تحمّلتُ العذابَ لحُبّي....

880 2012-08-29



• أجرى الحوار وأعدّه : محمود المسعودي -عبد الرحمن اللامي

سلسلة حلقات تبيّن العداء المستحكم في نهج البعث المتغطرس، وفي نفوس البعثيين الظلامية ضدّ الإسلام والشعائر الإسلامية، في لقاء حواريّ مع الضحايا أنفسهم، أو مع ذوي الشهداء السعداء.

إنّ القمع والإبادة التي تلقّاها الشعب العراقي من قبل الحكم الصدامي البعثي فاق التصوّر والخيال، فمن سياسة التطهير الطائفي والعرقي والإقصاء والتهميش، الى سياسة تنفيذ جرائم الإبادة الجماعية والتهجير الجماعي، الداخلي والخارجي، الى جرائم ضدّ الإنسانية كاستخدام السلاح الكيميائي المحرم دولياً، ونشر مئات المقابر الجماعية في طول البلاد وعرضها، الى انتهاج سياسة العدوان في الخارج وشنّ الحرب تلو الحرب على الدول المجاورة، والتسبّب في حربين دوليتين ضد العراق، وحصار دولي جائر خلّف الجوع والمرض والموت والفساد والجريمة في المجتمع العراقي.

كيف ننسى أفعالهم

لا يمكن لأحد أن ينسى جرائم البعث التي لا تُعدّ ولا تُحصى والتي منها حربهم ضدّ المشاهد المشرّفة للعترة الطاهرة من آل البيت الكرام (عليهم السلام) بالتخريب والتدمير، وضدّ زائريهم بالاعتقال والتنكيل، فهل يُعقل أن يُعتقل شخصٌ أو يشرّد أو يُقتل بسبب حبّه وولائه للرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلّم) وأهل بيته الأطهار (عليهم السلام). نعم جرى كلّ ذلك ويجري على أيدي البعثيين المجرمين، فانظرْ في ملفات البعث السوداء والتي باتت معروفة للجميع لترَ ما لا يصدّقه العقل، وما لا يخطر على بال بشر قطّ، وهذا الزائر (محمد عبيد وهاب) من محافظة الأنبار من مدينة الفلوجة هو أحد المعتقلين بسبب حبّه للحسين بن عليّ بن أبي طالب (عليهم السّلام)، وشاهدٌ حيّ على أحداث التعذيب يعرض لنا ما جرى له ولأخوته الأبرياء من المعتقلين في زنازين البعث الكافر.

بداية المسيرة!

عند حلول مناسبة زيارة أربعينية الإمام الحسين بن عليّ بن أبي طالب (عليهما السّلام) ـ وهي زيارة الضريح المقدّس للإمام الحسين بعد استشهاده في عاشوراء شهر محرّم بأربعين يوم وهي ما أكّد على أدائها الأئمة الأطهار من آل البيت الطيّبين ولقد دأب المسلمون على الذهاب الى الضريح المقدّس مشياً على الأقدام ـ توجهتُ الى مدينة كربلاء المقدسة قاصداً زيارة الإمام الحسين (عليه السّلام) رغم ما أبداه أهالي منطقتي من ممانعة خوفاً من مجرمي البعث البائد.

توكلتُ على الله (تبارك وتعالى) يدفعني حبّي : لأهل البيت (عليهم السّلام)، وتجديد العهد بين يدي الإمام الحسين (عليه السّلام) على المضيّ في مسيرة الالتزام بالخطّ الحسينيّ، ورفض كلّ أشكال الهوان والاستعباد البشريّ، ولاستحالة المسير على الأقدام طوال الطريق بين الفلوجة والمسيّب لتواجد أزلام البعث الكثيف ركبت السيارة من الفلوجة حتى قضاء المسيّب في محافظة بابل، وبدأت أسير على قدمي متوجّهاً الى المرقد الشريف للإمام الحسين (عليه السّلام).

ضيافة للموت

كنتُ أسير في الطرقات الخفيّة وسط البساتين والحقول الممتدة على طول الطريق، ثم اضطررتُ أن أسلك الطريق العام على الشارع الرئيسيّ، وما هي إلاّ خطوات معدودة حتى واجهتني مجموعة من أزلام البعث الظالم وراحوا يحاصرونني واضعين المسدسات في رأسي، وتمّ ضربي وحجزي في الفرقة الحزبية في قضاء المسيّب، ثم قاموا بتسفيري الى الحلة وبعد قضاء يوم كامل من التعذيب والجوع تمّ نقلي الى تسفيرات كربلاء المقدّسة، وقد وجدتُ تعاملاً خاصّاً منهم يُطلق عليه (ضيافة الموت) حيث كان يوضع أعداد كبيرة من المعتقلين بين أربعة جدران وهم يتعرّضون لأنواع التعذيب من مجرمين قساة لا يعرفون الرحمة على مدار الوقت، وكانت كمية ونوعية الطعام المقدّم إلينا قليلاً جدّاً، لأجل بقائنا على قيد الحياة فقط ولكي نتحمل التعذيب وبعدها تمّ نقلنا الى دائرة أمن كربلاء المقدّسة وقد كان فيها التعذيب أشد وأبشع ونُقلنا بعدها الى تسفيرات الحلّة في محافظة بابل.ولا يستمعون الى استغاثتك إلاّ إذا شارفتَ على الموت وفي يوم من الأيام السوداء في المعتقل الرهيب تعرّضتُ لمرض شديد وحمّى قويّة حتى شارفت على الموت وكنت أتمنّى الموت فعلاً لكي أستريح ممّا أنا فيه وكان لا يتمّ عرض المريض على الطبيب إلاّ إذا وصل لدرجة الموت وهذا ما وصلت إليه بالفعل، وقد جاءني مدير دائرة الأمن بعدما سمع أصوات المعتقلين وهم يصيحون منادين: ـ لقد مات الرجل، لعنة الله عليكم... وعندما رأى حالتي أمر الحرس بنقلي الى مستشفى المدينة العام وكنت بالإضافة الى ما أنا فيه من المرض أعاني من جوع شديد حتى أنه ظهرت عليّ علامات الضعف وتغيّر لون جسمي الى درجة جعلت الطبيب يسألني: ـ منذ متى لم يدخل معدتك الطعام!.. وبعد أن تحسّنت حالتي الصحية نوعاً ما تمّ إرجاعي الى المعتقل، لأكمل مشوار التعذيب والتحقيق المرير.

الدخول الى غرفة التعذيب ليس كالخروج منها

كانت هناك ـ في المعتقل ـ غرفة صغيرة يُدخلون إليها الشباب مقيّدين فلا نسمع إلاّ الصراخ الشديد ونداء الاستغاثة الأليم يصدر من أولئك الشباب من قسوة ما يلاقونه من صنوف التعذيب، وبعد ساعة من الضرب بآلات متعدّدة بالكيبل أو الهراوة الغليظة والتعرّض الى صعقات الكهرباء يُخرجون المعتقل في بطانية لفقدانه الوعي أو لتدهوره الصحّي والنفسي، وعلى هذه الحال التي دامت طويلاً لم نكن نذوق النوم إلاّ لدقائق اضطراراً لنصحوَ على كابوس أصوات الضرب وصراخ الذين يتعرّضون للتعذيب والألفاظ النابية التي تمجّ الأذن الحيوانية سماعها.

أنا كربلائي وإن كنتُ من الأنبار

لم أصرّح في الغالب أني من مدينة الفلوجة من محافظة الأنبار، ولما جاء الأمر إليهم بتوزيع المعتقلين الى محافظاتهم سألني ضابط التحقيق: ـ هل أنت من الأنبار؟ فقلت له: ـ لا أنا من كربلاء. وإن كان اسمي ولهجتي التي أتكلّم بها ومحلّ اعتقالي كلّ ذلك يدلّ على أنني من محافظة الأنبار، ولكنْ لعشقي وحبّي الشديدين للإمام الحسين (عليه السّلام) ومدينته المقدّسة قلتُ له حينما كرّر عليّ السؤال: ـ أنا كربلائي. وحين جاء أحد الضباط ـ برتبة عميد ـ من محافظة الأنبار يسأل عني ليُطلق سراحي أنكرتُ معرفته وأبيتُ أن أخرج بهذه الصورة الطائفية المقيتة وفضّلتُ البقاء مع أحباب الحسين (عليه السّلام).

تحت المراقبة الى ما شاء الله

بعد شهور من الاعتقال المرير تمّ الإفراج عنّي، ولكن من عادة البعثيين لا يثقون بعدوّهم أبداً ويبقوه تحت المراقبة الى ما شاء الله، وعلى هذا لم يتركني مجرموا البعث حتى بعد إطلاق سراحي، فبين فترة وأخرى كانوا يستدعوني مديرية أمن الفلوجة للتحقيق معي في عدّة أمور منها: مَن هذا الشخص الذي كنت تسير معه في اليوم الفلاني؟ ماذا كنت في المنطقة الفلانية؟ لماذا تأخّرتَ في الحضور حين استدعيناك؟ وغير ذلك من الأسئلة التي تقزّز النفس وتخلّف الذعر والإرباك في نفسي، ولم أسترح منهم إلاّ بعدما منّ الله (عزّ وجلّ) علينا باندحارهم وهزيمتهم.
التعليقات
تغيير الرمز
تعليقات فيسبوك