رغم اقرار قانون حماية الصحفيين في العراق إلا أن الواقع ظل يشير الى انتهاكات عديدة وجسيمة للسلطة الرابعة، التي تضطلع بمهمة كشف الحقيقة وايصال المعلومة سواء للمجتمع او الدولة..
فقد حل العراق في المرتبة الرابعة بقائمة الدول التي شهدت مقتل أكبر عدد من الصحفيين خلال العام الفائت، بحسب إحصائية لمنظمة مراسلون بلا حدود أكدت مقتل 74 صحفي أثناء قيامهم بنشاطهم المهني في الدول الأربع التي احتلت رأس القائمة..
عدا عن ذلك فإن عشرات حالات الانتهاك قد تعرض لها الصحفيين والعاملين في المجال الاعلامي في العراق من عرقلة الوصول للمعلومة والحصول عليها، مرورا بالاعتداء والضرب ومصادرة معدات العمل والتجاوز اللفظي وغيره سواء على أيدي العصابات الارهابية والاجرامية او على أيدي حمايات المسؤولين الرسميين، وصولاً للتجاوزات والتهديدات ذات الطابع الحزبي والقبَلي...
ففي كربلاء وخلال شهر حدثت ثلاثة اعتداءات ضد صحفيين حاولوا الحصول على تغطية صحفية، ومهاجمة مكتب قناة فضائية، ودعوى قضائية ضد مسؤول الإعلام في العتبة الحسينية لانتقاده أداء مجلس المحافظة في صفحته بالفيسبوك.
ان هذه المؤشرات تحدو بممتهني السلطة الرابعة للبحث الدؤوب عن السبل الكفيلة للوصول بالصحفي والاعلامي الى حالة استقرار مهني، بعيداً عن التهديد والغبن والاعتداء وهضم الحقوق، وذلك من خلال تفعيل دور النقابات والجمعيات والاتحادات التي تعنى بالصحافة والاعلام من خلال الالتفاف حولها وتقويتها بإتباع مناهج عمل مكثفة كالندوات والاجتماعات الدورية التي تطرح من خلالها مشاكل وعراقيل الصحافة والصحفيين، ونشرها بكافة وسائل الاعلام وايصال هذه المشاكل والعقبات لأعلى المستويات في الدولة من اجل الوقوف عليها ووضع الحلول المناسبة لها.
ويمكن أيضا اللجوء الى نواحي متعددة من سبل الضغط باتجاه تحصيل الحقوق للصحفيين منها:
1-استخدام أساليب الضغط المعنوي تجاه الاشخاص والجهات التي تمارس العنف والترهيب والاساليب الملتوية لعرقلة عمل الصحافة، ولعل أسلوب طرح "لائحة سوداء" فصلية او نصف سنوية بأسماء الجهات والاشخاص المسيئين للصحافة من قِبل المنظمات الصحفية ونشرها بوسائل الاعلام المختلفة وعرضها على المنظمات الدولية المعنية، قد يكون له اثر كبير في تغيير نظرة الجهات المسيئة للصحافة والاعلام بحيث تتولد لديهم القناعة التامة بضرورة احترام الصحافة كسلطة رابعة يمكن أن يكون لها اكبر التاثير في البلد، ووجوب عدم التجاوز عليها او الاستخفاف بها لأنها ند لهم وتستطيع الوقوف بوجههم ان استدعى الامر..
2-تضمين قانون حماية الصحفيين فقرة صريحة بشأن حق مؤسسات الاعلام والصحافة في مقاضاة أية جهة تقوم بالإساءة او الاعتداء عليها او على احد منتسبيها بحيث يُعتبر التجاوز اعتداء على موظف أثناء أداء الواجب، وليس مجرد شكوى شكلية تنتهي بمجرد تقديم اعتذار خفي قد يكون حتى من خلال اتصال هاتفي! فيما التجاوز قد فعله فعله في نفس المتلقي من احباط وشعور بالغبن والامتعاض...
3-ضرورة حماية الصحفي نفسه من المطبّات المتعلقة بالمهنة كأن لا يكون أجيراً او كصاحب بضاعة يبيعها هنا وهناك متخذا من الكسب المادي شعارا أوحد، وأن يتمتع قدر الإمكان بالموضوعية والدقّة ولا يطلق الكلام جزافا يمينا وشمالا دون مصاديق او اشارات على الاقل تدلّل على كلامه، لأننا نعلم أن ايجاد الدليل على الفساد والفاسدين صعب جدا ان لم يكن مستحيل بسبب تجذّره في الواقع المؤسساتي والحياتي اليومي في العراق عموماً، حيث أصبح الفساد يديم نفسه بنفسه من خلال دائرة مغلقة على قاعدة (أحمني وأحميك)... فلا احد في العراق أفراداً ومؤسسات رسمية ومجتمعية ينكر وجود الفساد في كافة مفاصل الدولة، وبالمقابل لم تدِن الدولة ما تسمّيهم دائما (حيتان الفساد) وهذا يدلل بشدّة على ضعف القانون وضعف الجهات الرقابية، وبالذات يدل على ضعف او تلاشي دور المدعي العام ودور مكاتب التفتيش ودور هيئة النزاهة...
4- ان حق الوصول للمعلومة والحصول عليها مازال صعبا جدا، فالدوائر كافة تضع شروطا تعجيزية للإدلاء بأي تصريح او تقديم بيانات وأرقام حيث تشكّل هذه المعلومات العصب الأساس لعمل الصحفي، ولذا فإن الواقع يشير للحاجة الملحّة لإصدار توجيهات حكومية من أعلى الهرم بضرورة التعاون المباشر والفوري مع ما تطلبه وسائل الاعلام من بيانات وتصريحات ومعلومات...
5- ان ريادة التجربة الاعلامية في العراق على مدى 14 عاماً من الانفتاح غير المسبوق، وجسامة التضحيات التي قدمتها وسائل الإعلام في سبيل ادامة العمل الاعلامي وتثبيت أسس حرية التعبير ونشر الحقيقة، تدعونا بإلحاح الى مفاتحة المنظمات الدولية للتعرف على هذه الجهود المضنية والاعتراف بها كأنموذج، ورعاية الصحفيين العراقيين من الناحية المهنية والتشجيعية من خلال الجوائز والدورات التطويرية وتقديم المبدعين الى العالم كرموز وطنية باحثة عن الحقيقة في هذا المجال الخطير...
وتنبثق من هنا ايضا ضرورة ايجاد ضوابط عمل اخلاقية من مواثيق شرف واتفاقيات جماعية، لتنظيم العلاقة بين الصحفي والمؤسسات الصحفية عموما، والجهة التي يعمل بها خصوصاً.
وعلى ضوء المخاض الشديد الذي تشهده مفاصل العراق في مختلف النواحي فإن الدربكة الموجودة الآن في ساحة الصحافة والاعلام ما هي إلا مرحلة من مراحل النضوج والوعي والبناء الفكري والثقافي للدولة الجديدة على أساس التنافس المنطقي والبقاء للأصلح لا على أساس الصراع والاستغلال...