زيارة الاربعين فيض متدفق لرحمة السماء يجب ان لا يتبدد


محسن وهيب عبد

 

1- مقدمة:

بسم الله وبالله ولا حول ولا قوة الا بالله ، الحمد لله وصلى الله على خير خلق الله محمد وآله ومن ولاه واللعن الدائم على الظالمين اعداء الله.

تتميز زيارة الاربعين بالحضور الى قبر الحسين عليه السلام يوم العشرين من صفر المحرم ، وبالمشي على الاقدام من حيث ما يكون المرء ، فتتدفق حشود الزائرين المحبين المعزين براياتهم السود  من كل صوب نحو كربلاء في مشهد ليس له مثيل على الاطلاق في العالم .

ولان الزيارة معروفة الاهداف مثل بقية شعائر الحسين عليه السلام ، حيث هي انتصاف للمظلوم ونبذ للظالم  فإنها تسجل موقفا مؤثرا جدا ضد الظلمة الطغاة مثلما هي نصرة للمظلوم وعونا له ، ولذلك حاربها الطغاة على مر التاريخ بقسوة بالغة.

وعلى هذا فقد سجل التاريخ لزوار الاربعين مواقف رائعة  اضافت بهاء على تاريخ زيارة الاربعين وعظمتها منذ بداياتها ؛ فقد حبس وقتل الالاف من زوار الحسين عليه السلام  على يد الطغاة اخرهم المجرم المعلون صدام المقبور.

فعن أبو الفرج الاصبهاني قال : ( كان المتوكّل ( العباسي) شديد الوطأة على آل أبي طالب ، غليظاً في جماعتهم ، شديد الغيظ والحقد عليهم ، وسوء الظنّ والتهمة لهم . واتّفق له أنّ عبيد الله بن يحيى بن خاقان وزيره يسيء الرأي فيهم ، فحسَّن له القبيح في معاملتهم ، فبلغ فيهم ما لم يبلغه أحد من خلفاء بني العباس قبله ، وكان من ذلك أن كرب  قبر الحسين وعفّى آثاره ، ووضع على سائر الطرق مسالح ( مفارز) له لا يجدون أحداً زاره إلاّ أتوه به وقتله أو أنهكه عقوبة)( ).

بعث المتوكل برجل من أصحابه (يقال له الديزج وكان يهودياً فأسلم) إلى قبر الحسين وأمره بكرب قبره ومحوه وإخراب ما حوله ، فمضي ذلك فخرّب ما حوله ، وهدم البناء وكرب ما حوله مائتي جريب ، فلمّا بلغ إلى قبره لم يتقدّم إليه أحد ، فأحضر قوماً من اليهود فكربوه ، وأجرى الماء حوله ، ووكل به مسالحَ ، بين كلّ مسلحتين ميل ، لا يزوره زائر إلاّ أخذوه ووجّهوا به إليه .

وقال أيضاً : حدّثني محمّد بن الحسين الأشناني : بَعُدَ عهدي بالزيارة في تلك الأيّام ، ثمّ عملت على المخاطرة بنفسي فيها ، وساعدني رجل من العطّارين على ذلك ، فخرجنا زائرين نكمن النهار ونسير الليل ، حتى أتينا نواحي الغاضريّة ، وخرجنا نصف الليل ، فصرنا بين مسلحتين ، وقد ناموا ، حتى أتينا القبر فخفي علينا ، فجعلنا نشمّه ونتحرّى جهته حتّى أتيناه ، وقد قلع الصندوق الذي كان حواليه ، وأُحرق وأُجري الماء عليه ، فانخسف موضع اللبن وصار كالخندق ، فزرناه وأكببنا عليه ـ إلى أن قال : ـ فودّعناه وجعلنا حول القبر علامات في عدّة مواضع ، فلمّا قتل المتوكّل اجتمعنا مع جماعة من الطالبيين والشيعة حتّى صرنا إلى القبر فأخرجنا تلك العلامات وأعدناه إلى ما كان عليه ( ).

       تالله إن كانت أميّة قد أتت *   قتل ابن بنت نبيّها مظلوما

     فلقد أتاه بنو أبيه بمثله *          هذا لعمرك قبره مهدوما

     أسفوا على أن لا يكونوا شاركوا * في قتله فتتبّعوه رميما

وطبقا لاستشرافات المعصوم حين قال عليه السلام لعمته زينب سلام الله عليها : (عمتي زينب سينصب لنا في هذا الطف علم كلما اراد اهل الجور له انطماسا ازداد علوا وارتفاعا) ، وقد بلغت اليوم زيارة الاربعين مبلغا راق الا اننا نتمنى ان تبلغ ساريته المدى المنشود ويكون لزيارة الاربعين ما اراده الحسين عليه السلام في نهضته بهذ الاتجاه وهذا المنهج وضعنا بحثنا هذا نسال الله تعالى السداد ومنه التوفيق فهو الغاية.

 

2- زيارة الاربعبن فيض متدفق لرحمة السماء يجب ان لا يتبدد:

المقصود بها زيارة قبر الحسين عليه السلام في العشرين من صفر الحرام من كل عام حيث هذا اليوم تبلغ الذكرى الاربعين لاستشهاد الحسين وبنفس الوقت ذكرى عودة السبايا ورجوع رؤوس الشهداء الى كربلاء في مشهد تظافرت به الاحزان على ال محمد واشياعهم.. فهو يوم مشهود يحضر به احباب محمد وال محمد صلوات الله عليهم الى كربلاء حيث مرقد الحسين عليه السلام مواساة لذلك المشهد البالغ الحزن بما تعني تلك المواساة من:

: اولا- اعتراض على اغتيال الاسلام الحق والمجيء بالإسلام الأموي : وهو اليوم في الواقع اعتراض على داعش وأخواتها والفكر التكفيري الدخيل على الاسلام.

ثانيا –  رفض التاريخ الذي كتبه مؤرخو الانقلابيين ذلك التاريخ الملطخ بعار قتل عترة النبي وسبي عياله وتأمير ابناء فتيات قريش على الامة.

ثالثا - رفض الانقلاب على التوحيد الخالص لله تعالى : رفض للتجسيم والتشبيه الذي داخل الاسلام الحق عن طريق قتلة الحسين عليه السلام

رابعا - رفض الانقلاب على الحق والعدل كسنة كونية انتهكت تماما من قبل اعداء الله الامويين واتباعهم 

خامسا- رفض الانقلاب على سنة الامامة الكونية المذبوحة ؛ فالحسين عليه السلام  هو مصداق سنة الله في الارض، ذبحه الطغاة الظالمين.

سادسا – في التظاهرة الكبرى للاربعين مواساة للدين الحق المهمش وتاييدا للعدل المبسوط ، حيث ما كان وفي اي زمان.

سابعا - تبيان الحاجة الى لما في الغيب ، وما عند الله خير وابقى ، فالانتظار خير العبادات ونحن ننتظر الطالب بدم المقتول بكربلاء

ثامنا – مظاهرات الاربعين تظهر الحاجة للتكامل مع المعصوم عجل الله تعالى فرجه الشريف، لذلك يمكن استثمارها في هذا الاتجاه

تاسعا – شعائر الاربعين تبرز الم البلاء العظيم الذي حل بالأمة حين تحولت الرسالة السماوية والرحمة المرسلة الى مملكة اموية او عباسية او عثمانية وغيرها يتوارثها اعداء الله والانسان.

عاشرا – تظاهرات الاربعين ؛ دعوة لبقاء دعوات الرسل عليهم السلام  قائمة حية نافذة حاكمة مهيمنة.. وعلى هذا النحو يمكن استثمار هذه الزيارة.

الحادي عشر -  تظاهرات  زيارات الاربعين ؛ دعوة للمطالبة بالثائر للدين المذبوح من قبل الظالمين والإمامة المغتالة من قبل الامويين واتباعهم الى يومنا هذا.

الثاني عشر - تظاهرات  زيارات الاربعين  هي في واقعها شعيرة للبقاء والرسوخ في طاعة الله ورسوله ولابد ان تستثمر في هذا الاتجاه.

الثالث عشر- تظاهرات زيارات الاربعين ؛ اعلان لمشاعر المودة والرحمة لأهل البيت عليهم السلام ، كما امر الله تعالى في كتابه الكريم يتجلى في المودة والرحمة والبذل والعطاء لزوار الاربعين من الجميع والى الجميع بما لم يسبق له مثيل  في العالم كله تاريخا وجغرافية.

3- غيث رباني يحتاج كما يحتاج المطر الى خزانات للاستفادة منه:

تتمع الدنيا كلها والعراقيون خصوصا ببركات فيض هذه الزيارة المتدفق بما لم يكن له مثيل في العالم ، فقد حبي الله الزائر والخادم والراعي  والعائش في اجواء تلك الزيارة بالخير الذي لا يناله إلا ذو حظ عظيم على سطح هذا الكوكب.

زيارة الاربعين ؛ هي زيارة ضريح الحسين عليه السلام في ذكرى الاربعين لاستشهاده ، ولأنه استشهد في عاشوراء فان زيارة الاربعين توافق يوم العشرين من صفر الحرام من كل عام ، ونختصر معاني الفيض المتفق لرحمة الله تعالى في هذه الزيارة بما يلي:

• للزائر والقاصد للحسين عليه السلام  وهو عارف بحقه له الخطوة بحجة مبرورة ؛ وهذا وعد المعصوم الموثوق:

عن الصّادق (عليه السّلام) أنه قال : ( من زار(قبر) الحسين (عليه السّلام) لا أشراً ولا بطراً ولا رياءً ولا سمعة محِّصت ذنوبه كما يمحَّص الثوب في الماء ، فلا يبقى عليه دنس ، ويكتب له بكل خطوة حجة مبرورة ، وكلما رفع قدمه عمرة »( ) .

عن أبي الحسن الرضا (عليه السّلام) قال : ( من زار قبر أبي عبد الله (عليه السّلام) بشط الفرات كان كمن زار الله فوق عرشه )( ).

عن ابي الحسن الرضا عليه السلام يقول: (من أتى قبر الحسين عليه السلام كتب الله له حجة مبرورة )( )

عن الرضا عليه السلام قال : (من زار قبر الحسين عليه السلام فقد حج واعتمر ، قال : قلت : يطرح عنه حجة الاسلام قال : لا، هي حجة الضعيف حتى يقوى ويحج إلى بيت الله الحرام ، أما علمت أن البيت يطوف به كل يوم سبعون ألف ملك حتى إذا أدركهم الليل صعدوا ونزلوا غيرهم فطافوا بالبيت حتى الصباح ، وإن الحسين عليه السلام لأكرم على الله من البيت وأنه في وقت كل صلواة لينزل عليه سبعون ألف ملك ، شعث غبر لا تقع عليهم النوبة إلى يوم القيمة ( ).

والأحاديث في فضل زيارة الحسين عليه السلام لا تحصى

• هذه الصورة الانسانية المتميزة والفريدة والرائعة التي تصنعها زيارة الحسين عليه السلام في الاربعين والتي ليس لها مثل لا في تاريخ الارض ولا في جغرافيتها غير العراق. 

• هذه الصورة على كل ما فيها من بذل في المال والأنفس والثمرات وعطاء عاطفي متين ومودة صادقة يندر وصفها لآل محمد صلوات الله عليهم عموما  والحسين عليه السلام خصوصا لا زالت في ابسط أحوالها لا زالت لم تستثمر لما اراد الله تعالى منها ولا زالت لم تستثمر لما يمكن ان تكون عليه لصالح اهداف الحسين عليه السلام في نهضته.اذ الحسين امتداد للانبياء وحياة لاهدافهم على الارض، وهي بغض الظلم ونبذ الظالمين وفق خيارات النموذج  المعصوم من بني البشر.

4- زيارة الاربعين استثمار في الغايات السامية:

اولا- زيارة الاربعين مظهر للعطاء والبذل:

 

العراقيون على الخصوص من اكثر سكان الارض تطوعا للبذل في مناسبات اهل البيت عليهم السلام ، ويشهد بذلك القاصي والداني ، ويظهر ذلك جليا في زيارة الاربعين على الخصوص ، فلابد لكل عراقي تقريبا ؛ من ان يكون اما صاحب موكب يخدم الزائرين ، او يضيفهم في منزله ، وفي ذلك تسابق مشهود بين العوائل العراقية على استضافة الزائرين ، او يكون صاحب بذل في المطعم والمشرب المقدم الى الزوار على طول طرق تبلغ مئات الكيلومترات الى كربلاء ، ويتفنن الطباخون الذين يخدمون الزوار بحيث تقدم الذ وأشهى الاكلات وأشهى المشروبات في العالم ... وهناك صنوف من البذل لم نعرفها في السابق صارت تقدم اليوم للزوار، كتقديم خدمات الاتصال الاليكتروني بالأهل للزائرين بل بلغ الامر من الخدمة حتى في صبغ احذيتهم.

في العالم ؛ تبلغ ثقافة العطاء والبذل الفطرية عند الشيعة ذروتها ، حيث سجلوا اروع الامثلة للبذل والتضحية في زيارتهم للحسين عليه السلام .. حيث يبذلون الوقت والجهد والمال وحتى الانفس ، حيث هناك احتمال حقيقي لان يتعرضوا الآن لعمليات ارهابية تفجيرية او انتحارية من قبل اعداء الله التكفيريين ، ومع هذا تستمر المسيرة الى الحسين عليه السلام بإصرار ، وقد فقد المئات من الشيعة ارواحهم في طريق كربلاء وسامراء وغيرهما.

وهاك هذه الايام ايام الاربعين لترى رؤيا العين نوع ومقدار البذل والعطاء من اجل الحسين عليه السلام ، وفي كل انواع التضحيات وكل صنوف البذل والعطاء.

المطلوب مؤسسة باسم الاربعين تستثمر هذا العطاء بصندوق تشرف عليه نخبة من المعروفين بالنزاهة والعفاف من كل المواكب في عموم العراق في هيئة خاصة لتشرف على صندوق استثماري يدفع فيه كل زائر هدية الاربعين ( مبلغ نقدي من المال) للتوجه امواله لمؤسسات خيرية للحشد الشعبي وشهدائهم وعوائلهم او لتشغيل العاطلين او ربما في تطور لدعم مجاهدي المرجعية ليكونوا جيشا عقائديا تمهيدا لجيش الامام عجل الله فرجه الشريف .

ثانيا : مقرات على خارطة السالكين الى الحسين عليه السلام:

• توزع على طول خارطة السالكين الى الحسين مقرات ثقافية تزود الزائرين بالثقافة الاسلامية والتوعية الشاملة خصوصا التوعية الحسينية ليكتسب الزائر وعيا بمهام النهضة الحسينية وأهدافها في العمق ، ولابد من التوعية الامنية والتوعية بماهية شعائر الحسين عليه السلام وفلسفتها

• لابد ان يفكر الامامية اليوم وليس غدا  وعلى كل المستويات العلمية والقيادات الاجتماعية في اعادة الثقة بثقافة العطاء في النفس والمال وأنهم بصدد استقبال ثائر عالمي ( ارواحنا له الفداء) لابد خارج ولو بقي يوم واحد من عمر الارض.

• ولابد ان يعلم الامامية انهم مستهدفون من كل القوى الاستكبارية في العالم استهداف وجودي فلابد من التوعية بالتلاحم والتوحد ونبذ الخلافات والتعالي على الجراح والمشاكل ، وضرورة التعرف على اعداء الله عقيدة ( التولي للأولياء الله والتبري من اعداء الله)

• توعية الزائرين بالأعداد المتزايدة من الارامل والأيتام ، وتنشيط الشعور بالمسؤولية  الوطنية والاجتماعية اتجاههم .

• واخيرا اقل ما يمكن فعله في تلك المقرات تشجع السالكين في طرق الحسين على الذكر  اثناء السير واهميه الاكثار من الصلاة على محمد وال محمد ، لان لذلك اثار طيبة على الزائرين وعلى البلد عموما.

ثالثا- الاهتمام المرجعي بزيارة الاربعين

كل النشطات العملاقة التي قامت وتقوم في زيارة الاربعين وعلى قدر عظمتها منذ ان عرفت في التاريخ والى الان ؛ هي نشطات وجهود وعطاءات  فردية لأنصار اهل البيت صلوات الله عليهم ما كان  لأحد من المراجع او المسؤولين ان يوجهها او يشارك في اظهار تلك النشاطات .

ما المانع من ان تستثمر تلك النشاطات من قبل العقول الورعة في ايجاد دراسات في تلك الظاهرة الفريدة في العالم وعلى كل اتجاه ، ربما تبدأ اولا بمؤتمر للمواكب الحسينية ولتكوين مؤسسة مرجعية للمواكب من اجل تنظيم افضل والتعاهد على ابقاء خلق الاربعين دائم بين اتباع اهل البيت عليهم السلام( اختزان فيض رحمة الاربعين في النفوس) :

- لإنشاء رابطة للمواكب الحسينية لتحسين الاداء وضغط النفقات وتوجيه الزائد منها  لصالح المحتاجين من ابناء الطائفة ومجاهديها

- لإنشاء معهد او مدرسة لتدريس المرشحين من المواكب لإدارتها بشكل افضل او للدراسات الخاصة بظاهرة زيارة الاربعين. 

 

 

التعليقات
تغيير الرمز
تعليقات فيسبوك