كيف نحافظُ على هويتنا؟


لابدّ في البداية من التأكيد أنّ ما نحتاج إليه فعلاً ليس هو استرداد الهُويّة الضائعة، وإنّما المحافظة على سلامة الهُويّة من الانحراف والتحريف، فهُويّتنا الإسلاميّة ليست مفقودة وعلينا أن نفتّش عنها، وإنّما هي مريضة تعاني من أزمة صحيّة، ومن صدأ متراكم عليها يمكن إزاحته لا على مقدار ما نفهم هذه الهُويّة ونحبها، ونتعلَّق بها، ونعتز بها فقط، وإنّما من خلال شعور حقيقي أنّها سبب عزّتنا أيضاً.

وسُبُل الحفاظ على الهُويّة كثيرة، أفاض فيها الباحثون والدارسون والحريصون على نقائها أو بقائها (فاعلةً) (متفاعلةً) سواء من خلال (الخطاب الدّيني المعتدل والمراعي لخصوصيّات الزمان والمكان والشرائح المخاطبة) أو من خلال إعادة الاعتبار لدور الأُسرة كواضع لحجر أساس الهُويّة، أو إلى الانتقال بالمناهج التعليميّة الدّينيّة من (التلقين) إلى (التفاعل) ومن (السرد) إلى (طرح الأسئلة والإجابة عنها) والاستماع إلى ما يدور في الأذهان من إشكالات والردّ عليها، وإلى عدم التسليم المطلق لما يقوله الإعلام بكلّ وسائله المرئيّة والمسموعة والمقروءة والجامعة. فهو بين (مُغرض) ومتعمّد للإساءة والإثارة والاستفزاز، وآخر (متعصّب) للفئة والطائفة والمحور السياسي الذي ينتمي إليه ولا يرى الحياة إلّا من شبّاكها الضيّق، وآخر يُلبس الثقافة الإسلاميّة ثياب التغرّب لنحسبها من الإسلام، وما هي منه، وآخر يخلط الحقيقة بالزيف.. وآخر وآخر، حتى يندر أن تجد إعلاماً محايداً أو منصفاً يقول الحقيقة كما هي أو كما يجب أن تعرض وتقال، ولذلك فمن سُبل المحافظة على الهُويّة تربية مَلكة النقد عند الشباب المسلم، فلا يكون المتلقِّي السلبيّ المذعن لكلّ ما يعرض من (صور) وما يقال من (كلمات).

ومن سُبل المحافظة الجادّة على هُويّتنا هو أن نتعرّف على قرآننا أكثر، لا من خلال قراءته المجرّدة فقط، بل من خلال التمعّن والتفكُّر في دروسه وتعاليمه وقوانينه وتطبيقاته الحياتيّة، وعرض أسئلتنا عليه ليجيبنا عنها، وبالتلازم فإننا نحتاج إلى الاهتمام باللّغة العربيّة لأنّها سبيل مهم من سُبل فهم القرآن وأدبيّات أو منابع الثقافة الإسلاميّة الأخرى، ومطلوب أيضاً أن نعيد قراءة تأريخنا قراءةً محايدةً، سواء بعرض وقائعه على مفاهيم القرآن والسنّة المطهّرة، أو من خلال القراءة الناقدة المقارنة بين حوادثه ورواته، كما نحتاج بالتوازي أيضاً إلى أن ينصب اهتمامنا على صيانة المعالم والرموز التأريخيّة وعدم التفريط بها، فكم طُمست واندثرت معالم مهمّة كان يمكن أن تشكّل باعثاً على الارتباط الروحي مع مواقع وأماكن لا تمثّل الجغرافيا فقط، وإنّما تستثير في ذهن زائرها والمتأمّل فيها تأريخاً حافلاً بمشاهد الفخر والاعتزاز فننتهل منها بعض حماستنا الدّينيّة، أو بما تذكّرنا به من مشاهد الذل والانكسار والتردّي، فلا نعيد مأساتها أو نكرر الوقوع في أخطائها، وخير ما يمكن أن نحافظ به على هُويتنا الإسلامية، هو أن نعيشها واقعاً وممارسةً –سواء في تلبية متطلبتها، أو في دعوة الآخرين إليها، وأن نتعايش ونتواصل معَ الآخر على طريقة (خالط النّاس ودينك لا تَكلِمَنّه) فباب الانفتاح على الآخر والتعارف معه (الاستفادة من تجاربه وعلومه وخبراته) مفتوح، وإلّا ما دعا النبي (ص) أتباع دينه إلى طلب العلم ولو في الصين-، إذا كان يخاف عليهم من اندثار أو ذوبان أو ضياع هُويّتهم!! امّا ما هي مظاهر الاعتزاز بالهُويّة كسؤال أخير فيمكن الإجابة عنه بطريقتين: نظري عام وتمثيلي واقعي مستفيدين بذلك من بعضِ تجارب الآخرين بالاعتزاز بهُويّاتهم- نظرياً، يمثل الشعور بالتميز والاستقلالية ونقاط القوة في الهُويّة الإسلاميّة سبباً كبيراً من أسباب الاعتزاز بها، ويتجلى ذلك في المناسبات والمنعطفات (ناهيك عن الأزمات) و(في ردود الأفعال على العدوان والإساءات) وفي الدّعوة إليها لا لكسب مزيد من الانصار والحلفاء، بل لأنّها أصلح أطروحة نريد للأخرين أن يسعدوا بها كما سُعدنا ونُسعِد ولا نحمل الهُويّة ووزر وأخطاء ومخلفات بعض الحاملين لها اسماً لا ممارسةً. 

فمن مظاهر الاعتزاز بالهُويّة عند بعض الشعوب هو اهتمامها بزيّها الوطني والأزياء التراثية تقديراً لأبنائها انّها تمثّل عراقة المجتمع وأصالته وحضارته وأنماط حياته وما يهمّنا هنا القول، ألا يدعو المرأة المسلمة ذلك إلى الاعتزاز بسترها الشرعي حتى في الأوساط التي لا يمثّل هذا الزيّ عندها قيمة بذاته. ألم تُمنع بعض الفتيات في المدارس الغربيّة من ارتداء غطاء الرأس على اعتباره رمزاً دينيّاً؟ فلماذا تمسّك البعض بزيّه الوطني معتبراً إيّاه دليلاً على الانتماء ولا نتمسّك كمسلمين بأزيائنا كدليل على انتمائنا لهُويّة معيّنة؟!

 

المصدر: البلاغ

التعليقات
تغيير الرمز
تعليقات فيسبوك