الكتابة بنبض القلب

5207 2013-08-19

الكتابة بنبض القلب

طالب عباس الظاهر

هناك حكمة للإمام أمير المؤمنين علي بن ابي طالب.. أمير البلاغة والبيان في منتهى الروعة والجمال، يقول فيها (عليه السلام): "ما يخرج من القلب يقع في القلب ، وما يخرج من اللسان لا يتجاوز الآذان).

بالرغم من إنها في ظاهرها كلمات معدودة فقط ، بل هي هكذا في منطق الحساب المجرد، بيد إنها تفتح في ذائقة المتلقي اللبيب، العديد من جوانب الاستقراء، فيجدها واسعة في معانيها، وشاملة في دلالاتها، وبعيدة في مغازيها.. ناهيك عن اشتمالها على المبهر في عملية القراءة النفسية، والاستقراء الأدبي المعمق، وهي تركز على موقعية القلب الإنساني في المرسل والمستقبل معاً، والقلب - كما هو معروف - يعدّ لبّ الإنسان وجوهره، ومكمن عواطفه، وانفعالاته الشعورية، وموضع معنوي للاتصال والمناجاة.

ولا غرابة مطلقاً في ذلك، كون هذا القول إنما صادر عن إمام  معصوم، وبناء عليه، فإن الحكمة ستكون بمنزلة  سامية جداً، إذ إنها - بلا ريب - إنما تقف دون قول الله تعالى، وفوق مستوى كلام البشر.

ولو حاولنا التدقيق في المفهوم العام للخروج، بل وعلى وجه الدقة في عبارة : (ما يخرج من القلب)، بما يشتمل عليه هذا، من قول، و إحساس، وإيمان، وإرادة، وغيرها من مفاهيم في هذه الحكمة، ومن ثم النزول من خلال: (يقع في القلب)، وإسقاط مدلولات ذلك على عموم النصوص الأدبية، في عمليتي إنتاجه وتلقيه، وصدوره من مرسل الى مستقبل، وهي أيضاً تحتاج الى قلبين: قلب تخرج منه (باث)، وآخر تقع فيه ( لاقط)؛ سنجد إنها إنما تمثل طرحاً نقدياً.. غاية في الدقة والإتقان في عملية تقييم المنجز، وامتلاكه لناصية الفن، وتحديد مكانته على سلّم الإبداع، ومن ثم تحديد مدى فائدته.

إذ إن النص الأدبي ــ كما لا يخفى على أحد ــ يحتاج الى كاتب وقارئ؛ أي بمعنى إن ما يخرج بصدق من الكاتب، أي من صميم قلبه؛ فإنه لابد سيجد له آذان صاغية عند القارئ؛ وستجد كلماته الحقيقية لها صدىً في قلبه، فيتفاعل معها بقوة، ويتعايش مع مراميها البعيدة حتى دون إرادة منه؛ أي سيقع نصه في قلبه موقعاً حسناً.

على العكس تماماً مما لو جاءت مثل تلك النصوص، موافقةً لما جاء في الشطر الآخر من الحكمة بقوله (عليه السلام): (.. وما يخرج من اللسان لا يتجاوز الآذان)؛ عبر إشارة واضحة وبليغة، الى إن ما يقال أو يكتب من دون صدق، وبلا أيمان، ولا إحساس بالكلمة والحرف، أي بكلمة؛ من وراء القلب ومن خارجه، وكأنها مجرد لقلقة لسان لا غير، لأن مدادها حبر القلم وحسب، ولم تغمّس بدم القلب؛ أي سيتلاشى أثرها عند حدود الآذان.

 لذلك فإن مثل هكذا نصوص، لا يمكن لها بأي حال من الأحوال، دخول قلوب القراء والمستمعين، والوقوع فيها، لكي يتأثروا بها، أو يستجيبوا لما تطرحه، كونها ستدخل الى آذانهم فحسب، دون ان تتجاوز ذلك الى قلوبهم.. لتستقر فيها، وهو هدف الأدب، وغايته النهائية؛ أي سيمحقها النسيان سريعاً من الذاكرة، دون ان تترك لها أثراً في النفوس.

 

التعليقات
تغيير الرمز
تعليقات فيسبوك