يسعى المجتهدون من طلبة العلم الى ترك بصمات هامة في حياتهم العلمية، فزكاة العلم تعليمه، ونشره، لكن ان يسعى طالب العلم في إحداثِ تميزٍ ناتج عن مواشجة تعلمه الاكاديمي واعتقاده الديني فهذا محل اهتمام وتقدير، خصوصا ان التميز هذا توفر في علوم القرآن وعوالم اللغة والبلاغة واللسانيات، حيث استطاع الباحث (حيدر فخري التميمي) حيازة مرتبة الامتياز على رسالته الموسومة: (أثرُ القُرآنِ الكريمِ في الخِطابِ الحُسينيّ إلى نهاية القرن الأوّل الهجريّ) من كلية الدراسات القرآنية في جامعة بابل في علوم القرآن الكريم وقد اشرف عليها الأستاذ الدكتور حكمت عبيد الخفاجيّ.
وكان لمجلة (الاحرار) الصادرة عن اعلام العتبة الحسينية المقدسة لقاءً مع الباحث حيدر التميمي عن تفاصيل طويلة في رسالته الموسومة (أثرُ القُرآنِ الكريمِ في الخِطابِ الحُسينيّ)، فقال: يزخر الخطاب الحسينيّ بكثير من الآيات القرآنية الكريمة التي استشهد بها قائلو هذا الخطاب، ليبينوا للأمة شدة ارتباطهم بالقرآن الكريم قولًا وفعلًا, وكذلك لحاجة الأمة للارتباط بالقرآن الكريم بعد أنْ ابتعدت عنه في تلك المرحلة، فكانت تلك الآيات ذكرى لمَنْ يستمع القول فيتّبع أحسنه.
واشار التميمي الى سعيه في توضيح ذلك في دروب البحث, ومن هنا، ذكرت في الفصل الاول: (أنساقًا للاستشهاد القُرآني في الخطاب الحسينيّ), سواء كان استشهادًا مباشرًا بآيات القُرآن الكريم, أو استشهادًا غير مباشر, انتظمت فيه مجموعة من المفاهيم والمضامين القُرآنية, ونقطع جازمين أنَّ الكتاب العظيم (القُرآن الكريم) قد زَهَر في الخطاب الحسينيّ, ويكفي القارئ أنْ يقف على قسم من نصوصه الدينيّة, ليلمح الاستثمار والاستشراف لكتاب الله(عز وجل),إذْ تنوّعت تقنيّات الاقتباسات, وتلوّنت وهي تمثل أنساقًا وأنماطًا من الأثر القُرآنيّ في الخطاب الحسينيّ.
حيدر الذي حمله الشغف بالحديث عن جزئيات تناولها في رسالة الماجستير، جعل رسالته في ثلاثة فصول كان الفصل الاول في مبحثين وثلاثة مطالب لكل منهما، وكان الفصل الثاني في خمسة مباحث، فيما كان الفصل الثالث في سبعة مباحث.
وكان لأثر الآيات العقدية وآيات الأحكام في الخطاب الحسينيّ اهمية حيث خصص الباحث الفصل الثاني عنها، متناولا فيه التوحيد والرضا بقضاء الله وقدره، والإمامة، والنبوة، وآيات العبادات موادا لمباحثه، كما اختار الباحث شذرات من عبادة الأئمة (عليهم السلام), وكذلك اشارات مما ظهر من معادن الكثير من الشجعان الذين قالوا كلمة الحق بوجه السلاطين الجائرين, فكانت عاقبتهم الشهادة لأنّهم قالوا الحقيقة ومن ثمَّ أضحوا مصداقًا لحديث النبيّ الأكرم (صلى الله عليه وآله)\.
ونوه التميمي عن المفاهيم التربوية والأخلاقية في الخطاب الحسينيّ حيث جعل لها فصلا كاملا جاء في ترتيب رسالته في فصلها الثالث، وقد تناوش خلاله المفاهيم التربوية والأخلاقية في الخطاب الحسينيّ في كافة مجالات الحياة السياسية والاجتماعية والاقتصادية وغيرها, معللا السبب في ذلك بان \تلك المفاهيم كانت بمثابة دروس للإمة الإسلامية لتنير دربها نحو الطريق القويم الذي اختطه من قبل رسول الله (صلى الله عليه وآله) ثم جاء بعده وصيه وأبن عمه علي بن أبي طالب وولده الحسن (عليهما السلام)، وعندما جاء الحسين (عليه السلام) وأخوته وأولاده (عليهم السلام) أكملوا المسير على نفس هذا الطريق\.
وأفاض التميمي أن \كل المفاهيم التربوية والأخلاقية في الخطاب الحسينيّ مستمدة جذورها من القرآن الكريم, فكانت بعدهم خير دليل على سيرتهم العطرة المليئة بالدروس والعظات والعبر، ولتتخذها الأمة بعدهم أنموذجًا يحتذى به في جميع مجالات الحياة\.
ونرد ضمن تقريرنا هذا موجزا من تلك المفاهيم التربوية والأخلاقية في النص القرآنيّ وأثرها في الخطاب الحسينيّ، ففي الفصل الثالث جعل (الاصلاح) عنوانا للمبحث الاول منه متخذا من وصية الإمام الحسين (عليه السلام) لأخيه محمد بن الحنفية (ت:81 هـــ): \بسم الله الرحمن الرحيم هذا ما أوصى به الحسين بن علي بن أبي طالب إلى أخيه محمد المعروف بابن الحنفية, أنَّ الحسين يشهد أنْ لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأنَّ محمدًا عبده ورسوله، جاء بالحق من عند الحق، وأنَّ الجنة والنار حق، وأنَّ الساعة آتية لا ريب فيها، وأنَّ الله يبعث من في القبور، وإني لم أخرج أشرًا ولا بطرًا ولا مفسدًا ولا ظالمًا وإنما خرجت لطلب الإصلاح في أمة جدي (صلى الله عليه وآله)\.
وهنا قال الباحث: \الإصلاح في القرآن الكريم يعدُّ من أعظم المفاهيم التي دعا لها الله تعالى وأرسل بها الأنبياء ووصى بها الأئمة (عليهم السلام) وكان نموذجًا للإصلاح نبي الله شعيب (عليه السلام) الذي خاطب قومه: {.. وَمَا أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَى مَا أَنْهَاكُمْ عَنْهُ إِنْ أُرِيدُ إِلاَّ الإِصْلاَحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي إِلاَّ بِاللّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ (هود/88)}\.
كذلك جعل الباحث كل من (التحذير من الغرور بالدنيا والركون إليها، والبكاء في الخطاب الحسيني، سرعة استجابة الدعاء، والتوبة، والرفق بالحيوان) مباحثا ضمن الفصل الثالث من الرسالة.
واختتم الباحث رسالته في جملة من النتائج كان منها بعد الحمد والثناء لله ان الباحث وصل لنتائج كان منها:
1- أفاد الإمام الحسين (عليه السلام) وأبناؤه, وأخوته, وأصحابه (رضوان الله عليهم) من القُرآن الكريم أيّما فائدة في جلّ نصوصهم, وهذه النصوص تمثّل منظومة دينية متكاملة, ولا نبالغ إذا قلنا: (إنّها دينية خالصة, إذْ حاز القرب الإلهي فيها حيزًا واسعًا, إذْ ندَّ ذلك في وصاياهم ورسائلهم ومواعظهم الأخلاقية الجليلة, وكلماتهم الحِكَميّة, وأدعيتهم الكثيرة المتنوعة), وهذا ما نلمحه في تلكمُ النصوص, وقد تجلّى الأثر القرآني فيها من نحو: الثوابت العقدية, آيات الأحكام, والمفاهيم القرآنية التربوية والأخلاقية التي انسربت من قائلي الخطاب الحسينيّ.
2- ملاحظة تنوّع الخطاب الحسينيّ, فهو تارةً يخاطب العقول, واخرى يخاطب الضمائر والضمير آخر قلعة عند الإنسان لمقاومة الباطل, ويخاطب القلوب والعواطف تارةً أخرى, ولا يخفى ما للعاطفة من تأثير في سلوك الإنسان .
3- في ضوء رصد البحث للأثر القرآنيّ في الخطاب الحسينيّ تجلّى لنا أنَّ نسق الأثر القُرآنيّ المباشر سواء كان الاستشهاد بجزء من الآية, أو بآية كاملة, أو بمقطع من الآيات هو المهيمن فيه, ومن هنا تبيّن مدى اتصال أصحاب الخطاب الحسينيّ,
4- تنوع أنساق الأثر القرآني في الخطاب الحسينيّ, من مباشر وغير مباشر يدلّ على ذوبان أصحاب الخطاب الحسينيّ في كتاب الله تعالى, لأنهم بَصَرُوا امتزاج القُرآن الكريم بحياة الإنسان وحركتها الحيوية المتجددة.
5- بدى لنا أنَّ الإمام الحسين (عليه السلام) قد اسْتشرف المضامين والمفاهيم التربوية والأخلاقية القُرآنيّة السّامية كالإصلاح والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والـتّوبة والوفاء بالعهد والتحذير من الغرور بالدنيا ومفهوم البكاء وآخرها الرفق بالحيوان, ولا يخفى أنَّ هذا الاستشراف له أهمية في التواصليّة في الخطابات الحسينيّة لما تمثله من مضامين ودلالات ساميات.
6- إنَّ الخطابَ الحسينيّ خطابٌ عالميّ بامتياز يلاطف الوجود الإنسانيّ لاشتماله على مضامين عالية ناغمت الشعور الإنساني, وهذا ما شاهدناه في الخطابات الحسينيّة, لأنه مَتَحَ من النبع القُرآنيّ الصافي وما يؤديه من تفعيل حركيّة النّص والخطاب في هداية المجتمع الإسلامي خاصة, والبشرية عامة.
7- لوحظ التزام الإمام الحسين (عليه السلام) بالعهود التي أعطاها لأهل الكوفة, وهذا الالتزام هو حكم شرعي من القرآن الكريم, بقي الإمام (عليه السلام) ملتزما به.