الشعور بالمسؤولية أفكار ورؤى.. أسباب ومعالجات


صرح القرآن الكريم بوضوح أن الهدف من بعثة الأنبياء هو لتحقيق التوازن فيما بين الناس والتشارك في الفعل الإنساني من اجل خلق نفسية تشعر بالمسؤولية، ولا تدير ظهرها للمجتمع وتعيش عليه بشكل اتكالي، فقد قال الله سبحانه وتعالى: (لقد أرسلنا رسلنا بالبينات وأنزلنا معهم الكتاب والميزان ليقوم الناس بالقسط) الحديد /25.

هناك أسباب للإقدام والتشارك أو الإحجام والاتكالية.. انها كثيرة منها الوراثة، البيئة، التربية، التعليم، المرض، نزعات وأفكار كونتها أسباب عديدة اجتماعية واقتصادية وسياسية، تسربت الى الشخصية فشكلت الكثير من القيم والعادات والتقاليد، فما تصنعه الشخصية ومكوناتها والأمزجة والدوافع صارت نتيجة طبيعية. 

ولغرض معالجة هذا الخلل الاجتماعي الكبير لا بد من معرفة الدوافع الى الانجاز والتشارك، أو التقاعس الذي يدفع باتجاه الاتكالية حيث خمول المجتمع وتحميل المسؤولية للآخر وتبادل الاتهامات بالتقصير.

أفكار ورؤى 

في اطار هذه المعالجات يقدم الكاتب والباحث الاجتماعي عبد الكريم العامري أفكاراً حول الشعور بالمسئولية والاتكالية فيفيد بأن" الشعور بالمسئولية والاتكالية يتعلمها الإنسان في الصغر بصورة مباشرة أو غير مباشرة، مقصودة أو تلقائية، أحيانا ممنهجة في البيت والمدارس أو عفوية يتعلمها الطفل من أقرانه في المحلة وجماعة اللعب.

وفي معرض أسباب تنامي هذا الشعور يقول العامري" إن سنوات القهر والهدر الطويلة، ومحاصرة إنساننا العراقي او العربي عموما بالتجريم والتحريم والتأثيم وحبس طاقاته الحية، جعلته ينظر الى نفسه باعتباره كائنا عاجزا عن المجابهة والمواجهة، لا حول له ولا قدرة على تغيير واقعه الذاتي والمحيطي، والإمساك بزمام مصيره، ينكفئ عندها الى مواقع التبلد السلبي والاتكالية، لا سيطرة له عليه. وتترسخ عنده مشاعر الاكتئاب واجترار المعاناة.

ان معظم السلبيات والايجابيات يتعلمها الفرد من الجماعة، لذلك، فإن درجة صلابة الجماعة تعتمد على درجة انتماء الفرد لها. الناس جميعا يقدرون علاقتهم بالجماعة التي ينتمون اليها. فهم يسلكون جميعا سلوكا يتفق مع معايير هذه الجماعة. ان كثيرا من الأفراد يكتسبون اتجاهات مقبولة نحو عضويتهم أو مرفوضة تبعا لـ :

إذا كانت الثقافة التي ينتمي اليها الفرد تحقق له حاجاته أو لا . كذلك ، أن يكون لدى الفرد استعداد للقيام بدوره أو لا. كذلك، أن يثق الفرد أن فهمه للمعايير يشترك فيه مع الآخرين.

وهنا نود القول كمقترحات :الاهتمام بالتفكير

يمثل التفكير الايجابي ابرز جوانب الاقتدار الإنساني في حالة الشعور بالمسئولية وفي حالة تردي ذلك التفكير يتردى معه الاقتدار ثم تتحول الشخصية الى ان تنتابها حالة الاتكالية والعجز عن التكيف .

ويؤكد العامري على ان التفكير الايجابي هو الأداة الأكثر فاعلية في التعامل مع مشكلات الحياة وتحدياتها. فالعقبات والصعوبات والمعوقات والسلبيات على اختلافها لا تحل عمليا إلا من خلال التفكير الايجابي الذي وحده يوفر المخارج ، ويستكشف امكانات الحلول . بالتالي فهذا التفكير ليس مجرد مقاربة منهجية بل هو توجه يعبئ الطاقات ويستخرج الظاهرة منها كما الكامنة من اجل حل المشكلات كما انه يشكل العلاج الناجع للحفاظ على المعنويات وحسن الحال. 

لا يعني التفكير الايجابي أن نتغاضى عن سلبيات الحياة الفعلية، فذلك ليس من الايجابية بشيء.. هو على العكس، ينظر بشكل جدلي الى سلبيات وضعية ما وايجابياتها في الآن عينه ويوازن بينها. ينظر كيف يمكن العمل على تعظيم الايجابيات في هذه الوضعية، وكيف يمكن الحد من سلبياتها. 

هناك ثابت أساسي في التفكير الايجابي يتعلق بالموقف من الذات يجب ان نقوله للمشارك بالواجبات ليحافظ عليها وللكسول التواكلي:

إذ يتعين على الشخص رغم عثراته وخيباته وحالات فشله أن يظل ايجابيا في نظرته الى ذاته وقدراته وامكاناته وفرصه وممارساته، أن لا يدع اليأس يتسرب الى ذاته والشطط في الحكم عليها وجلدها. إذ في مقابل الخيبات هناك العديد من الإنجازات والنجاحات ، وفي مقابل أوجه القصور هناك قدرات وامكانات ، وفي مقابل العثرات هناك فرص ممكن. 

من المقترحات ايضا، أسلوب التفسير المتفائل احد أبعاد التفكير الايجابي، وعكسه المتشائم.

الأول: يدفع الى العمل والى الثقة بالذات وبالفرص وجعل الأفراد يشعرون بالمسئولية.

الثاني: يدفع الى القعود المتشائم ولوم الذات والحط من امكاناتها والاتكالية على الآخرين حتى تطمس تلك المتوفرة منها والقابلة للاستثمار في مسعى فاعل. 

ويخلص الباحث" لكي نساعد في مواجهة الاتكالية والنهوض بإحساس الشعور بالمسئولية: 

أولا ـ يأتي الوعي في أول الخطوات. فالوعي هو أساس تفتح الرؤى حول الواقعين الموضوعي والذاتي في آن معا. الوعي هو ان تصبح على صلة بما أنت عليه، وما تشعر به وتفكر فيه وتفعله. وهو يساعد في وظيفتين المراقبة والتنبيه للذات والمجتمع والوظيفة الأخرى هي التوجيهات التي تتيح للشخص حسن التصرف في التعامل مع واقعه.

ثانيا ـ لصناعة وعي جيد هناك منهجيات كثيرة كالتفكير الجانبي والابتكاري والتي تخلق المرونة الذهنية وعدم التصلب في تقبل والرفض للتوجيهات حيث تعاود الحياة مسيرتها النمائية ، حيث تبقى الطاقات الحية متوفرة للفعل، أو تتصعد عملية تعبئتها ولا تكون اتكالية انما تشاركي في العمل والوجدان." 

عنوان كبير..

المسؤولية عنوان كبير يمثل حركة الإنسان في كل مواقع حياته، أمام الله، وأمام الناس، وأمام نفسه، لأن الإنسان عندما يريد أن ينطلق في حياته ليؤيد هذا أو يرفض ذاك عليه أن يوجه لنفسه سؤالاً: لماذا ذلك كله، لماذا أنطلق في هذا الاتجاه ولم  أنطلق في غيره، لماذا أعطي التأييد لهذا الطرف، ولماذا أسحب التأييد من الطرف الآخر، لماذا الصدق لا الكذب، لماذا الأمانة لا الخيانة، لماذا الكلام لا السكوت.. لماذا كل ذلك؟!

يضيف الكاتب والباحث عبد الهادي البابي تساؤلات أخرى مكمّلة فيقول" على الإنسان أن يعرف موقعه من ربه.. هل أن الله خلقه وتركه يتحرك كما يريد يضر نفسه أو ينفعها، يسيء إلى البعض ويحسن إلى الآخرين، هل أطلق الله سبحانه وتعالى الإنسان في هذا الكون ليعيش الفوضى بغرائزه في كل أوضاعه؟

ويقدم الكاتب الاجابة" لقد قال سبحانه وتعالى للإنسان بما معناه :[ لقد خلقتك لتكون خليفتي في الأرض، ولتمارس دور الخلافة من خلال ما أعطيتك من طاقات في عقلك وقلبك وفي كل حركتك، وأنت خليفتي في الأرض لتعمرها وتجعلها ساحة يسودها الخير والمحبة والسلام] فأنت أيها الإنسان مسؤول عن كل شيء في حياتك الفردية والاجتماعية والسياسية والاقتصادية والأمنية، مسؤول عن نفسك، مسؤول عن الناس من حولك بحجم ما تتصل مسؤوليتك بحياتهم، ومسؤول عن الحياة كيف تعطيها من عقلك وقلبك وطاقتك، مسؤول عن الأرض التي تسكن عليها، ومسؤول عن الوطن الذي تعيش فيه..

ومن هذه المسؤوليات مسؤولية الكلمة، الكلمة التي تنطلق في كل الاتجاهات وبدون حواجز عبر صفحات الجرائد وشاشات الفضائيات والكتب والمنشورات والانترنيت وغيرها من وسائل الاتصال المقروء والمسموع والمرئي، وكما أن علينا أن ننطلق في حياتنا الاجتماعية لنشعر أنفسنا بأننا جزء من المجتمع لابد أن نتحمل المسؤولية عن مجتمعنا من خلال مسؤولية [الجزء عن الكل] وأن نحمي مجتمعنا من كل مايسقطه، ومن كل مايفسده، ومن كل مايمزقه، فليس لنا أن نتكلم في المجتمع بمزاجنا وعلى هوانا، لكن علينا أن ندرس مجتمعنا وكلمتنا قبل أن نطلقها، فلعل هذه الكلمة تتحول إلى نار تحرق الكثير من الهشيم الاجتماعي، وبذلك نكون قد ساهمنا في تمزق المجتمع، فعندما نريد أن نُحرك كلماتنا [بواسطة الأعلام] في المجتمع، وعندما نريد أن نتحرك بخطواتنا في المجتمع، وعندما نريد أن نحرك علاقاتنا في المجتمع،علينا أن نحركها بطريقة مسؤولة يلحظ فيها ذلك كله سلامة المجتمع واستقراره في كل جوانبه..

ويخلص البابي بأن المؤسسات الإعلامية الوطنية ومن خلال شعورها بالمسؤولية الجماعية عليها أن تجعل من صفحات جرائدها ومطبوعاتها وفضائياتها منابر حرة يتبارى فيها الكتاب والأدباء والصحفيون، وفي مواضيع مختلفة في النقد والسياسة والثقافة والدين والتراث والفكر ومشاكل المجتمع، حتى يشعر الجميع بأنهم يؤدون رسالة إنسانية وأخلاقية دون قيود أو رقابة أو تمييز، مستخدمين  التوثيق المباشر والنقد البناء، ومواجهة الجماهير بالحقائق التي يضعونها واضحة جلية أمام الرأي العام بكل أمانة وإخلاص ومهنية.. 

عوامل تقوية الشعور بالمسؤولية

يفيد الشيخ الدكتور محمود عكام مخاطباً الانسان العربي والمسلم في مقال له" أتريد أن تشعر بمسؤوليتك في عملك في تجارتك في مصنعك في مخبرك في جامعتك في مدرستك بين شعبك؟ إذن خذ هذه العوامل لتعميق وتقوية الاستشعار بالمسؤولية:

العامل الأول. من أجل أن تكون مستشعراً مسؤوليتك يجب أن تستشعر رقابة ربك: (أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك) عليك أن تستشعر أن الله مطلع عليك، قل لي بربك لو أنك كنت تعمل في دائرة ما وكنت ترى أن المسؤول الأعلى منك يراك ويراقبك حدثني عن مسؤوليتك عن عملك وكيف ستزداد هذه المسؤولية عن العمل الذي بين يديك والذي تريد إنتاجه. (أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك)، ﴿يعلم خائنة العين وما تخفي الصدور﴾ أتريد أن تكون مستشعراً مسؤوليتك بشكل قوي ؟ إذن عليك أن تستشعر رقابة ربك، ربك يراك، ربك مطلعٌ عليك: ﴿ألم أقل لكم إني أعلم غيب السموات والأرض وأعلم ما تبدون وما كنتم تكتمون﴾، ﴿لله ما في السموات وما في الأرض وإن تبدو ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله﴾، ﴿ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير﴾ الله شاهدي الله ناظرٌ إلي الله معي. علمّوا أيها المعلمون طلابكم أن يرددوا في كل صباح: الله شاهدي الله ناظرٌ إلي الله معي، علموا أيها الضباط جنودكم علموا أيها التجار عمالكم علموا أيها الصانعون صناعكم وعلموا أنفسكم وقولوا صباح كل يوم: الله شاهدي الله ناظرٌ إلي الله معي. 

العامل الثاني. من أجل تقوية الشعور بالمسؤولية: الإيمان بالجزاء، ﴿فمن يعمل مثقال ذرة خيراً يره ومن يعمل مثقال ذرة شراً يره﴾ إذا كنت تؤمن بالجزاء قستقوي شعورك بالمسؤولية، ﴿وإن كان مثقال حبة من خردل أتينا بها وكفى بنا حاسبين﴾ كل ما يصدر عنك من قول أو فعل أو حركة أو سكنة مسجل عليك في كتاب ﴿لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها ووجدوا ما عملوا حاضراً ولا يظلم ربك أحداً﴾.

أتريد أيها الرئيس أيها الوزير أيها الحاكم أتريد أيها القاضي أيها التاجر أيها المعلم أتريد أن تقوي شعورك بمسؤوليتك عمن أنت مسؤول عنهم، اعلم علم اليقين أن هنالك جزاءً في الدنيا والآخرة وأن جزاء الآخرة هو الأوفى سلباً أو إيجاباً.

العامل الثالث. الذي يقوي شعورك بمسؤوليتك الثقة بالنهج الذي أنت عليه، سأضرب لكم مثالاً: طالب كلية الطب أو الهندسة يدرس أكثر بشكل عام من الطالب الذي يدرس في كلية أخرى نظرية من جملة أسباب، ذلك أن طالب الطب يثق بمنهاجه ويثق بدراسته ويعلم شبه يقين أن دراسته ستوصله إلى مجد، أما طالب الدراسات الأخرى في كلية إنسانية فهو متردد من حيث ثقته بالمنهاج ولو أنه وثق بالمنهاج الذي يدرسه وأن هذا المنهاج يوصله إلى مجد بشكل أغلبي فسيتوجه إلى الدراسة أكثر. طالب الثانوية العلمية يدرس أكثر من طالب الثانوية الأدبية لأنه يثق بشهادة الثانوية العلمية وأنها توصله إلى أماكن لا يمكن أن توصله إليها شهادة الثانوية الأدبية، أنت تثق بمنهاجك الذي تعتبر نفسك مسؤولاً عنه، أنت تثق بكتاب ربك أنت تثق بإسلامك؟ إن كنت تثق بإسلامك أعتقد أنك ستستشعر مسؤوليتك عن دينك أكثر من هذا الوضع الذي أنت عليه.. القضية قضية ثقة، عندما نثق بالشيء سيزداد شعورنا بالمسؤولية عنه، لكننا عندما نفقد بعض الثقة أو الثقة بهذا الذي ننتمي إليه فلن نعمل له وسيضعف شعورنا بالمسؤولية.

العامل الرابع. إرادة الخير للناس، عندما تريد الخير للناس فأنت تقوي بذلك شعورك بالمسؤولية نحو الناس، ولكنك عندما تريد الشر بالناس فأنت تنعتق من مسؤوليتك الإنسانية ومن مسؤوليتك الاجتماعية ومن مسؤوليتك الأخوية ومن مسؤوليتك الإيمانية...

المسؤولية هي الحرص على تأدية الواجبات

وقد تكون دوافع تتعلق بالإيمان هي التي تحدد مدى الشعور بالمسؤولية تجاه قضية او جهة معينة، وهنا يفسر الكاتب والباحث صباح محسن كاظم الشعور بالمسؤولية من وجهة ترابطية بين الايمان ومتطلبات العيش في كنف المجتمع فيفيد بأن" هذا الشعور يعني الحرص على تأدية الواجبات المناطة بالشخص وفق التكليف الإلهي بالعمل الصالح، ولأجل تأدية الواجبات الموكلة وفق متطلبات المواطنة الصالحة؛ وبالتالي ترتقي الامة وتنهض ويتكاتف الجميع لتحقيق الغايات والاهداف المشتركة والمصالح العامة".

ويستدرك الباحث بالقول" ثمة ضرورة لحمل المسؤولية بما تطلبه ارادة السماء فهي أمانة تنوء عن حملها الجبال، لأن المسؤولية ان تحققت شرائطها المذكورة سعد المجتمع، وان تخلى المسؤول إلا عن مآربه ودناءة أفعاله بسرقة المال العام، والاخلال بالأمن الاجتماعي والاقتصادي والسياسي والثقافي... يعد انتكاسة ونكوص وتراجع لان الجميع يفقد الثقة بما يرى من المسؤولية المتلكئة التي تبحث عن طموحات شخصية تصطدم بإرادة الجميع والوعي الجمعي، ومن هنا جاء الحكم عند الله للعادل والكفوء والمخلص والنزيهة. من لم يحكم بما انزل الله فاؤلئك هم الظالمون.. وفي آيات أخرى المجرمون. الكافرون.. فالعدل أساس الملك والمسؤولية تكليف لا تشريف..."

 

التعليقات
تغيير الرمز
تعليقات فيسبوك