جاء في الحديث الشريف للرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله) بمناسبة قدوم شهر رمضان: "أيها الناس إنه قد أقبل إليكم شهر الله بالبركة والرحمة والمغفرة، شهر هو عند الله أفضل الشهور وأيامه أفضل الأيام، ولياليه أفضل الليالي وساعاته أفضل الساعات..."، ومن الواضح والجلي ان هذا الحديث يؤشر الى مدى أهمية استثمار الوقت في هذا الشهر كتجسيد نموذجي للفرصة السانحة لاستخراج واستغلال مكامن الطاقة الانسانية بالصورة المثلى وتحفيز النفس نحو الاصلاح.
وفي بحث وتفكّر بسيط يمكننا استنتاج الطرق والآليات للاستفادة من هذه الفرصة بالخطوات العملية التي تتمثل في، الحرص على تخصيص أوقات محددة لقراءة القرآن ضمن جدول يومي يحقق لنا ختم الكتاب الكريم في الشهر الفضيل، فنكون قد كسبنا - بإذنه تعالى - الثواب الجزيل، وتحسسنا فوائد قراءة القرآن الروحية والجسدية.
كذلك، معايشة الأدعية المأثورة الخاصة بليالي رمضان، فهذه الادعية على بساطتها وقلّة وقتها كفيلة بتهذيب النفس وزرع الطمأنينة الروحية التي نحن اليوم بأمسّ الحاجة اليها.
فضلاً عن ان القراءة او الاطلاع او السؤال عن حكم شرعي واحد يومياً يجعلنا حريصين تلقائياً على إتمام صيامنا بالشكل المرضي والمقبول، وبالتالي فان هذه الطريقة تلزمنا وتعرّفنا بالأحكام كلها تدريجياً.
ولا ننسى أهمية تحقيق التكاتف والتواصل الاجتماعي بصوره الحقيقية وإدامة وتقوية صلة الرحم والاستفادة من فرصة اجتماع الناس في الصلاة او في ليالي رمضان، ومؤازرتنا لبعضنا البعض وتقديم ما يمكننا للمعوزين والفقراء.
وفي خطبة للمرجعية الدينية العليا، في مطلع شهر رمضان من العام الماضي بالصحن الحسيني الشريف، أشار ممثل المرجعية الدينية العليا الشيخ عبد المهدي الكربلائي الى قضية إصلاح النفس وسؤال الله تعالى بنيّة صادقة، عبر تساؤل مهم مفاده: "كيف نوظّف معطيات شهر رمضان المبارك لتغيير واصلاح نفوسنا؟"
وأردف الشيخ الكربلائي التساؤل بمقدمةٍ قائلاً" لو تتبّعنا الآثار الواردة عن المعصومين عليهم السلام نجد اهتمام كبير من النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) والأئمة المعصومين عليهم السلام بشهر رمضان فهُم يريدون أن يلفتوا نظرنا الى أهمية هذا الشهر وأهمية معطياته في حياتنا الدنيوية والاخروية..
وأضاف ممثل المرجعية العليا" لاحظوا في خطبة النبي صلى الله عليه وآله عندما يبتدئ في بيان فضيلة شهر رمضان وبعدها يطلب من الله سبحانه وتعالى أن يعيننا على صيامه ماذا يقول صلى الله عليه وآله؟: (فاسألوا الله ربكم بنيّات صادقة وقلوب طاهرة).
ومعنى ذلك، ايها المؤمن الصائم اذا أردت الوصول من خلال الصوم التعب والعناء وألم الجوع والعطش الى التقوى ابتدأ بقلبك اولاً، طهرهُ مما فيه من الحسد والتكبر والغل والحقد والمكر وغير ذلك من الصفات الذميمة..
والنقطة الثانية التي من خلالها نتعرف على كيفية الوصول بالصوم الى التقوى وهو التوجّه والالتفات نحو جوهر وروح الصوم والغاية السامية منها..".
وأوضح الكربلائي ان مشكلتنا تكمن في طبيعة تعاملنا وتعاطينا مع العبادات وهو تعامل وتعاطي سطحي في مرتبته الأدنى، مثلاً، نتعامل مع الصلاة على انها حركات للجسد وألفاظ باللسان ولا نتعامل معها على انها صلة مع الله وتواصل مع الله، وهي قربان كل تقي وهي معراج المؤمن وأن الصلاة لو أتيت بحقيقتها وجوهرها ارتقت بك من عالم الارض الى عالم الملكوت الاعلى المقدس والمطهر، والصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر، فلماذا لا تنهانا صلاتنا عن الفحشاء والمنكر؟ لأننا تعاملنا معها تعاملاً سطحياً ولم نتعامل معها بفهم حقيقتها وروحها وجوهرها، حتى يمكن من خلال ذلك ان نصل من خلال هذه العبادة الى التقوى..
وأردفَ بتساؤل مفاده" إذاً كيف نوظّف شهر الصيام لتقوية الجانب الروحي والمعنوي وترسيخ الارتباط بالله تعالى؟
فقال مجيباً "تأتي هنا أهمية تعزيز الجانب الروحي والمعنوي، الذي نحتاج الى إغنائه، فإذا قوّيت الاتصال والارتباط بالله تعالى فإن هذا يعني انني اعتقد أن لي رب قادر وحكيم ورحيم وعطوف بي وحنون عليَّ، وهو سيعينني على أن أتجاوز المشاكل والازمات وأتخلص منها بنجاح ولا أقع في الفشل والاخفاق واليأس وغير ذلك من هذه الامور النفسية..".
نحن حينما نواجه أزمة علينا أن نسعى لحلّها وهذا لا يعني الركون فقط الى الدعاء والذكر والجلوس في البيت وأن ندعوا فقط ونذكر الله تعالى، نعم هذا مطلوب بشِدّة، ولكن علينا أن نفكّر ايضاً لحل الازمات والمشاكل ونسعى لإصلاح أنفسنا، وهذه الأمور لا يمكن تحقيقها والوصول اليها إلا بتعزيز الجوانب الروحية والمعنوية في حياتنا، وتقوية ارتباطنا بالله تعالى في كل الامور والاحوال والاوقات واستثمار صيام الشهر الفضيل في سبيل تحقيق تقوية هذا الارتباط.