أهمية الاحترام المتبادل بين أفراد الأسرة


 دور الاحترام في نمو شخصية الفرد:

لازال الكلام موصولاً حول بعض المبادئ الهامة التي يجب أن تُراعَى في النظام الأسري كي تكون الأسرة مثالاً لما يريده الإسلام، واستعرضنا فيما مضى بعض المبادئ الذي إذا توافرت أدت إلى النجاح في تماسك الأسرة، ولعل من أهم هذه العوامل -كما يُؤكد عليه العلماء- هو عامل الاحترام في وسط الأسرة بين الزوج وزوجته وبين الأب وأبنائه وكذلك أيضاً بين الأم وأبنائها. هذا الاحترام بين أفراد الأسرة ينطلق من مبدأ الكرامة الذي يشير إليه قوله تعالى: {وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ }، فالله تبارك وتعالى خلق الإنسان كريماً، أي جعله مفطوراً على الكرامة، فإذا كان المحيط الأسري قائماً على مبدأ الكرامة في التعامل من خلال تنشئة ذلك البرعم الصغير على إبداء الاحترام لشخصه من لدُن أفراد أسرته فإنّ النتيجة المؤكدة هي تفتح هذا البرعم عن الورد والندى، بينما إذا وجد الطفل عدم الاحترام والامتهان لكرامته فإنّ النتيجة الطبيعية التي سوف يحصدها الأبوان أولاً والمجتمع ثانياً هي الشوك الذي سيكون عائقاً في تقدم المجتمع.

إذاً مراعاة القواعد العامة لاحترام الأفراد في الأسرة في غاية الأهمية ليس فقط في المحيط الأسري وحده بل حتى في تعامل الإنسان مع أخيه الإنسان. ولذا نجد أنّ النبي صلى الله عليه وآله والأئمة من أهل البيت عليهم السلام كانوا في غاية الرعاية والتجسيد الكامل لمبدأ الاحترام ليس فقط لمن يتعاملون معهم في كنف ووسط المحيط الأسري بل مع مختلف الناس.

 دور الاحترام في تشكل شخصية الإنسان:

انطلاقاً من الآية المباركة التي أوردناها، وهي قوله تعالى: {وَقُل لِّعِبَادِي يَقُولُواْ الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ}، نجد أنها تُؤكد على مبدأ الكرامة الفطري في كُنْهِ وجود الإنسان وفي دخيلة نفسه من خلال عدم الاكتفاء بقول الحسن وإنما يتحرى الإنسان الأحسن ، فإذا سار على وفق هذه الطريقة المثلى في محيطه الأسري فإنّ وجدانه سوف يتشكل على احترام الغير، وبالتالي سوف يتعامل مع أي فرد من الأفراد بل حتى مع ألدِّ أعدائه من خلال مبدأ الاحترام والكرامة الإنسانية، وبالعكس من ذلك إذا امتُهِنَت كرامة الإنسان فإنّ ما يصدر من أقوال وأفعال ينم عن دخيلة وكُنْهٍ لوجود نفسي قد تشكل على الامتهان وعدم الاحترام لتلك الكرامة الذاتية، وبالتالي يترتب على ذلك آثار سلبية لا حد لها بحيث يصبح الإنسان وحشاً كاسراً في تعامله مع أفراد مجتمعه بل حتى في تعامله مع محيطه الأسري، ولذا يشير العلماء إلى أنه كلما رُوعيت كرامة الإنسان واُحترمت كلما قَويت واشتدت جذور الخير والصلاح  في ذاته وانعكست على سلوكه.

 الاحترام خُلق النبي صلى الله عليه وآله والأئمة عليهم السلام:

وهذا الأمر الذي أكدناه ندركه من خلال التقاطع والتلاقي بين المجتمع والأسرة، إذ أنّ الأسرة هي الركيزة الأولى لتشكل ذلك الواقع الاجتماعي، الذي يتجلى بوضوح في أقوال وأفعال النبي صلى الله عليه وآله والأئمة من أهل البيت عليهم السلام في تعاملهم مع الآخرين، وذلك في اتجاهين:

الأول : التعامل مع الأسرة.

فقد نقل المحدثون أنّ النبي صلى الله عليه وآله كان يتعامل بالاحترام الفذ مع ابنته الصديقة الزهراء ومع سبطيه الحسن والحسين، وهذا وإن كان له ربط بالجانب الغيبي في شخصيات هؤلاء العظماء، ولكن النبي صلى الله عليه وآله كان يُريد أن يُعلّم أمته الطريقة المثلى في التعامل مع البنت والأولاد بذلك الاحترام الجم وذلك السلوك السوي والتقدير الفائق.

 الثاني: التعامل مع المجتمع .

وهذا نجده جلياً في تعامل النبي صلى الله عليه وآله والأئمة من أهل البيت عليهم السلام مع الناس.

الأول : سلوك النبي صلى الله عليه وآله مع الناس.

إنّ النبي صلى الله عليه وآله لا يحترم فقط أبناءه والمقربين لديه، بل نجد أنّ فائق الاحترام انعكس بشكل كبير من شخصيته صلى الله عليه وآله على كل فرد من أفراد المجتمع، ولذلك أصبح ذلك الاحترام مصدراً للجذب في شخصيته صلى الله عليه وآله. وهذا ما أكده المحدثون عندما ذكروا عدة مواقف :

الأول: أنّ النبي صلى الله عليه وآله كان يُكرم من يدخل عليه ويُؤْثره بالوسادة، أي إذا كان متكئاً على وسادة ودخل عليه شخص قدَّم له ذلك المتكأ، كي يعطي أعظم الدروس في احترام الآخرين .

الثاني : دخل أحد الأشخاص على النبي صلى الله عليه وآله في مسجده وكان المسجد خالٍ (فيه متسع) فتزحزح النبي صلى الله عليه وآله عن مكانه، فالتفت ذلك الداخل عليه وقال له: \يا رسول الله إنّ في المكان لمتسع\ فالتفت إليه النبي صلى الله عليه وآله وقال: (( إن حق المسلم على المسلم إذا رآه يريد الجلوس أن يتزحزح له))، أي يشعره بعناية واحترام وتقدير لشخصه، وبالتالي إذا تم تبادل هذا الاحترام بين الناس أصبحت مكارم الخُلق هي التي تسود علاقات المجتمع وأفراده.

الثالث : قضية توزيع غنائم حنين، فعندما قَسّم النبي صلى الله عليه وآله تلك الغنائم على زعماء قريش الذين دخلوا الإسلام حديثاً، ولم يُعطِ الأنصار شيئاً، فتأثروا من ذلك، لكونهم قدّموا الكثير للنبي صلى الله عليه وآله ولم يحصلوا على شيء. فهذا الموقف الذي اتخذه النبي صلى الله عليه وآله تجلَّى فيه حقيقة الاحترام لبعض الأفراد الذين يشعرون من خلال بعض المواقف عدم الاحترام لشخصياتهم، ولعل في ذلك الموقف عبرة ودرس عملي لمن أراد أن يتعامل مع أفراد المجتمع وفئات الناس المتعددة والمختلفة في طرق تفكيرهم، فقد كان النبي صلى الله عليه وآله يريد أن يجلب وُدَّ زعماء قريش الذين أسلموا حديثاً ، ومع أنّ الأنصار قد تلقوا عناية وتربية من لدُن النبي صلى الله عليه وآله ، إلا أنّ بعضهم رأى أنّ ذلك السلوك لا يتلاءم مع ما عوّدهم عليه النبي صلى الله عليه وآله ، فتصوروا أنه صلى الله عليه وآله يمارس العنصرية تجاههم فصدرت منهم كلمات لا تتناسب مع مقام النبي صلى الله عليه وآله ، فوقف صلى الله عليه وآله ، وبيّن لهم ما أسداه إليهم من الخدمات الكبيرة ثم قال: ((أما أنكم لو شئتم لقلتم مثل ما قُلت أيضاً بينتم إليّ ما أسدتموه من العطاء الكبير والفعل الجميل ولكنكم سكتم))، أي أنّ النبي لا يكتفي ببيان الخدمات التي أسداها لهم، بل دافع عن شخصياتهم وعوضهم عن ذلك العطاء المادي ثم قال لهم: ((ألا ترضون أن أفراد الناس يسيرون من عندي بالشاه والبعير وتسيرون أنتم بي))، أي جعل جزاءهم وجوده المقدس صلى الله عليه وآله حتى هَمِلَت عيونهم وذرفت دموعهم وتأثروا تأثراً بالغاً، وهذا ينم عن الاحترام الكبير لشخصيات الأنصار من قِبَلِه صلى الله عليه وآله.

 الثاني: سلوك الأئمة عليهم السلام مع الناس.        

وهكذا سار الأئمة من أهل البيت عليهم السلام على الاحترام الفذ والكبير لشخصيات الناس انطلاقاً من مبدأ الكرامة الذي شرحناه آنفاً. ففي إحدى الأيام كان الإمام علي عليه السلام مسافراً، وفي الطريق كان برفقته أحد النصارى، فسأل الإمام عليه السلام قائلاً : أين تذهب ؟ قال عليه السلام: أريد أن أذهب إلى الكوفة. فعندما وصل عليه السلام مع النصراني إلى مفترق طرق، رأى النصراني أنّ الإمام لم يتجه نحو الكوفة وإنما سار معه، فالتفت إليه ذلك النصراني قائلاً له: ألم تقل لي إنك تريد الكوفة ؟  قال الإمام عليه السلام ((بلى ولكن من حق الصاحب في الطريق أن يشيع احتراماً لشخصه))، فكان هذا السلوك الكريم من لدُن الإمام عليه السلام قد أحدث تأثيراً كبيراً في شخصية ذلك النصراني، فما كان منه إلا أن دخل في الإسلام.

 قواعد الاحترام في التعامل مع الأبناء:

من هنا أيضاً نجد أنّ النبي صلى الله عليه وآله يُعطينا قواعد في الاحترام والسلوك السوي على مستوى المحيط الأسري في تعامل الأب والأم مع أبنائهما وأفراد أسرتهما. فالنبي صلى الله عليه وآله يوضح هذه القواعد في تعامل الأب مع أبنائه بقوله (( ولا يُرهقه ولا يخرق به))، وهاتان قاعدتان عظيمتان يحتاجان للتوضيح:

الأولى : (( ولا يُرهقه))، أي إذا كنت تتعامل مع ابنك لا تحاول أن تُثقل عليه بحيث ترهقه وتُحمِّله عبئاً ثقيلاً لا يستطيع أن يتحمله، بل تحاول أن تخفف عليه حتى تجعله يعتاد تحمل الأعباء الكبيرة بشكل تدريجي.

الثانية : ((ولا يَخرق به))، أي لا يتهمه بالخرق والسفاهة والجنون وبعدم الإدراك أو بعدم العقل، بل حتى إذا صدرت من الابن بعض الأفعال غير الطبيعية وغير المنسجمة مع السلوك السوي ينبغي أن يتحمل الأب الكثير، وأيضاً لابد أن يُبين للابن في بعض الأحيان خطأ أفعاله ولكن بشكل تدريجي ينسجم مع الاحترام والتقدير لشخصه، أما إذا سُفّهت آراؤه في كل حين فإنك بهذا تركز في شخصيته وفي عمق نفسه بأنه لا كرامة لذاته، وبالتالي سوف تكون الأعمال التي تصدر منه بشكل طبعي تتلاءم مع ما ركّزه الأب في شخصه. لذا علينا من خلال التعاليم الفذة التي وردت عن النبي صلى الله عليه وآله وعن الأئمة من أهل البيت عليهم السلام أن نتعامل أولاً مع الزوجة بالاحترام الفذ والفائق لأنها مصدر ينعكس على الأبناء في تربيتها لهم، فإذا امتهن الزوج كرامة زوجه فإنّ تلك الكرامة الممتهنة تنعكس سلباً على الأبناء، وكذلك أيضاً في تعامل الزوجة مع زوجها، فإذا امتهنت الزوجة كرامة زوجها فإنه ينعكس هذا الامتهان للكرامة على الأبناء بشكل سلبي.

 لذا، علينا أن نتعامل مع الأبناء من خلال هاتين القاعدتين اللتين رسمهما المصطفى صلى الله عليه وآله حتى نغرس في المجتمع نبتة صالحة يكون لها أبلغ الأثر في تقدم المجتمع المُطرد.

التعليقات
تغيير الرمز
تعليقات فيسبوك