قال الله تعالى: ({فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ }[1]
والفطرة ، اوالتكوين قائمان بستة انماط كونية ، وبثماني سنن كونية بديهية ، يتشكل بهما النسق الكوني لحركة الكون وأفعاله طبقا للواقع والذي تحكيه ايات الكتاب الحكيم : {الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ الرَّحْمَنُ فَاسْأَلْ بِهِ خَبِيرًا }[2] ، وقد تكرر هذا المضمون سبع مرات.
اذن فالفطرة ؛ هي قيام الكون بستة انماط ، وسريانه وفق ثماني سنن اقرها الله تعالى فيه ، فالفطرة الانسانية اذا لم يشبها شائب ؛ تعني ان الانسان كائن موجود مادي حي عاقل ، والعقل عند الكمال ؛ يعني ارتفاع القصورات المادية والحيوية والالتصاق بالكمال المطلق ، اي ان الفطرة التامة تعني العصمة . لأنها غاية سريان النسق الكوني من العلة الى الكمال.
ولذلك يقول الامام علي عليه السلام: ( ألا إنكم ستعرضون على سبي، فإن خفتم على أنفسكم فسبوني، ألا و إنكم ستعرضون على البراءة مني، فلا تفعلوا فإني على الفطرة)(3). اي انه تام التكوين مختار من قبل الله تعالى لمهام الكمال والاسوة الحسنة.
وفي سنن النبي: ( الفطرة السليمة لا تهدي إلا إلى ما جهزها الله بما يلائمها في نيله، ولا تتكلف الاستواء على ما لم يسهل الله لها الارتقاء على مستواه، قال تعالى حكاية عن نبيه (صلى الله عليه وآله): ( وما أنا من المتكلفين )(4) ، وقال تعالى: ( لا يكلف الله نفسا إلا وسعها )(5) ، وقال تعالى: (لا يكلف الله نفسا إلا ما آتاها )(6) وإذ كان التكلف خروجا عن الفطرة فهو من اتباع الشهوة والأنبياء في مأمن منه)(7).
في الاية الكريمة التي ابتدانا بها ؛ توكيد على ان الفطرة التي فطر الله الناس عليها هي الاسلام ، حيث لا تبديل لفطرة الله تعالى باعتبارها سنة ، وسنن الله تعالى لا تتبدل، كما ينص القران لانها قدر مقدور:
(مَا كَانَ عَلَى النَّبِيِّ مِنْ حَرَجٍ فِيمَا فَرَضَ اللَّهُ لَهُ سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ قَدَرًا مَقْدُورًا )().
ولان سنة الله تعالى ماضية نافذة حاكمة في الكائنات فهي لا تتحول ولا تتبدل قال تعالى: ) سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلًا)(8).
وقال ايضا في نفس التعليل: (سُنَّةَ اللَّهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلُ وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلًا)(9).
وببساطة عندما نعود الى بديهيات الواقع الكوني والتكويني ومسلماته نجدها انها هي مسلمات الفطرة ذاتها وهي ذاتها اصول الدين الاسلامي الحق ، وان غيرها هو مما اختلقه الناس فانحرفوا عن فطرتهم.
والبديهيات التي تجري في فطرتنا كالسنن هي:
1- الرحمة الموجبة ولولا الرحمة كقوة موجبة تنجز الاشياء فلا كون على الاطلاق. فالرحمة ظاهر لباطن القوة المنجزة للوجود. ولو حل التنافر بين الوجودات فلا كون.
2- الطاعة : بديهية تسري في الوجود فهي استجابة الموجود لنظام وجوده، ولذا فللولا الطاعة فلا وجود على الاطلاق.
3- الموت: حتم لا يفلت منه موجود ، فهو نهاية الاجل ، ولا كائن موجود بلا اجل او بلا موت.
4- الحق: ثوابت الصدق القائم في نظام الكائنات والكون، ولولا هذهه الثوابت فلا نظام ولا كون.
5- البلاء: حتم لتعارض حركة الكون والكائنات في سريانها للكمال، ولذا فلا كون بلا بلاء.
6- الامامة: هي ميزة الكمال في كل كائن ولا كائن على الاطلاق بدون ميزة الكمال فيه .
7- الوحدانية ؛ حتم لوحدة الانماط ووحدة السنن ووحدة الثوابت الكونية فوحدة الكون بالنسق ووحدة السريان من العلة الى الغاية. فالوحدانية هي جوهر الكونز
8- السريان في تغير الزمان والمكان. فلا وجود بلا زمان ومكان.
وهذه السنن الكونية البديهية المعرفة للفطرة هي اصول الدين:
فالرحمة معنى للنبوة، والامامة هي الامامة، والحق معرفة لا يتم العدل الا بها، والطاعة هي الولاية، والبلاء يستدعي الصبر، والموت يستدعي الايمان بالاخرة ، والوحدانية هي الوحدانية.
اذن فالدين الحق هو الفطرة في اصوله وجوهره. لاحظ الجدول في الصورة اعلاه:
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
هوامش البحث:
1) الروم - 30 .
2) الفرقان: 59
3) الأمالي للطوسي (1/ 414)
4) ص: 86.
5) البقرة: 286.
6) الطلاق: 7.
7) سنن النبي (صلى الله عليه واله)- السيد الطباطبائي (ص: 41).
8) الاحزاب – 62.
9) الفتح – 23.