هناك تلازم ذاتي بين السياسة والإعلام ، فمن الواجبات الاساسية للإعلام الإسهام في التربية السياسية للنشء الإسلامي ، وعلى التربية السياسية ان تثقف لإعلام إسلامي راق .. فما هي التربية السياسية؟
1- التربية السياسية الاسلامية ؛ هي إعداد الفرد المسلم لتمام طاعة المعصومين عليهم السلام من خلال نظام الملة ليعرف واجباته فيؤديها من تلقاء نفسه ، طمعاً في ثواب الله عز وجل ، ، كما يعرف حقوقه فيسعى إلى اكتسابها بالطرق التي شرعها الاسلام.
وخير منهاج لتربية المسلم على معرفة الحقوق والواجبات نجده في نظام الملة ؛ الذي يقوم على وجوب طاعة المعصوم من نبي أو إمام مفترض الطاعة ، أما في زمن غيبة الامام المعصوم فيتحقق النظام السياسي المبرئ للذمة بلزوم نظام التقليد والاجتهاد في اشكاله المعروفة تاريخيا في مدرسة أهل البيت عليهم السلام.
فالسياسة في الاسلام اقامة العدل وفق منهج العصمة ؛ المتمثل في إدارة حكم المجتمع وتوزيع الحقوق والواجبات بما يرضي الله بين العباد جميعا.
ولأن الإسلام عقيدة كاملة ، فيها استجابة لكل حاجات الإنسان فردا ومجتمعا ، وفيه إجابة على كل تساؤلات الإنسان ، عن وجوده وكونه ومآله ومستقبل وجوده ، فلا يعدم المنهج السياسي والتربية السياسية.
2- السياسة الاسلامية تتحقق في قيام نظام الملة في النفوس:
السياسة في الاسلام تنعقد في نفوس الناس وليس في الساسة عند الاخرين وهذا هو علة العدل في الاسلام وعلة الفساد في غيره ، فالسياسة تربية في الذات قبل ان تكون وظيفة يمارسها الاخرون على الذات والسياسة تكليف للذات قبل ان تكون تشريف لمن لا شرف له ليحكم الناس. ولكي نفهم معاني هذا الكلام لابد ان نفهم معاني نظام الملة السياسي في الاسلام.
نظام الملة: لا يتحقق نظام الملة في الناس إلا بالالتصاق بامام زمانهم المعصوم ، وتنعقد نفوسهم على طاعته ، ولكن اهم ما حدث في حياة الامة بل وفي حياة البشرية كلها ، هو عدم الاخذ بالقول المقطوع بصحته من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم :( إني تارك فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي وإنهما لم يفترقا حتى يردا علي الحوض).
والثقلان؛ المراد منهما: القرآن الكريم وعترة رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) والثقلان مثنّى ثقل ـ بفتحتين ـ أي : الشيء النفيس الخطير . كتاب الله المجيد وأهل بيته الأطهار الذين طهرهم الله تعالى بارادته ولارادته . قال الإمام النووي : قال العلماء : سمّيا ثقلين لعظمهما وكبير شأنهما . وقيل : لثقل العمل بهما والحديث اختلفت أسانيده وتنوّعت متونه ، لكنه صحيح ومتواتر.
وهو حديث مقطوع بصدوره عنه صلّى الله عليه وآله وسلّم ، رواه عنه أصحابه ، ورواه عنهم التابعون ، ثم رواه الأئمة والحفّاظ في مختلف القرون فأنّ النبي ـ صلّى الله عليه وآله وسلّم ـ قد كرّر هذا الكلام مرّةً بعد أخرى ، لا سيّما في أواخر حياته الكريمة ، وفي زمنٍ قصير ، إذْ لم يكن بين موقفه في يوم عرفة وبين وفاته ثلاثة اشهر.
وهذا التاريخ السياسي للبشر لا يحكي سوى العنت والدمار والظلم الذي مارسه السلاطين والملوك والحكام بشكل عام.
فليس من العقل ان يتبع الناس فردا خطّاء مثلهم ، ثم ان العقل يحكم بان من العبث ان الله تعالى يخلق الخلق ويرتب عليه حدود واحكام وثواب وعقاب ثم يتركهم بلا امام معصوم حجة عليهم والله تعالى منزه من العبث ، سيما والإنسان اصلا خلق خليفة في الارض ، ولذا كان نظام الملة ملزما شرعا كنظام سياسي للبشر.
نجد ان من صميم نظام الملة ؛ وفي رسالة خاصة هي رسالة الحقوق للإمام علي بن الحسين غليه السلام نجد منهجا تربويا سياسيا إداريا شاملا ، لا ادري لم يهمله المربون خصوصا الذي يتمتعون بحرية فكرية ، ويحترمون عقولهم ، فضلا عن كونهم يعتقدون بصدق وعلمية نظام الملة ولا سيما بعد ان رفع الله تعالى عنهم الحيف فلا عذر.
ان التربية السياسية ، ركن أساس من أركان التربية الإسلامية ، لأن التربية الإسلامية تشمل الإعداد الروحي للفرد ، لبناء مجتمع متكامل في السعي لمواجهة الحياة والفوز برضا الله تعالى ، والذي هو حتما صلاح النفوس وجمالها ، فالإسلام دين للفرد وللمجتمع .
أهم مهام التربية السياسية ؛ هو اعداد المواطنين لممارسة الشئون العامة في ميدان الحياة ، عن طريق الوعي والمشاركة ، وعن طريق إعدادهم لتحمل المسؤولية اتجاه اهلهم ومواطنيهم واتجاه انفسهم وجميع المسلمين في العالم ، وتمكينهم من القيام بواجباتهم ، ومساعدتهم على التمسك بحقوقهم .
والمفروض ان تبدأ التربية السياسـية في مرحلة مبكرة من العمر ، وتستمر خلال سـنوات العمر كله ، ضمن شرعيات نظام الملة. بأي شكل حتى ولو مع عدم توفر اسلامية القرار السياسي في البلدان الاسلامية.
فلا بد أن تنهل جميع المؤسسات التربوية في المجتمع من تلك الرسائل المقدسة ، لأمير المؤمنين لمالك الاشتر عامله على مصر والأخرى للإمام زين العابدين المسماة برسالة الحقوق ؛ حتى ولو في مدارس خاصة او اخرى ملحقة بالحسينيات او المساجد ، لأن تلك الرسائل تستقري تماما حقوق كل الفئات ، والحق بالنسبة لك لابد ان يكون واجبا لآخر ، وبهذا تنهض تربية اجتماعية وسياسية في مجاميع الأفراد ، كي يقوم المجتمع المسلم .
وجدير بالإشارة ان نؤكد ان مما ابتلي به المسلمون ؛ هو خوفهم من السياسة بمعناها ونموذجها الغربي السائد ، وابتعاد علماء المسلمين عنها ، لأنها خارجة نماما عن الشرع المقدس ، بعد أن شـوّه مكيافيللي مفهومها ، وبعد أن سبقت إليها الأحزاب التي تسمي نفسها إسلامية مع الأسف تهافتا ودون وعي.
فتلك الاحزاب إسلامية ؛ ولكن بقراءة خاطئة للدين لأنها جانبت نظام الملة في طاعة الثقلين العاصمين( 1)، أو هي في واقعها أحزاب مدعية للدين ولكنها ترقيع للعلمنة ليقبلها العامة من الذين تربوا على الثقافة الغربية ؛ والتزموا الاعلام والسياسة الغربية.
وهو ما نراه جليا اليوم في الأحزاب والتنظيمات التي تدعي الإسلام في عالمنا الاسلامي كما هم الاخوان في مصر وتركية وتونس والاردن .. وحتى كل تلك التي تدعي تبعيتها لأهل بيت النبوة عليهم السلام عندنا في العراق.
3- السياسة بمعناها الشائع:
لان الناس مستلبون بالغالب ، فقد سيطر المترفون دوما على السياسة وحكم البشر، وصار الذي يحصل على ادارة الحكم او القرب من السلطان او الحاكم من ميزات الخير والترف، وكان الحاكم متفضل بتراسه لحاكمية الناس ، وكأن الدنيا خلقت للعبث ، فصار الظلم وسيلة السلطة والمتسلطين ولا ادري لمَ لم يفكر الناس حتى في اكاديمياتهم في اطروحة عن حال تطابق السياسة مع العدل ولماذا هذا العسف في تاريخ السياسة ؟!
ان اول من احترف منهج (ميكافيللي) في السياسة المعاصرة ؛ هم العلمانيون والملحدون وأعداء المسلمين ، وكانت لهم ميزة شرفتهم ورفعتهم للتحكّم في عباد الله ولحيازة المال والسلطان والجاه ، وهذا مما يأنف منه الانسان ومحرم شرعا على المسلم كما هو مفترض ، حيث ان المسلم هو الذي يرى في كل ما يصدر عنه ؛ يجب ان يكون بقصد القربى الى الله تعالى.
ولهذا السبب صار اعتبار السياسة بنموذجها الحالي (الميكافيللي) المعروف اليوم نوع من العهر ، يأنف كل ذي لب من الاقتراب منها ، وصار أصحاب الخلق الرفيع ينظرون الى السياسة على إنها لعبة الشياطين ، حيث المكر والمغالبة والمخادعة ، وقد مقتها الناس وصاروا ينظرون إلى البلدان التي خربتها الصراعات السياسية ، على انها تبوء بلعنة إباحة الأحزاب السياسية فيها ، وصاروا يظنون أن كل بلد سوف يشجع العمل السياسي سوف يحصل لـه ما حصل لتلك البلدان التي خربها السياسيون.
وهذه نظرة فيها مجانبة للصواب ، فلقد حصل في تلك البلدان ما حصل؛ للاسباب التالية:
اولا - لأن المجتمع يجهل السياسة في معناها الحق ونموذجها الإسلامي المحمدي الأصيل وذلك لفقدان القراءة الصحيحة للاسلام.
وثانيا- لم يرب َ مجتمعنا الإسلامي تربية سياسية تنهل من كمال العقيد الإسلامية، وما يتطلبه نظام الملة من طاعة المعصومين فيما يوصون، وفيما يعلمون، كما في رسائل الإمام علي عليه السلام إلى عماله وولاته، او على رسالة الحقوق للإمام زين العابدين عليه السلام، ولا غيرها من مناهج التربية الامامية السياسية التي تعد المواطن المسلم كي يقدم واجباته اتجاه المجتمع بقصد طاعة لله عز وجل وقربة اليه وطمعاً في ثوابه ، كما ان على المسلم ان يعرف حقوقه وحقوق غيره من خلال دراسته لتلك الحقوق من منبعها الشرعي في نظام ملته، وانه يؤمن بأنه مطالب أمام الله تعالى، وإمام الآخرين بها ان هو ادعى الإسلام، او اتخذه ذريعة للحكم.
ثالثا- عدم انطواء النفوس على مشروع سياسي مبرئ للذمة باعتبار السياسة عمل خطير لولايته على الدم والمال والأرض والعرض.
إن الصراع السياسي الذي نراه اليوم في البلدان الإسلامية ، انما يحصل بطريقة تحكي تماما ؛ خواء و تهافت وربما عمالة الذين نشدوا المناصب لتشرفهم ؛ وهو دليل مؤكد على تجاهل أهل ذلك البلد لرسالة الإسلام الذي يعتقدونه ، ويعلنون ظاهرا انهم على شريعة سيد المرسلين ؛ فقد فقدوا نظام ملتهم ، إضافة إلى عدم وعيهم بميزة العمل السياسي في الإسلام على الاطلاق.
فالعمل السياسي في الإسلام ليس مغالبة ، وليس فوزا بالمناصب ولا تشريفا لمن يفوز ، بل هو تكليف شرعي يبوء به المكلف بمسؤولياته أمام الله تعالى الذي لا يغفل عن الظالمين ، بل ويحذر من الركون( 2) للظالمين .
ففي الاسلام كل فرد مسؤول أمام الله في الاموال والدماء والإعراض والوطن ، ومسؤول عن مراقبة قيادته ثانيا ، ثم ان المؤمن يعتبر الوطن رمز إيمانه ، وهو في ذلك إنما يعتبر بالتاريخ من خلال آيات يراها وأخرى يتلوها آناء الليل وإطراف النهار.
ولذا فالإعلامي المسلم ؛ بحاجة ماسة أن يستوعب تربية أئمتنا السياسية كما وكيفا ، وإلا فنحن ليس بأفضل حالا من العلمانيين امام الله تعالى وأمام رسوله صلى الله عليه واله.
4- ما مهمة الاعلامي الاسلامي في هذا الوضع؟
التربية والثقافة السياسية للمجتمع الاسلامي تتحقق في مهام الاعلام الاسلامي، ولذا فان مهام الاعلامي الاسلامي تتلخص في زمن عدم تحقق نظام الملة الكوني بما يلي:
1- بالتعريف بنظام الملة كاطروحة علمية كونية لسياسة البشر لا بديل عنها.
2- بيان خطل وخرق السياسة الميكافيللية التي تعبث بمقدرات الانسان والانسانية.
3- من وقائع التاريخ والحاضر اظهار الحاجة الى نظام الملة.
4- وضع انتظار الامة للدولة العالمية في وضعه الايجابي الصحيح والاعتبار بالممهدات الصحيحة للظهور البهي لصاحب الامر عجل الله فرجه الشريف ، وكما امرنا الله تعالى ورسوله بها.
هوامش البحث:
1) الثقلين العاصمين هما كتاب الله تعالى و سنة عترة نبيه صلى الله عليه وآله ، كما هي السنة الصحية. ونظام الملة عرّفته سيدتنا الزهراء عليها السلام في خطبتها الغراء؛ بانه طاعة الامة لاهل بيت العصمة.. قالت عليها السلام: ( وجعل طاعتنا نظاما للملة وامامتنا امانا من الفرقة)، فالامة بدون نظام ملتها ينفرط عقدها وتتمزق ويذهب ريحها وهذا ما نراه اليوم لاننا خارج نظام ملتنا.
2) قال الله تعالى: (ولا تركنوا الى الذين ظلموا فتمسكم النار وما لكم من دون الله من اولياء ثم لا تنصرون)( هود – 113).