نبض الإسلام في صحراء فاسو

1749 2013-11-09

يذكر المؤرخين أن بوركينا فاسو والتي تعرف بأرض الأحرار أو الصالحين قد عرفت الإسلام منذ القرن الخامس الهجري.

في النطاق الغربي لأفريقيا تقع بوركينا فاسو والتي تعتبر من الدول الداخلية وذلك بسبب موقعها الجغرافي، وتحدها مالي من الشمال والغرب وساحل العاج وغانا وتوجو من الجنوب، ومنافذها إلى العالم الخارجي ساحل العاج وغانا، حيث تبلغ مساحة أرضها (247,200 كم)، وعاصمتها (وجادوجو) في وسط البلاد.

خضعت فاسو للاستعمار الفرنسي ، وضُمت لمستعمرة السنغال العليا، ثم أصبحت مستعمرة منفردة في سنة 1335هـ، وعرفت بفولتا العليا، وعندما قام المسلمون في فولتا العليا بمحاولات لنيل استقلالهم، قام الاستعمار بتفتيت أرضهم فُوزعت على ساحل العاج ومالي والنيجر، وفي سنة 1367هـ - 1947م استعادت فولتا العليا وحدة أرضها في مستعمرة واحدة، ثم نالت استقلالها في سنة 1380هـ - 1960م، وسكانها حاليًا أكثر من 8 ملايين نسمة، وتشير المصادر الغربية إلى ان نسبة المسلمين 22% غير أن هذا ينافي الحقيقة، فالمسلمون بها أكثر من 60%.

ولا يوجد إحصائيات دقيقة لنسب الأديان في بوركينا فاسو، ولكن استناداً لإحصائيات حكومية في البلاد أجريت عام 1996 فأن 60 % من السكان مسلمون، 16.6 % كاثوليك، 3 % بروتستانت، 23.7 % يتبعون ديانات محلية.

دخول الإسلام

يمكن القول أن بوركينا فاسو والتي تعرف بأرض الأحرار أو الصالحين قد عرفت الإسلام منذ قرون طويلة، ويُرجع المؤرخون بداية دخول الإسلام إلى أرض الناس الصالحين في القرن الخامس من هجرة النبي صلى الله وعليه وآله وسلم، طبقًا لما ذكره المؤرخ البوركيني "جوزيف كي زيربو" في كتابه: (تأريخ إفريقيا السوداء)، حيث أشار إلى أن بوركينا فاسو عرفت الإسلام في نفس الفترة التي دخل فيها الإسلام والمسلمين إلى مملكة غانا، انطلاقًا من أن بوركينا كانت في تلك الفترة جزءًا من مملكة غانا.

 ويقول المؤرخون: إن انتشار الإسلام ودخوله إلى دول غرب إفريقيا، ومنها بوركينا فاسو بطبيعة الحال، يمكن تقسيمه إلى ثلاث مراحل:

المرحلة الأولى: تبدأ 640 م، وتنتهي حوالي 1050م، والتي تم فيها فتح المسلمين لدول الشمال الإفريقي، وتحديدًا بعد أن تم فتح مصر.

المرحلة الثانية: حيث توقف الإسلام قليلاً عن الانتشار في الغرب الإفريقي بسبب ثورات البربر وحروب الروم، وفتن ملوك المغرب، إلا أن ظهور حركة المرابطين  (في القرن الحادي عشر) كان له دور كبير في تعظيم الروح القومية لدى قبائل البربر.

المرحلة الثالثة: تمتد بين عامي 1750 - 1901م، وشهدت تلك المرحلة نهضة قوية للإسلام والتي امتازت بظهور عدد كبير من الدعاة المسلمين الأفارقة، يأتي على رأسهم (عثمان دانفوديو، ومحمد الأمين الكانمي، والحاج عمر بن إدريس، ومحمد المهدي).

أحوال المسلمين

على الرغم من أن المسلمين يشكلون أغلبية السكان في بوركينا فاسو، إلا أنه ليس لهم أي ثقل سياسي أو اقتصادي والذي يتطلب من الدول العربية والإسلامية وكافة المؤسسات الإسلامية العاملة في نشاط الدعوة إلى الإسلام التواصل الجدي والمستمر معهم ، حيث يسيطر بعض المتشددين على مقاليد الدولة منذ سيطرتهم على حكم البلاد في أعقاب نيل بوركينا فاسو استقلالها عام 1960.

تحديات واشراقات

هنالك عدة عوامل تواجه الفرد البوركيني والتي تعمل على تفاقم المخاطر المحدقة بالمجتمع ويعتبر التدهور الاقتصادي احد أهم العوامل، حيث يقول الشيخ جالو سيدو- الأمين العام المساعد للمنظمة الثقافية للتنمية الإسلامية في بوركينا فاسو: إن مسلمي بلاده يواجهون تحديات كبيرة، أبرزها تردي الأوضاع الاقتصادية.

 ويؤكد سيدو أن البطالة والفقر تعدان من المشكلات التي تهدد مسلمي بوركينا فاسو، خاصة في أوساط الشباب الذين تزيد نسبتهم على 70% من مسلمي البلاد، وأرجع ذلك إلى انحسار فرص العمل في القطاع الحكومي، وضعف حركة القطاع الخاص، وانعدام المشروعات التنموية والاستثمارية في مناطق المسلمين، وضعف التكوين العلمي والمهني لأبناء المسلمين، خاصة أن الكثير من أبناء المسلمين أميّون.

 وان انتشار الأمية في البلاد أدى إلى ارتفاع الحالات المرضية ومنها مرض الايدز الذي يزيد من مخاطر المجتمع.

ورغم تلك التحديات إلا أن هناك جوانب مشرقة في تجربة الإسلام والمسلمين في بوركينا فنشاط المؤسسات الإسلامية له دور بارز في الارتقاء بنسب كبيرة من شرائح المجتمع وانقاذهم من ظلمات الجهل، حيث توجد العديد من المنظمات الوطنية الإسلامية التي تسعى لنشر مفاهيم الإسلام الصحيح، ومواجهة الحملات المسيئة له التي تشنها الجماعات المتشددة.

فكانت أول جمعية تظهر على الساحة هي "الجمعية الإسلاميّة البوركينابيّة"، وهي أقدم الجمعيات الإسلامية في "بوركينافاسو"، بل هي أم الجمعيات الإسلامية، وملجأ كل الطوائف الإسلامية بلا استثناء، تعمل في الدعوة إلى الله تعالى، وعلى لـمّ شمل المسلمين، ومناصرة قضاياهم، وإقامة ورعاية المنشآت الإسلامية.

أما "الجمعية الإسلامية التيجانيّة" (تأسست عام 1970م)، فهي تضمّ أعضاء الطريقة التيجانيّة في البلاد، وتعمل على نشر دعوتها الصوفيّة.

وتُعتبر جمعيّة "دائرة الدراسات والبحوث والتكوين الإسلامي "CERFI"، تطوراً في عمل الجمعيات الإسلامية، بسبب التمايز الفكري، بين أعضاء هذه الجمعية وبين الجمعيات التقليدية، إذ تضمّ الأخيرة جمعاً من الموظفين والخريجين ومن ذوي الثقافة الفرنسيّة، وقد ارتأوا تأسيس جمعيّة تعكس نظرتهم إلى الحياة الاجتماعيّة، وهي حديثة التكوين في العام 1989م.

وتعد رابطة الشباب للتضامن الإسلامي المنظمة الثقافية للتنمية الإسلامية وجمعية الطلاب من أبرز تلك المؤسسات الإسلامية.

كما تلعب الجمعيات دورًا كبيرًا في خدمة المسلمين وتعليمهم القرآن الكريم، والسنة النبوية، وتقديم الدعم المعنوي والمادي للدعوة الإسلامية، وكذا توعية الشباب والفتيات للحفاظ على أخلاقهم، وقد حققت هذه الجمعيات نجاحات كبيرة، إلاّ أنها بحاجة ماسة إلى الدعم كي تستمر في أعمالها، وتتغلب على التحديات التي تواجهها.

التعليم الإسلامي

لعب التعليم في السنوات الأخيرة دور بارز في المجتمع الإسلامي والذي يركز على التعليم القائم على العلوم الشرعيّة وعلوم اللغة العربيّة، الذي يُقدّم للمسلمين خاصّةً، ولا يُحدّد فيه بالضرورة عمر المتعلّم، كما لا يشترط للالتحاق ببعض المراحل الحصول على شهادةٍ معيّنةٍ، وتُحدّد فيه كميّةٌ معيّنةٌ من المقرّرات الدراسيّة مثل التعليم العام، وعادةً ما تقوم بهذا النوع من التعليم الجمعيّات أو الأفراد.

وكان الهدف الرئيس لمؤسّسي المدارس العربيّة هو تدريس الموادّ الدينيّة، إضافةً للّغة العربيّة، ولكن بمناهج البلدان، التّي تخرّجوا منها وقد وجد هذا التحوّل العلميّ قبولاً لدى المجتمع "البوركينيّ"ثمّ تطوّرت تلك المدارس وأخذت تُدخِل في مناهجها العلوم الإنسانيّة والطبيعيّة، كالأحياء والرياضيّات والجغرافيا، والتاريخ...إلخ، ممّا أعطى تلك المدارس أهمّيةً كبرى فأصبحت تنافس بصورةٍ غير مباشرةٍ المدارس الحكوميّة، ممّا شجّع كثيرين على  مواصلة دراساتهم الجامعيّة وفوق الجامعيّة باللغة العربية، حتّى أصبحوا الآن يُشكّلون 11% من نسبة التعليم العام في "بوركينا فاسو" في المرتبة الثانية بعد التعليم الفرنسيّ.

واليوم يُقدّر عدد المدارس التي تُدرّس باللغة العربية بـ 500 مدرسةٍ ما بين ابتدائية وإعدادية وثانوية، حسب تقرير مدير التعليم الأساسي الخاص التابع لوزارة التعليم الأساسي الأستاذ طاهر كوسبي.

لكن المدارس الإسلامية لا زالت تُعاني حتى الساعة من عدم الاعتراف بشهادات خرّيجيها، ما يحرمهم من الدخول إلى سوق العمل، ومن الاستفادة من الميزات المرتبطة بذلك.

انتشار الجمعيات الإسلامية فى بوركينافاسو

ابتداءً من التسعينات، وحتى بداية الألفيّة الثالثة، كانت فترة ازدهار الجمعيات الأهلية عامة، والجمعيات الإسلامية خاصة، حيث لوحظ تنامياً متزايداً في الجمعيات الإسلامية فى "بوركينافاسو"، حتى وصل عدد الجمعيات الإسلامية إلى أكثر من 182 جمعية إسلامية في كانون الأول/ديسمبر2005م.

ومن أهم الجمعيات الإسلامية، التي نشأت في هذه الفترة، جمعية التربية الإسلامية تأسست (1995م)، وجمعية النساء المسلمات تأسست (1995م).

إلى ذلك، ثمة عدد كبير من الجمعيات الإسلامية في "بوركينا فاسو" مختلفة الأهداف، والمناهج وهي:

1. جمعية عبد الله بن مسعود.

2. مكتب لجنة مسلمي إفريقيا- من الكويت.

3. مكتب الجمعية الإسلامية العالمية- من ليبيا.

4. مكتب منظمة الدعوة الإسلامية العالمية- السودان.

5. مشرف لجمعية إحياء التراث الإسلامي ووزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة- من الكويت.

6. مستوصف لرابطة العالم الإسلامي- من المملكة العربية السعودية

7. لجنة الدعوة الإسلامية.

8. جمعية الحاصلين على شهادات الجامعات والمدارس العربية والإسلامية فى بوركينافاسو.

9. الجمعية الثقافية الإسلامية مؤسسة إمام حسن المجتبى، وغيرها من المؤسسات والجمعيات.

التعليقات
تغيير الرمز
تعليقات فيسبوك