تقرير: علي الشاهر – حسين نصر
الحربُ على العدو العالمي الجديد (وباء كورونا)، كانَ لها شكل آخر في العراق ومغاير عمّا جرى في كل أنحاء العالم، فالمرجعية الدينية العليا المتمثلة بسماحة السيد علي الحسيني السيستاني (دام ظله) قد تحسّست هذا الخطر الذي واجهه أبطال الصدّ الأول من الملاكات الطبية، التي تعاملت بشجاعة مع هذه (الجائحة) ونجحتْ في احتوائها وشفاء المصابين بها.
أما في مدينة كربلاء المقدّسة، حيث عتباتها المطهّرة، وقف ممثّلا المرجعية الدينية العليا سماحة الشيخ عبد المهدي الكربلائي وسماحة السيد أحمد الصافي مع ملاكات العتبتين الحسينية والعباسية المقدّستين، إلى جانب الجيش الأبيض (الملاكات الطبية) من أجلِ مساندتها في حربِها على هذا العدو اللا مرئي، والوقوف إلى جانبها في كل ما تحتاجه من مساعدات طبية، والتي يأتي معها دعاء صادق لربّ السماء الأعلى، لينصرهم ويوفقهم في مهمّتهم الصعبة.
ففي تاريخ (21/ رجب 1441هــ - الموافق 17 آذار 2020)، أصدر سماحة المرجع الديني الأعلى السيد علي الحسيني السيستاني (دام ظلّه) فتوى (الواجب الكفائي) التي اختصت بالكوادر الطبية والتمريضية المتعاملة مع فيروس كورونا والمصابين به، والتي عدّها كثيرون خطوة غير مسبوقة وفتوى تاريخية تثبت وتظهر موقف المرجعية الدينية العليا وبعدّها ضمانة حقيقية للناس، وجاءت متساوقة أيضاً مع التفوى العظمى في الدفاع الكفائي ضد عصابات داعش الإرهابية.
وجاء في فتوى المرجعية العليا التي كانت إجابة على تساؤل بعض المؤمنين: إنّ علاج المرضى ورعايتهم والقيام بشؤونهم واجبٌ كفائيٌ على كلّ المؤهّلين لأداء هذه المهام من الأطباء والكادر التمريضي وغيرهم، ولكن يجب على السلطات المعنيّة أن توفّر لهم كل المستلزمات الضرورية لحمايتهم من مخاطر الاصابة بالمرض، ولا عذر لها في التخلف عن ذلك.. ولا شك في ان ما يقوم به هؤلاء الأعزّة ــ بالرغم من كل التحديات ــ عمل عظيم وجهد لا يُقدّر بثمن، ولعلّه يُقارب في الأهميّة مرابطة المقاتلين الأبطال في الثغور دفاعاً عن البلد وأهله.. ومن المؤكد ان الله تبارك وتعالى يقدّر لهم جهودهم في الدنيا ويثيبهم عليها في الآخرة، بل يُرجى من ضحّى بحياته منهم في هذا السبيل أن يثبت له أجر الشهيد ومكانته في يوم الحساب.. وإننا إذ نقدّم لهم جزيل الشكر وبالغ التقدير على عملهم الإنساني الجليل ندعو الله العلي القدير أن يحميهم ويحفظهم ويبعد عنهم كل سوء، إنّه سميع مجيب.
كما وسبق الفتوى المباركة، التوجيهات والإرشادات التي أكّد عليها ممثل المرجعية الدينية العليا سماحة الشيخ عبد المهدي الكربلائي، خلال خطبة الجمعة بتاريخ (28 شباط 2020)، والتي دعا فيها إلى أخذ المفاهيم الصحية من ذوي الاختصاص بعيداً عن الأساطير والوهم، مشدّداً على الرعاية الصحية العلمية بعيداً عن الأوهام والتقاليد البالية في مواجهة فيروس كورونا، والاعتماد على التعليمات الوقائية التي تصدرها المؤسسات الصحية، وعدم الاستماع إلى ما ليس له أسس علمية.
كما أكّد سماحته على ضرورة الثتقيف للوقاية من الأمراض والأوبئة بين الأسر وفي والمدارس والجامعات والدوائر والمؤسسات الحكومية من قبل المؤسسات الصحية، حاثاً المؤمنين على أخذ الأمور الوقائية على محمل الجد، وعدم الاستخفاف والاستهانة بها.
أما ممثّل المرجعية الدينية العليا سماحة السيد أحمد الصافي وفي كلمته التي وجهها خلال أزمة فيروس كورونا بتاريخ (20 آذار 2020)، فقد أشارَ أيضاً إلى جواب المرجعية الرشيدة بخصوص التعامل مع المصابين، والتأكيد على الدور المشرف للملاكات الطبيّة، مبيناً أن جواب سماحة المرجع الأعلى السيستاني (دام ظله) قد فيه عقَدَ مقارنة وهي مقارنة رائعة ما بين العمل الذي يعمل به هؤلاء الإخوة الأطبّاء حفظهم الله تعالى، والعمل الذي يعمله المقاتلون عندما يقفون على سوح القتال، هؤلاء يدافعون في صدّ عدوٍّ واضح (داعش) وغيره وهم بالنتيجة يمنعون هؤلاء أن يصلوا الى العباد والبلاد، وهؤلاء أيضاً يدافعون في صدّ مخاطر كثيرة تحاول أن تفتك بالناس، ولذلك يُرجى لهم أن يكون لهم هذا الأجر مقارباً لأجر هؤلاء الأبطال، ولا قدّر الله إذا تُوفّي أحدٌ منهم أيضاً تُكتب لهم هذه المنزلة (منزلة الشهادة).
وقال سماحته أيضاً: نُثني على الجهد الكبير كما أثنت المرجعيّةُ المباركة عليهم، الجهد الكبير الذي يُبذل من الكوادر الطبّية التمريضيّة، من الأطبّاء الذين – حقيقةً - هم يسعون ليلاً ونهاراً من أجل أن يمنعوا تفشّي هذا المرض.
وبتاريخ (9 نيسان 2020)، توجّه ممثل المرجعية الدينية العليا سماحة الشيخ عبد المهدي الكربلائي، برسالة شكر وتقدير الى الكوادر الصحية والأمنية والخدمية المتصدية لحماية أبناء شعبها من خطر فيروس (كورونا الوبائي).
وقال الكربلائي في مستهل رسالته، الى إخواني وأعزائي من الكوادر الصحية والخدمية وغيرها، والذين يقومون الآن بهذا العمل العظيم في معالجة المرضى وخصوصاً مرضى فيروس كورونا، إننا نتقدّم اليكم جميعاً بجزيل الشكر وعظيم الامتنان على خدماتكم الإنسانية الجليلة والنبيلة، مؤكّداً كفاكم عزّاً وفخراً أن جهودكم هذه لا تُنسى عند الله، والتي يقدّرها تعالى في الدنيا وسيقابلها بالثواب العظيم في الآخرة، مثلما ستبقى في ذاكرة وضمير شعبكم الذي يحمل تجاهكم كل مشاعر التقدير والإعجاب، كما ستبقون إن شاء الله مستقبلاً، أولئك الجنود والمقاتلون الأبطال الذي يحفظون أرواح الناس وسلامتهم.
وأشار سماحته في سياق الرسالة الى وصف سماحة المرجع الديني الأعلى في العراق آية الله السيد علي السيستاني (دام ظلّه الوارف) لهذه الكوادر في الاستفتاء الأخير المقدّم له، بـ الأعزاء المضحّين في سبيل صحة وحياة مواطنيهم، وإن ما يقدموه من عمل فهو عظيم ولا يقّل أهمية عن عمل المجاهدين المرابطين في الثغور دفاعاً عن البلد وأهله.
وقد شهدت مدن العراق وبينها مدينة كربلاء المقدسة، تحسناً ملوحوظاً بين المصابين بفيروس (كورونا)، وكان للمرجعية العليا دورها في إنجاح هذه المهمة والانتصار في الحرب على الفيروسات، كما أكد ذلك ممثل منظمة الصحة العالمية في العراق، الدكتور أدهم إسماعيل، الذي بين أن المنظمة تشكر استجابة المرجعية الدينية العليا في العراق وتقدر دعمها لجهود السلطات الصحية لاحتواء انتشار (كوورنا) في العراق.
وقال إسماعيل في مؤمر صحفي عقب لقائه ممثل المرجعية الدينية العليا الشيخ عبد المهدي الكربلائي: وأنا خارج من زيارة ممثل المرجعية الدينية العليا الشيخ عبد المهدي الكربلائي، كلي أمل وتفائل، فإذا كانت مرجعياتنا والقمم الدينية لديهم هذا الإحساس العالي بالصحة وأهميتها، إن شاء الله العراق سيصبح في مكان أفضل.
وفي أعقاب انتهاء زيارة النصف من شعبان المباركة، أصدرت منظمة الصحة العالمية في العراق بيانا أشادت بجهود المرجعية الدينية العليا في العراق وثمنت حثها للمواطنين على إتباع التعليمات الصحية من أجل إنقاذ الأرواح من خطر (كورونا).
وفي يوم الأربعاء، الموافق (22 نيسان 2020)، استقبل سماحة الشيخ الكربلائي، وفداً من الملاكات الطبية العاملة في محافظة كربلاء، وكذلك الأجهزة الأمنية التي عملت سويةً على تطبيق الإجراءات الصحية والأمنية لتفادي انتشار المرض وشفاء المصابين به.
وقال سماحته في كلمته أمام الحاضرين: أن الكوادر الطبية والخدمية في المؤسسات الصحية والقوات الامنية يقومون بعمل عظيم ونتقدم لهم بجزيل الشكر والامتنان جراء عملهم في مواجهة فيروس (كورونا)، مبيناً انهم يتحدّون المخاطر والمصاعب ويضحون بأنفسهم للحفاظ على أرواح المرضى وحياتهم وجهودهم لا تقدر بثمن، حيث شهدت مدينة كربلاء تحسناً كبيراً في الحالات المصابة.
وأضاف، إن عمل الكوادر الصحية عظيم، وإن هذا العمل يقارب عمل المقاتلين الذين يرابطون في الثغور ويقفون بوجه الأعداء للحفاظ على البلد وشعبه، ولهم أجر عظيم وجزيل الثواب عند الله تعالى، موكداً أنهم يجابهون عدواً شرساً وفتاكاً ويخطف أرواح الكثير من الناس والشعوب وعليهم أن يفتخروا ويعتزوا بعملهم هذا.
فيما قال الدكتور خالد الأعرجي، مدير قسم الصحة العامة في دائرة صحة كربلاء: إن اللقاء بممثل المرجعية الدينية العليا سماحة الشيخ عبد المهدي الكربلائي وما سمعناه منه من كلمات شكر وتقدير وثناء رفعت من مستوى المسؤولية الملقاة على عاتقنا وشدت من أزر المرابطين في المفارز الطبية والمستشفيات، مضيفا تم خلال اللقاء عرض الواقع الصحي والوبائي على سماحة الشيخ الكربلائي من خلال عرض المفردات ونقل رسالة شكر وامتنان من ملاكات دائرة الصحة له، مبينا أن الزيارة كان بها جانب معنوي ورفع للحالة المعنوية للكادر الطبي بشكل كبير جداً.
ولم يتوقّف دور العتبات المقدسة، وممثلي المرجعية الدينية العليا، على تقديم الشكر فحسب، وإنّما كانت سباقة في تقديم الدعم والمساعدات للكوادر الطبية لإتمام مهمتها الصعبة في القضاء على الفيروس القاتل، فضلاً عن إنشاء المراكز الطبية التي كانت منجزاً طبياً لافتاً وتم إنشاؤها في وقت قصير وفترة استثنائية، من أجل مساعدة الجهود الطبية المبذولة وعلاج المصابين.