في حوار مع الدكتور عبود جودي الحلي:

2116 2012-06-15

في حوار مع الدكتور عبود جودي الحلي:
نهضة الإمام الحسين عليه السلام حدث كوني أكبر من الزمان والمكان وان هذه المدينة العريقة بتاريخها الانساني الناصع قد قدمت الكثير من رجالات العلم والادب الذين وضعوا لهم بصمة في سجل تاريخها الحافل بالفيوضات والعطاءات، وقد كان من بين ابنائها الذين نهلوا من نميرها العذب وتبروا في احضانها المعطاء الاديب الدكتور عبود جودي الحلي.
وقد حملت مجلة الروضة الحسينية اوراقها لتحط ضيفة على الدكتور الحلي وتجري معه حوارا انطلق من سؤال تقليدي عن سيرته الذاتية بشكل مقتضب فقال: ولدت سنة 1954 في محلة باب السلالمة بمدينة كربلاء المقدسة، وعشت الطفولة والشباب، بين هذه المحلة الكربلائية وسوق التجار الكبير الذي كان موقعه بين الحضرتين الحسينية والعباسية على صاحبيهما السلام- وانتميت للأسرة التربوية في مدينة كربلاء المقدسة منذ 16/3/1976م، وكانت هذه الاسرة تضم كثيراً من الأدباء الذين اغنوا المكتبة بنتاجاتهم وكان السيد صدر الدين الحكيم الشهرستاني والسيد مرتضى القزويني والسيد صادق آل طعمة والأديب باسم يوسف الحمداني... وغيرهم من أعضاء هذه الاسرة التربوية.


ا لروضة الحسينية: بوصفك أحد أدباء كربلاء المقدسة المعروفين، فهل لك ان تطلعنا على دور الادب ومساهمته في الحياة الكربلائية، خاصة المنبر الحسيني وهل كان من أبرز أوجه النشاط العلمي والفكري فيها آنذاك؟
دكتور الحلي: لقد كانت مدينة كربلاء تتنفس الأدب، وأن المنبر الحسيني كان الصوت الأعلى بين الاصوات الفكرية والثقافية والمعرفية، إذ لم تكن – في ذلك الحين – أجهزة الإذاعة: المرئية والمسموعة تنافس صوت المنبر لآنها أن – وُجدت – فقد كان وجودها محدوداً، كما أن المنبر الحسيني يكاد يكون الشعر عموده الفقري، إذ أن الخطيب يبدأ بالشعر وينتهي به، ولا تخلو الخطبة أو المحاضرة الدينية من الشعر، في وسطها ايضاً.
وكان الخطيب الحسيني في الغالب اديباً لا يكتفي بالقاء الشعر وإنما قد يعرف بشاعره أو قد يتعرض له لشرحه وبيان مراد الشاعر منه، ولم يخل يوم من أيام السنة من مجلس حسيني فقد كان لكل اسرة – تقريباً – يوم في الاسبوع تقيم فيه مجلسها الحسيني، وكان يوم الاثنين من نصيب اسرتنا، وكان خادم الحسين عليه السلام المرحوم الشيخ هادي الخفاجي الكربلائي هو من يرتقي المنبر فيه.
ا لروضة الحسينية: وهل اقتصر تعاطي الأدب في كربلاء على المجالس الحسينية فقط أم تعداها الى صور أخرى؟
دكتور الحلي: لقد كان لرواد المجالس الحسينية ثقافة أدبية ومعرفة تاريخية وتفقها في الدين، وليس هذا فحسب وإنما كان الشعراء يجدون في المقامات والمساجد والحسينيات مكاناً لعرض نتاجهم الادبي، فكنت ترى الشعر في كل مكان تذهب إليه بهذه المدينة المقدسة، وحتى المقابر لم تكن تخل من الشعر الذي يقال في رثاء المتوفين، مع ما في المجالس الاجتماعية من أثر في إثراء الحياة الادبية وكانت تلك المجالس تعقد في دواوين شيوخ العشائر والوجهاء والمختارين وهي منتشرة في أزقة المدينة وشوارعها، وكان سوق التجار الكبير من محطات الثقافة في هذه المدينة المقدسة، وكان أصحاب المحلات يحتفظون في محلاتهم وبيوتهم بكتبهم وغالباً ما كانوا يشغلون أوقات فراغهم بمطالعة صفحاتها، وكان هؤلاء في الغالب من المثقفين المتدينين الذي يجدون حرجاً في الجلوس مع بعضهم وتبادل الاحاديث فيما بينهم؛ لأن ذلك قد يؤدي إلى الغيبة، فكانوا يستعيضون عن ذلك بالمطالعة والاستزادة من المعرفة.
ومن هذه المجالس الحسينية ومحطات كربلاء الثقافية تتكون شخصية الناشئة مع ما يتعلمونه في المدارس الحكومية والدينية، فقد أخذت بعض دروس النحو والفقه على المرحوم الشيخ عبد علي الخالصي والمرحوم الشيخ عبد الحسن البيضاني، وكانا من وكلاء المرجعية في مدينة كربلاء المقدسة.
ا لروضة الحسينية: ما مدى تأثر شخصية الدكتور الحلي بهذه الاجواء الدينية والادبية في نفس الوقت؟
دكتور الحلي: لعل من أثر البيئة الثقافي في مدينة كربلاء المقدسة هذا الحب في التعلم والشغف في الاستزادة من المعرفة فواصلت الدرس والمتابعة إلى أن نلت الشهادة العليا في الجامعة، وكان موضوع اطروحتي للدكتوراه عن دور الأدب العربي في كربلاء من إعلان الدستور العثماني إلى ثورة تموز 1958م، وكنت من مؤسسي جامعة كربلاء، فرأست قسم اللغة العربية بكلية التربية طيلة الخمس سنوات الأولى من تأسيسه 1996 – 2001م.
ا لروضة الحسينية: وما دورها في تعاطيكم نظم القوافي ؟
دكتور الحلي: كان نظم الشهر هواية أمارسها عندما تثقل علي الضغوط الحياتية وتثير الانفعالات النفسية، إلا أنه تحول إلى رسالة والتزام عندما أطبقَ ليلُ الدكتاتورية الطائفية على بلدنا العزيز، فقد مُنعت المجالس الحسينية والأدبية والاجتماعية، فكان الكربلائيون يعقدون مجالسهم – سراً – في البيوت، مع الحيطة والحذر إذ يتعرض روادها – إذا ما عرفهم وكلاء النظام – للسجن والتعذيب الذي قد يؤدي بهم إلى الموت، وقد عرف المنبر الحسيني – في تلك الحقبة – عدداً من المجاهدين الذين زرعوا الامل في نفوس وأوقدوا جذوة الإيمان بعد أن حاول النظام خنقها وإطفاءها، وقد كتب الأديب الشاعر عبد الحسين خلف الدعمي مقالاً عن المجالس الحسينية – في تلك الحقبة – بمدينة كربلاء وعرف برواديدها وشعرائها، نشرته له – في حلقتين – مجلة آفاق حسينية، التي كانت تصدر في مدينة دمشق، الحلقة الأولى بعدده الصادر في شهر صفر الخير سنة 1423هـ، والحلقة الثانية في شهر شوال من السنة نفسها – أي سنة 2002م قبل سقوط النظام الطاغوتي-.
ا لروضة الحسينية:لنرجع الى القضية الحسينية، وكيف تنظرون اليها، من زاوية إبداعكم الشعري؟
دكتور الحلي: إذا كان غيرنا يرى في الإمام الحسين عليه السلام ونهضته يوم كربلاء الخالد حدثاً تاريخياً فقط، فنحن لا نراه كذلك، وإنما هو الحاضر والمستقبل ايضاً ولقد عبرت عن هذا المعنى في قولي عن مدينة كربلاء المقدسة:
وقلت كذلك – في قصيدة منبرية -: قباب أرض الطف أقمارها مهما قسا الليل وطال الظلامتسطع في الحالك أنوارها فمرقد السبط ملاذ الأنام فتستضيء منه أقطارها وحبه في عنق الناس دين رمزاً به يهتف أحرارها من كربلا يسطع ضوء الإمام ولاء شبل المرتضى فرض عين وسوف يبقى أبدا "يا حسين"
وقد عرف المنبر الحسيني في كربلاء هذه القصيدة منذ شهر مايس1997م. ا لروضة الحسينية: ومن المؤكد أن عالمية الثورة الحسينية وديمومتها لم تكن لتغيب عن أذهانكم فهل كان لكم في هذا المقام مقال؟
دكتور الحلي: نعم، لي قصيدة منبريةبهذا المعنى، كما أن لي قصيدة تبين أن نهضة الإمام الحسين عليه السلام حدث كوني أكبر من الزمان والمكان وله أمتدادات لا نهائية تستلهم الإنسانية منها معاني العدالة والحق ورفض الباطل والثبات على المبادئ والثورة على الظلم والظالمين، قلت فيها:
يبقى الحسين ويبقى ذكره العطرومن يعادي أبا السجاد يندحرُ وحاربوا كل ظلم الناس وانتصروا وينحني له التاريخ لو ذكروا وفوق كل بقاع الارض تنتشر يحارب الظلم لا يبقي ولا يذر تخيفهم دمعة للسبط تنهمر سبعون من صحبه جادوا بأنفسهم يفاخرون بني الدنيا بنهضتهم يمتد في كل حين وقت ثورتهم يظل سيف أبي الاحرار ممتشقاً وسوف يبقى طغاة الارض في هلع
ا لروضة الحسينية: وبعد سقوط الطاغية ونظامه الاجرامي وما حملته الحقبة الجديدة من مظاهر الحرية والانفتاح، هل كانت لكم مساع لاعادة النشاط الادبي الى هذه المدينة؟
د. الحلي: وعندما كشف الله ظلام ليل الدكتاتورية الطائفية عن عراقنا العزيز عملت على ان يكون الادب الحسيني جزءا من الثقافة الجامعية في مدينة كربلاء المقدسة وغيرها، فاسست للمهرجان الشعري الحسيني الذي تقيمه كلية التربية – جامعة كربلاء – منذ أكثر من ثمان سنوات، وفي هذا المهرجان يصدح شعراء وقد دعوت طلبة الدراسات العليا إلى الكتابة في مواضيع لها علاقة بالأدب الحسيني، فأنجزت أطاريح تناول أحداها: الحسين عليه السلام في الشعر العراقي الحديث، وتناولت أطروحة أخرى تحليل حياة وشعر الأديب كربلائي الحسيني الشيخ محسن أبي الحب الكبير الذي توفاه الله سنة 1305هـ وهو صاحب البيت المشهور:
وكنت من مؤسسي موكب عزاء جامعة كربلاء، ويوم طافت جموع الطلبة شوارع مدينة كربلاء المقدسة تشارك المؤمنين فجيعتهم بأبي الشهداء عليه السلام
التعليقات
تغيير الرمز
تعليقات فيسبوك
آخر الاضافات