لدينا مبدأ فيزياوي اولي يعرفه كل المبتدئين في علم الطبيعة (الفيزياء) ، فهو اقرب الى البديهية منه الى القانون ، وهو ان لا فعل ينجز بدون قوة تنجزه ولذا يتحدد القانون البسيط التالي:
الفعل = القوة × الازاحة.
بمعنى ان كل الافعال معلولة الى قوة انجزتها ، ولا فعل بدون قوة . ثم ان هناك تلازما ذاتيا بين القوى الكونية ومعاني الرحمة ؛ ولو حلت صفة التنافر او القسوة بدل صفة الرحمة في القوى الكونية فلا وجود ولا كون على الاطلاق.
ولذا فالرحمة هي الصفة الجامعة لكل القوى الكونية المنجزة للكون والكائنات.
فالقوى الكونية (الجاذبية والانجذاب والتكهرب بكل اشكاله) رحمة .
والغرائز في الكائنات الحية ( حب البقاء والخلود وحب التملك والملك وحب اللاانتظام او العبث ) ؛ رحمة.
والعاطفة الابوة والأمومة والإخوة والبنوة والزوجية رحمة .
والعشق والحب والود الانساني رحمة.
وكل معاني الرفق والاحترام والتقدير وحسن التعامل والألفة والترابط الانساني التي يفرضها العقل هي رحمة.
اما النبوة فهي محض رحمة ؛ وما ارسلناك الا رحمة للعالمين)(الانبياء - 107)
من اجل التحقق من ان الكون والكائنات هي منجزات الرحمة وحسب لاحظ الحقائق التالية:
1- القوى الكونية الاربعة ؛ مسؤولة عن انجاز كل ظواهر الكون وأفعال الطاقة ، وحتميات الفيزياء ألكلاسيكية ، والإجرام السماوية وحركاتها وظاهرها ، والتفاعلات الكيمياوية والفيزياوية التي تصيب المادة.
2- قوى الحياة: الفايروسية والبكتيرية والنباتية والحيوانية والإنسانية.
3- القوى العقلية: تبرز في كل افعال الارادة والبيان وطلب العلم واختيار الافعال.
4- القوى الروحية: واضحة في:
أ- افعال نفاذ السنن والسعي اليها.
ب- في الافعال السارية للكمال وطلب الحسن.
ج – في الوحي عند الرسل عليهم والآيات البينات
لاحظ الجدول في الصورة اعلاه:
وهنا لابد أن يأخذ موضوع القوة والفعل معناه الواقعي العلمي الفيزيائي: كونه يشير إلى الإمكان والتجسد فقط مع الرحمة وبها، ويمنحنا مفهوم القدرة الفيزياوي: قوة في إنجاز عمل. .فالقدرة (رحمة وقوة) فهي أمر بالحركة المنجزة للأحداث والأفعال.
ولذا فالرحمة (القوة الرحمانية): هي علة انتظام الطاقة المنجزة للأفعال الكونية والكون كله.
ونتيجة لعدم اكتشاف هذه العلاقة التلازمية الذاتية الطبيعية بين القوى الكونية والرحمة لوقت متأخر، ظل الناس يرقبون ظاهر القوة في الفعل: فيبقى الشيء موجودا بالقوة إلى أن يبرز تأثيره بالفعل.. وهكذا يتفلسف الفلاسفة دوما في الامور الغامضة على الناس.
ولما كان في حكم المؤكد إن كمية المادة في الكون محدودة، وان الطاقة التي تحمل على كف القوة، والتي تعتبر المصدر الوحيد للمادة في الكون تساوي صفرا، كما تقرره الفيزياء: إذن فحدوث المادة عرض لوجود القوة الرحيمة الأوحد في الكون. بما يعني استحالة الشريك للرحمن الرحيم. لان الفعل الوحيد المقبول والحسن هو الفعل المعلول للرحمة وحسب. وهذا ما سيعتبر المبدأ العلمي الحسابي التجريبي الذي سترتكز عليه تعريف الرحمة بمعناها الكوني.
قوانين الطبيعة كلها على الإطلاق قوانين عليّة، كما تقرر ذلك الفيزياء الكلاسيكية: ومعاني الرحمة هي عللها.. فالرحمة العلة الأم في كل حدث كوني أو حيوي، فرحمة الله وسعت كل شيء.
لذا على المحسنين الاعتبار بهذا المفهوم الكوني للرحمة ، فان في الخروج عن النسق الكوني للافعال المعلولة للرحمة فسوق عن مشيئة الرحمن الرحيم.