 303 آلاف امرأة تفقد حياتها أثناء الحمل والولادة في السنة الواحدة، %99 منها تقع في البلدان النامية، إذ تسجل 230 حالة وفاة لكل 100 ألف ولادة في العالم النامي، مقابل 16 حالة وفاة لكل مائة ألف ولادة في البلدان المتقدمة.
فيما يولد نحو 2.6 مليون طفل ميت سنويًّا في العالم، ويموت زهاء 2.7 مليون رضيع خلال الأيام الثمانية والعشرين الأولى من عمره.
وتتقدم السودان اللائحة العربية، في معدلات وفيات الحوامل والرضع، مسجلة وفاة ثلاثة آلاف امرأة و37 ألف طفل في العام الواحد، ويبلغ معدل وفيات الأمهات في مصر، وفق وزارة الصحة المصرية، 49 حالةً لكل مائة ألف ولادة، كما يتوفى 20 رضيعًا لكل ألف مولود أثناء الحمل.
وتسجل في المغرب وفاة 121 امرأة حامل لكل مائة ألف حالة، في حين يتوفى 24 مولودًا في كل ألف ولادة، أما الأردن فتعرف 58 حالة وفاة لكل مائة ألف ولادة، وموت 22 رضيعًا في كل ألف مولود.
وبشكلٍ عام، يصل معدل وفيات حديثي الولادة في شمال أفريقيا والشرق الأوسط إلى 20 حالةً في كل ألف مولود، وتتوفى 81 حاملًا في مائة ألف ولادة، بينما نسبة وفيات الأمهات الحوامل في منطقة الاتحاد الأوروبي لا تتجاوز ست حالات لكل مائة ألف ولادة، ولا يتوفى إلا أربعة أطفال لكل ألف طفل حديثي الولادة.
ويُبيّن هذا حجم الهوة الشاسعة بين العالم العربي، ومنطقة اليورو في مستوى وفيات الأمهات والأطفال، جراء مضاعفات الحمل والولادة، وهو ما يثبت تصريحات منظمة الصحة العالمية بأن معظم حالات الوفاة لدى الحوامل والرضع بالعالم يمكن تفاديها، عن طريق الرعاية الصحية الجيدة.
أسباب ارتفاع نسبة وفاة الحوامل والرضع في العالم النامي
تعكس الهوة الشاسعة بين العالم النامي، والبلدان المتقدمة من حيث نسبة وفيات الأمهات الحوامل والرضع، الثغرة الموجودة بين الأغنياء والفقراء، فكلما تحسنت الحالة الاقتصادية لدى البلدان، أو حتى لدى الأفراد يحظون بخدمات صحية أفضل.
وتقضي النساء نحبهن نتيجة مضاعفات الحمل والولادة، وتذكر منظمة الصحة العالمية أهمّ المضاعفات الكامنة وراء وقوع %75 من مجموع وفيات الأمومة، وهي ممثلة في النزف الوخيم (النزف الذي يعقب الولادة بالدرجة الأولى الولادة)، العدوى (تحدث عادةً بعد الولادة)، ارتفاع ضغط الدم أثناء فترة الحمل (مقدّمات الارتعاج)، تعسّر الوضع، والإجهاض غير المأمون.
وتحدث باقي الوفيات نتيجة التعرّض، أثناء فترة الحمل، لأمراض مثل الملاريا وفقر الدم والإيدز.
وكل هذه المضاعفات السالفة الذكر يمكن معالجة نسبة كبيرة منها إن توفرت الرعاية الصحية اللازمة، بيد أن عوامل عدة تحول دون استفادة النساء من الخدمات الصحية الجيدة، كما تقول منظمة الصحة العالمية، منها الفقر، والمسافة (كالشأن مع الأرياف والقرى)، وانعدام المعلومات، ونقص الخدمات، والممارسات الثقافية (الولادة بدون مساعدة مدربة).
وتورد منظمة الصحة أنه «لا يستفيد من الرعاية الماهرة أثناء الولادة إلّا 46% من نساء البلدان ذات الدخل المنخفض»، ما يعني أنّ ملايين الولادات ما زالت تتم بدون مساعدة قابلة أو طبيب أو ممرّضة مدرّبة، في حين تحظى جميع النساء تقريبًا لدى البلدان المرتفعة الدخل برعاية صحية جيدة، تبدأ منذ ظهور الحمل إلى الولادة.
على جانب آخر، يموت ثلاثة ملايين رضيع على الأقل سنويًّا، حيث تستأثر البلدان الفقيرة بالنسبة الساحقة لوفيات المواليد، باعتبار أن احتمال موت رضيع في بلد نامٍ هو أكبر بـ15 مرة من احتمال موته في الدول المتقدمة، كما تقول منظمة الصحة، وذلك بسبب التفاوت على مستوى الخدمة الصحية.
وترجع معظم وفيات الأطفال حديثي الولادة إلى غياب المساعدة الصحية الماهرة في التوليد، وعدم الحصول على الاستشارة الطبية أثناء الحمل، وغياب المتابعة الطبية للمولود. وتنبه المنظمات المهتمة بالصحة إلى أن هناك علاقةً وثيقةً بين صحة الأم، وصحة جنينها.
هل ثمّة جهود للحل؟
تعرف معدلات الوفيات للحوامل والرضع عمومًا تراجعًا مستمرًا مع الوقت في العالم، بالرغم من التباين الواضح بين البلدان النامية، والدول المتقدمة، إذ تقهقرت معدلات وفيات الأمومة أثناء الحمل منذ عام 1990 بنسبة 45% في جميع أنحاء العالم. إلا أن المنظمات الصحية الدولية ما تزال تعمل جاهدة على تحسين الوضع الصحي في العالم، خاصةً بالدول الفقيرة.
ما أصبح متعارفًا عليه اليوم لدى الجهات الدولية المهتمة بالصحة أن توسيع الخدمات الصحية الجيدة المقدمة للحوامل، يمكنها أن تجنب أكثر من نصف وفيات الأمهات والرضع جراء الحمل والولادة، ومن ثمة تعمل مجموعة من الجهات الدولية مثل اليونيسيف، ومنظمة الصحة العالمية، والأمم المتحدة، بالإضافة إلى المنظمات المستقلة المهتمة بالصحة على تقديم برامج دعم البلدان الفقيرة لتحسين الرعاية الصحية لديها.
وأصدرت منظمة الصحة العالمية، واليونيسيف، وشركاؤهما في يونيو (حزيران) 2014، أول خطة عالمية على الإطلاق بشأن وضع حد لوفيات المواليد بحلول عام 2035، كما تشتغل أكثر من ثلاثين منظمة صحة عالمية بشكل تعاوني، لتطوير حزمة سهلة الاستخدام من التوجيهات والأدوات المصممة لتعزيز نظم المعلومات الصحية في البلدان، علاوة على الدلائل الصحية والتقنية التي تنشرها هذه المنظمات، بغرض مساعدة الحكومات على تحسين خدماتها الصحية وتوسيعها.
وتشكو الأمم المتحدة من أن كثيرًا من البلدان في العالم النامي تقلل من حجم وفيات الأمهات الحوامل والرضع؛ مما ينتج قاعدة بيانات غير دقيقة، ويقول في هذا الشأن يان أسكيو، مدير إدارة الصحة والبحوث الإنجابية بمنظمة الصحة العالمية، «نحن بحاجة إلى ضمان تسجيل جميع الولادات وحالات الوفاة بغض النظر عن مكان وقوعها، لفهم ما يجب القيام به لمنع حدوث وفيات، واتخاذ الإجراءات التصحيحية، وتجنيب ملايين الأسر معاناة وألم فقدان أطفالهم الرضع، أو أمهاتهم».
وتؤكد الجهات الدولية المعنية بالصحة أن تحسين الوضع الاقتصادي، وتعزيز الحكم الجيد، وتعميم الخدمات الصحية، يبقى هو التحدي الأبرز بالنسبة للعالم النامي لخفض معدلات وفيات الحوامل والرضع المرتفعة، نتيجة مضاعفات للحمل والولادة، يمكن تفاديها بإجراءات صحية متوفرة، وتكلفة يسيرة.