وصية الامام علي (عليه السلام) لمالك الاشتر: وثيقة من وثائق الامم المتحدة


الدكتور سامي آل سيد عگلة الموسوي

وصية الامام علي (عليه السلام) عام ٦٥٦ ميلادية لمالك الاشتر النخعي التي اشار الى مقاطع منها خطيب جمعة كربلاء السيد احمد الصافي، هذه الوصية اعتمدتها الأمم المتحدة كمصدر من مصادر التشريع في القانون الدولي بعد دراسة مستفيضة استمرت سنتين تم بعدها التصويت لاتخاذها مصدر تشريعي في الامم المتحدة. وبعد ذلك تمت اضافة فقرات اخرى من نهج البلاغة من غير وصية مالك الاشتر كمصادر للتشريع للقانون الدولي في الامم المتحدة. 

وقد قال الامين العام للامم المتحدة كوفي عنان ان عبارة الامام علي (وأشعر قلبك الرحمة للرعية، والمحبّة لهم، واللطف بهم، ولا تكوننَّ عليهم سَبُعاً ضارياً تغتنم أكلهم، فإنّهم صنفان: إمّا أخٌ لك في الدين، وإمّا نظير لك في الخلق): يجب ان تعلق على كل المؤسسات الحقوقية في العالم وهي عبارة يجب ان تنشدها البشرية…..

وقد تمت دراسة هذا العهد الذي عهده الامام علي (عليه السلام) من قبل المختصون بالقانون الدولي وحقوق الانسان ومن الذين اشار اليها الكاتب والمؤرخ الامريكي المعاصر (مايكل هاملتون مورگان) في كتابه المعتمد ضمن مكتبة الكونگرس الامريكي Lost History حيث ابدى هاملتون اعجابه الفائق بالسياسة الحكيمة للامام علي (عليه السلام) وخاصة بعد اطلاعه على وصاياه لولاته أن يعاملوا المواطنين من غير المسلمين بروح العدل والمساواة والحقوق والواجبات. وقد اعتبر هاملتون ان ذلك ليس الا انعكاساً صادقاً لسلوكيات الامام علي الحميدة والمؤطرة بفضائل الاخلاق التي اهلته للدخول في تأريخ الانسانية من ابوابه العريضة. 

وكان مالك الاشتر والي الامام علي (عليه السلام) قد ورده العهد او الوصية وهو وقد استلم الولاية على مصر … وقد قال في تلك الوصية المؤرخ المصري المعروف (توفيق ابو العلم): كان علي بن ابي طالب شخصية خصبة، انه كان مظهرا من مظاهر التكامل الانساني ………. وبدا بتطبيق برنامجه الاصلاحي في اشاعة العدل والمساواة بين ابناء الامة الاسلامية بصرف النظر عن دينهم ومذهبهم ولغتهم ولون بشرتهم واتجاهاتهم السياسية والاجتماعية. لقد امر الولاة ان يكونوا رحماء مع رعاياهم كما تجلى ذلك في رسالة الامام الى والي مصر مالك الاشتر.

وقد قال في وصية الامام علي (عليه السلام) 

الكاتب المسيحيّ جورج جرداق: هل عرفت إماماً لدين يوصي ولاته بمثل هذا القول في الناس: «فإنّهم إمّا أخٌ لك في الدين، أو نظير لك في الخلق، أعطِهم من عفوك وصفحك مثل الذي تحبّ أن يعطيك الله من عفوه وصفحه.

ومن ضمن ما قاله الامام علي (عليه السلام) لمالك الاشتر:

(اقرأوها جيداً وبتمعن ففيها من العلم والحقوق ما يحتاج الى مجلدات لشرحه وتفصيله واستغرق تداولها سنتين في الامم المتحدة لتعتمد بعد ذلك وبالتصويت … وليقرأها سياسيو المحاصصة الطائفية البغيضة في العراق ليجدوا انهم بعيدون كل البعد عن الامام علي (عليه السلام) ووصاياه ….. فالامام علي (عليه السلام) ليس فقط اللطم والبكاء عليه او على ابنه الحسين (عليهم السلام) ولكن مباديء ونهج وتربية خاصة اذا تعلق الامر في حقوق الرعية ممن هم في الحكم …. )

ثمّ اعلم يا مالك ! إنّي قد وجهتك إلى بلاد قد جرت عليها دول قبلك من عدل وجور، وأن الناس ينظرون من أمورك في مثل ما كنت تنظر فيه من أمور الولاة قبلك، ويقولون فيك ما كنت تقول فيهم، وإنّما يستدل على الصالحين بما يجري الله لهم على ألسن عباده، فليكن أحب الذخائر إليك ذخيرة العمل الصالح، فاملك هواك، وشح بنفسك عمّا لا يحل لك، فإنّ الشح بالنفس الإنصاف منها فيما أحبت أو كرهت. 

أشعر قلبك الرحمة للرعية ، والمحبّة لهم ، واللطف بهم ، ولا تكونن عليهم سبعاً ضارياً تغتنم أكلهم ،(فإنّهم صنفان : إمّا أخ لك في الدين ، أو نظير لك في الخلق) ، يفرط منهم الزلل ، وتعرض لهم العلل ، ويؤتى على أيديهم في العمد والخطإ ، فأعطهم من عفوك وصفحك مثل الذي تحب وترضى أن يعطيك الله من عفوه وصفحه ، فإنّك فوقهم ، ووالي الأمر عليك فوقك ، والله فوق من ولاك ! وقد استكفاك أمرهم ، وابتلاك بهم . 

ولا تنصبن نفسك لحرب الله ، فإنّه لا يد لك بنقمته ، ولا غنى بك عن عفوه ورحمته ، ولا تندمن على عفو ، ولا تبجحن بعقوبة ، ولا تسرعن إلى بادرة وجدت منها مندوحة ، ولا تقولن : إنّي مؤمر آمر فأطاع ، فإنّ ذلك ادغال في القلب ، ومنهكة للدين ، وتقرّب من الغير ، وإذا أحدث لك ما أنت فيه من سلطانك أبهة أو مخيلة ، فانظر إلى عظم ملك الله فوقك ، وقدرته منك على ما لا تقدر عليه من نفسك ، فإنّ ذلك يطامن إليك من طماحك ، ويكف عنك من غربك ، ويفيء إليك بما عزب عنك من عقلك .

إيّاك ومساماة الله في عظمته ، والتشبه به في جبروته ، فإنّ الله يذل كل جبّار ، ويهين كل مختال . 

أنصف الله وأنصف الناس من نفسك ، ومن خاصّة أهلك ، ومن لك فيه هوى من رعيتك ، فإنّك إلا تفعل تظلم ! ومن ظلم عباد الله كان الله خصمه دون عباده ، ومن خاصمه الله أدحض حجّته ، وكان لله حرباً حتّى ينزع أو يتوب . 

وليس شيء أدعى إلى تغيير نعمة الله وتعجيل نقمته من إقامة على ظلم ، فإنّ الله سميع دعوة المضطهدين ، وهو للظالمين بالمرصاد . 

وليكن أحب الأمور إليك أوسطها في الحق ، وأعمها في العدل ، وأجمعها لرضى الرعية ، فإنّ سخط العامّة يجحف برضى الخاصّة ، وإنّ سخط الخاصّة يغتفر مع رضى العامّة . 

وليس أحد من الرعية أثقل على الوالي مؤونة في الرخاء ، وأقل معونة له في البلاء ، وأكره للإنصاف ، وأسأل بالإلحاف ، وأقل شكراً عند الإعطاء ، وأبطأ عذراً عند المنع ، وأضعف صبراً عند ملمات الدهر من أهل( الخاصّة) . 

وإنّما عماد الدين ، وجماع المسلمين ، والعدّة للأعداء ، (العامّة من الأمّة) ، فليكن صغوك لهم ، وميلك معهم . 

وليكن أبعد رعيتك منك ، وأشنأهم عندك ، أطلبهم لمعائب الناس ، فإنّ في الناس عيوباً ، الوالي أحق من سترها ، فلا تكشفن عمّا غاب عنك منها ، فإنّما عليك تطهير ما ظهر لك ، والله يحكم على ما غاب عنك ، فاستر العورة ما استطعت يستر الله منك ما تحب ستره من رعيتك . 

أطلق عن الناس عقدة كل حقد ، واقطع عنك سبب كل وتر ، وتغاب عن كل ما لا يتضح لك ، ولا تعجلن إلى تصديق ساع ، فإنّ الساعي غاش ، وإن تشبه بالناصحين .

ولا تدخلن في مشورتك بخيلاً يعدل بك عن الفضل ، ويعدك الفقر ، ولا جباناً يضعفك عن الأمور ، ولا حريصاً يزين لك الشره بالجور ، فإنّ البخل والجبن والحرص غرائز شتّى يجمعها سوء الظن بالله . 

إنّ شر وزرائك من كان للأشرار قبلك وزيراً ، ومن شركهم في الآثام ، فلا يكونن لك بطانة ، فإنّهم أعوان الأثمة ، وإخوان الظلمة ، وأنت واجد منهم خير الخلف ممن له مثل آرائهم ونفاذهم ، وليس عليه مثل آصارهم وأوزارهم وآثامهم ، ممّن لم يعاون ظالماً على ظلمه ، ولا آثماً على إثمه ، أولئك أخف عليك مؤونة ، وأحسن لك معونة ، وأحنى عليك عطفاً ، وأقل لغيرك إلفاً .

فاتخذ أولئك خاصّة لخلواتك وحفلاتك ، ثمّ ليكن آثرهم عندك أقولهم بمر الحق لك ، وأقلّهم مساعدة فيما يكون منك ممّا كره الله لأوليائه ، واقعاً ذلك من هواك حيث وقع . 

والصق بأهل الورع والصدق ، ثمّ رضهم على ألا يطروك ولا يبجحوك بباطل لم تفعله ، فإنّ كثرة الإطراء تحدث الزهو ، وتدني من العزة . 

ولا يكونن المحسن والمسيء عندك بمنزلة سواء ، فإنّ في ذلك تزهيداً لأهل الإحسان في الإحسان ، وتدريباً لأهل الإساءة على الإساءة ! وألزم كلاّ منهم ما ألزم نفسه . 

واعلم أنّه ليس شيء بأدعى إلى حسن ظن راع برعيته من إحسانه إليهم ، وتخفيفه المؤونات عليهم ، وترك استكراهه إيّاهم على ما ليس له قبله .

فليكن منك في ذلك أمر يجتمع لك به حسن الظن برعيتك ، فإنّ حسن الظن يقطع عنك نصباً طويلاً ، وإن أحق من حسن ظنّك به لمن حسن بلاؤك عنده ، وإن أحق من ساء ظنّك به لمن ساء بلاؤك عنده . 

ولا تنقض سنّة صالحة عمل بها صدور هذه الأمّة ، واجتمعت بها الألفة ، وصلحت عليها الرعية ، ولا تحدثن سنّة تضر بشيء من ماضي تلك السنن ، فيكون الأجر لمن سنّها ، والوزر عليك بما نقضت منها . 

وأكثر مدارسة العلماء ، ومناقشة الحكماء ، في تثبيت ما صلح عليه أمر بلادك ، وإقامة ما استقام به الناس قبلك .

واعلم أنّ الرعية طبقات ، لا يصلح بعضها إلاّ ببعض ، ولا غنى ببعضها عن بعض : فمنها جنود الله ، ومنها كتاب العامّة والخاصّة ، ومنها قضاة العدل ، ومنها عمّال الإنصاف والرفق ، ومنها أهل الجزية والخراج من أهل الذمّة ومسلمة الناس ، ومنها التجّار وأهل الصناعات ، ومنها الطبقة السفلى من ذوي الحاجة والمسكنة ، وكل قد سمى الله له سهمه ، ووضع على حدّه فريضة في كتابه أو سنّة نبيه ( صلى الله عليه و آله ) عهداً منه عندنا محفوظاً . 

فالجنود ، بإذن الله ، حصون الرعية ، وزين الولاة ، وعز الدين ، وسبل الأمن ، وليس تقوم الرعية إلاّ بهم ، ثم لا قوام للجنود إلاّ بما يخرج الله لهم من الخراج الذي يقوون به على جهاد عدّوهم ، ويعتمدون عليه فيما يصلحهم ، ويكون من وراء حاجتهم . 

ثمّ لا قوام لهذين الصنفين إلاّ بالصنف الثالث من القضاة والعمّال والكتّاب ، لما يحكمون من المعاقد ، ويجمعون من المنافع ، ويؤتمنون عليه من خواص الأمور وعوامها . 

ولا قوام لهم جميعاً إلاّ بالتجّار وذوي الصناعات ، فيما يجتمعون عليه من مرافقهم ، ويقيمونه من أسواقهم ، ويكفونهم من الترفق بأيديهم ما لا يبلغه رفق غيرهم . 

ثمّ الطبقة السفلى من أهل الحاجة والمسكنة الذين يحق رفدهم ومعونتهم ، وفي الله لكل سعة ، ولكل على الوالي حق بقدر ما يصلحه ، وليس يخرج الوالي من حقيقة ما ألزمه الله من ذلك إلاّ بالاهتمام والاستعانة بالله ، وتوطين نفسه على لزوم الحق ، والصبر عليه فيما خف عليه أو ثقل ، فوّل من جنودك أنصحهم في نفسك لله ولرسوله ولإمامك ، وأنقاهم جيباً ، وأفضلهم حلماً ، ممّن يبطئ عن الغضب ، ويستريح إلى العذر ، ويرأف بالضعفاء ، وينبو على الأقوياء ، وممّن لا يثيره العنف ، ولا يقعد به الضعف . 

ثمّ الصق بذوي المروءات والأحساب ، وأهل البيوتات الصالحة ، والسوابق الحسنة ، ثمّ أهل النجدة والشجاعة ، والسخاء والسماحة ، فإنّهم جماع من الكرم ، وشعب من العرف . 

ثمّ تفقّد من أمورهم ما يتفقّد الوالدان من ولدهما ، ولا يتفاقمن في نفسك شيء قويتهم به ، ولا تحقرن لطفاً تعاهدتهم به وإن قل ، فإنّه داعية لهم إلى بذل النصيحة لك ، وحسن الظن بك ، ولا تدع تفقد لطيف أمورهم اتكالاً على جسيمها ، فإنّ لليسير من لطفك موضعاً ينتفعون به ، وللجسيم موقعاً لا يستغنون عنه . 

وليكن آثر رؤوس جندك من واساهم في معونته ، وأفضل عليهم من جدته ، بما يسعهم ويسع من وراءهم من خلوف أهليهم ، حتّى يكون همّهم همّاً واحداً في جهاد العدو ، فإنّ عطفك عليهم يعطف قلوبهم عليك ، وإن أفضل قرة عين الولاة استقامة العدل في البلاد ، وظهور مودّة الرعية

وإنّه لا تظهر مودّتهم إلاّ بسلامة صدورهم ، ولا تصح نصيحتهم إلاّ بحيطتهم على ولاة الأمور ، وقلّة استثقال دولهم ، وترك استبطاء انقطاع مدّتهم ، فافسح في آمالهم ، وواصل في حسن الثناء عليهم ، وتعديد ما أبلى ذوو البلاء منهم ، فإنّ كثرة الذكر لحسن أفعالهم تهز الشجاع ، وتحرض الناكل ، إن شاء الله ... ، مع حسن الثناء في العباد ، وجميل الأثر في البلاد ، وتمام النعمة ، وتضعيف الكرامة ، وأن يختم لي ولك بالسعادة والشهادة ، ( إنا إليه راجعون ) ، والسلام على رسول الله صلى الله عليه وآله الطيبين الطاهرين

 

التعليقات
تغيير الرمز
تعليقات فيسبوك