الـتـفـكـك الأسـري


أعشاش تهدمت وصغار تبعثرت

تحقيق: محمـد اليساري ــ تحرير: فضل الشريفي 

انتشروا في الشوارع والأزقة كالفراشات، يبحثون عن لقمة العيش وسط قساوة الحياة ومرارتها، لم يكونوا كإقرانهم فثيابهم رثة وإمارات البؤس تعلو وجوههم، فرض عليهم ان ينهضوا بأعباء ثقيلة أرهقت كواهلهم، وهم ما زالوا براعم صغيرة لم تشتد أعوادها بعد.

أطفال حرموا من دفء الأسرة ورعايتها بسبب المشاكل الاسرية فوجدوا أنفسهم بلا مصير واضح وغدوا قصصا مأساوية يحيكها الواقع لنا باستمرار،مجلة (الروضة الحسينية)اهتمت بموضوعهم وأعدتحولهم التحقيق التالي.

استاذ العلوم التربوية والنفسية بجامعة كربلاء، الدكتور عدي الجراح تحدث عن مفهوم التفكك الاسري وكيفية معالجته قائلا"يمكن تعريف التفكك الأسري بأنه فشل واحد أوأكثر من أعضاء الأسرة في القيام بواجباته نحو افراد الأسرة ممايؤدي إلى ضعف العلاقات وحدوث التوترات بين أفرادها، وهذا يفضي إلى انفراط عقد الاسرة وانحلالها، كما يمكن القول انه وجود مشاكل تحول دون ان يكون هناك وئام اسري مما يؤدي الى الطلاق او قد يحدث التفكك الاسري نتيجة وفاة احد الابوين او قد يكون البعد الاقتصادي سببا في تفكك الأسرة".

وأضاف"للتفكك الأسري عدة انماط، منها: تفكك أسري جزئي ناتج عن حالات الانفصال والهجرالمتقطع، وتفكك أسري كلي ناتج عن الطلاق أوالوفاة أوالانتحارأوقتل أحد الزوجين أوكليهما، كما يوجدتصنيف آخرللتفكك الأسري هو التفكك النفسي الناتج عن حالات النزاع المستمربين أفراد الأسرة وبخاصة الوالدين".

وألمح الجراح" ان حماية الأسر من هذه الظاهرة تستوجب ان نسلك طريق التوجيه والوعظ والإرشاد، وهذا الامر تتبناه المؤسسات الدينية التي تتولى النصح والإرشاد وتقديم المشورة فالخطيب الحسيني او المتصدي للمنبر عليه ان يستفيض من روايات وفكر أهل البيت (عليهم السلام) التي تتناول الجوانب الاسرية والتربوية، وكذلك المؤسسات التربوية كالمدارس والمعاهد والجامعات التي عليها ان تضطلع بدورها التربوي والتعليمي والتوجيهي بهذا المجال، وعلى وسائل الإعلام ان تتحمل جزء من المسؤولية خصوصاً القنوات الفضائية التربوية التي يجب عليها ان تأخذ على عاتقها بث الوعظ والإرشاد بين افراد المجتمع، وكذلك بيان الاثار السلبية الناجمة عن التفكك الأسري وعرض حلقات ارشادية تربوية تفيد في تماسك الأسر، وتقلل الخلافات بين الأفراد، وتنشر ثقافة التحاور واحترام الآخر بين افراد البيت الواحد وبالتالي تشيع ثقافة عامة في المجتمع". 

الانفتاح الإعلامي والفكري غير الواعي كان له الأثر السلبي على تماسك الأسرة

الاستشارية بمركز الإرشاد الأسري في العتبة الحسينية المقدسة،آيات محمود تحدثت عن أسباب التفكك الأسري قائلة"للتفكك الأسري عدة اسباب تتمثل في ضعف الوازع الديني للوالدين وابتعادهما عن منهج أهل البيت الاطهار (عليهم السلام)، كذلك غياب النموذج الصالح الذي هو أهم الأسس في التربية سواء كان النموذج الخارجيكربطهم بسيرة أهل البيت (عليهم السلام) أو النموذج الأسري كوجود الأب المحب المتفاني ووجود الأم المحبة الملتزمة، وكذلك الانفتاح الفكري والإعلامي الذي مثل غزواً فكرياً أدى إلى استلام معلومات خاطئة او غير مناسبة لمجتمعنا،وبالتالي انعدمت الاجواء الأسرية داخل الأسرة، فكل فرد مشغول بأموره الخاصة دون الآخرين، والتي قد تؤدي في بعض الاحيان إلى الاضطرابات النفسية لأحد الوالدين او لكليهما".

وتابعت" ان لغياب الأب المستمر عن المنزل وخروج الأم للعمل أيضا الاثر البالغ في زيادة الهوة بين افراد الأسرة، بالإضافة إلى تدني مستوى الوعي لدى الزوجين يكون له انعكاسا سلبيا على مستقبل الأسرة، كما ان التباين الفكري والثقافي للوالدين في بعض الأحيان يكون سببا في ابتعاد الابوين عن بعضهما وعن الأولاد وهو ما يؤدي الى جهل الوالدين بخصائص نمو أولادهم فلكل مرحلة عمرية حاجاتها ومتطلباتها التي تتصف بها،والتي لابد للوالدين ان يكونوا على دراية بها".

نجاح الزواج وتماسك الأسرة يتوقف على الوعي وفهم طبيعة الحياة الزوجية

فيما تطرقت الاستشارية الإرشاد الأسري ،رفاه الحكيم إلى آثار التفككالأسري قائلة"للتفكك الأسري آثار كثيرة تظهر جلية على الابناء منها القلق والتوتر وعدم الشعور بالأمان والغضب والتأخر الدراسي،وبالتالي يؤدي ذلك الى الانحرافمما يتسبب بحوادث السرقات أو الجرائم بأنواعها، كذلك ظهور العديد من المشاكل الاجتماعية، كون ان الأسرة نواة المجتمع واللبنة الأساسية فيه".

وبينت"لعلاج مشكلة التفكك الاسري لابد من العمل على مستويين،الأول،علىمستوى الفردويتمثل بالوقاية، وذلك يتم من خلال الاختيار السليم لشريك الحياة، والذي يكون على أسس سليمة ومتينة لا لأسباب وطموحات واهية سرعان ما يظهر تصدعها،فالزواج المبني على أسس سليمة يدوم وينجح،كونه مبني على الوعي وفهم طبيعة الحياة الزوجية حيث تصان فيه الحقوق والواجبات المتبادلة ويسوده الحب والاحترام والتسامح والعلاقات الطيبة بين الزوجين، ويقوم على زرع القيم الدينية السليمة في نفوس الابناء والتواصل العاطفي والعقلي معهم،وإتباع الأساليب التربوية السليمة في تنشئة الاطفال، اما المستوى الثاني فيكون على صعيد المجتمع، فنحن بحاجة أيضاً إلى تكامل جهود ومؤسسات المجتمع للتصدي لأسباب التفكك الأسري ومنها دور وسائل الإعلام الوقائي والعلاجي، ودور المؤسسات التربوية والتعليمية ومؤسسات المجتمع المختلفة، وإن تكامل هذهالجهودمنشأنهتكوينبيئةاجتماعيةمساندةللأسرةفي مواجهة التحديات ويقللمنأثر التفكك في اسرنا العراقية".

تفكك الأسرة يخلق شخصية ضعيفة ومتمردة على القيم  

 الأستاذ سعود عبد المنعم، تربوي،تحدث عن الجانب الاقتصادي وأثره المباشر على الحياة الأسرية، قائلا"المعلوم ان المشكلة التي تعاني منها اكثر الأسر، والتي تكون سبب مباشر في كثير من حالات التفكك الاسري هي موضوع الجانب الاقتصادي لرب الاسرة والمقصود به الدخل المادي الذي لا يسد احتياجات الأسرة ولا الايفاء بمتطلباتها، بالتالي تنعكس هذه المشكلة  انعكاسا سلبيا على الاطفال وعلى وضعهم النفسي وسلوكهم وتصرفاتهم، خصوصاً ونحن نلمس التفاوت الطبقي الحاد في المجتمع، ولأن الطفل او الابناء في مرحلة المراهقة ليس بإمكانهم  ان يتفهموا الامور بشكل دقيق،وهم ينظرون إلى زملائهم في المدرسة وهم ينعمون بالحياة الهانئة ويرتدون افضل الملابس ولديهم المصروف اليومي الوفير بينما هم يعانون من العوز وضيق المعيشة والتقتير في المصروف مما يؤدي إلى انعكاسات سلبية واضحة على تصرفاتهم وقراراتهم، ونجدهم يفتعلون المشاكل لأتفهالأسباب، بسبب تراكمية الضغوط النفسية لديهم وعدم وقوف الآباء معهم وإفهامهم للأمور ومحاولة وضع حلول لها، وهذا يتوقف على  مدى ثقافة الابوين ومقدرتهم على ادارة الازمات".

وحول انعكاسات التفكك الأسري على الطالب،أوضح عبد المنعم"ظاهرة التفكك الأسري تؤدي إلى ضعف أوتدني في مستوى الطالب الدراسي نظراً لعدم وجود الاهتمام والمتابعة والنصح والتوجيه والإرشاد منقبل الأسرة، كذلك إنه يضعف شخصية الطالب،ويؤدي إلى الابتعاد عن الجو الأسري والبحث عن جو خارجي مثل الأصدقاء، ويعتبرهم ملجئ في حل مشكلاته، كما انه يعطي نتائج سلبية في سلوك الطالب فيجعله متمرد على القيم ويجعله شخص غير مرغوب فيه".

وبين" الدور التربوي في هذا الموضوع يتمثل في الاشراف والتوجيه بشكل دقيق للتلاميذ وضرورة زيادة الوعي الديني والأخلاقيوالاجتماعي، والتركيز على السلوكيات العامة، والتوجيه المستمر بهذا الخصوص، كما ان مسألة علاج السلوك لدى الابناء تكمن في تضافر الجهود والتعاون بين المدرسة والبيت، فلا يتم العلاج من طرف واحد دون ان يكون هناك تعاون بين الطرفين فالمدرسة لا يمكنها توفير كافة العلاجات لوحدها".

قصص واقعية

المواطن (ع .س)"تشاجر جاري مع زوجته كالعادة وبدأ صياحهما يعلو وفي يوم من الايام تأزمت العلاقة  بينهما فتطلقا رغم مضي سنوات عديدة على زواجهما وإنجابهما أربعة أطفال، بعد ذلك بفترة وجيزة تزوج الأب من امرأة أخرى تاركا أطفاله بصحبة أمهم يواجهون معترك الحياة وقساوة العيش ومنذ ذلك الحين لم يعد الأب يسأل عن أبنائه ابدا".

الطفل براء، 8 سنين"توفي والدي بانفجار سيارة مفخخة، وليس لي إلا  أمي وأخوتي الذين يصغروني سنا، ونحن بدون معيل لذا اجوب الشوارع والمدن لعلي اعتاش من بيع المناديل الورقية والحاجات الأخرى، تركت مدرستي رغم عشقي لها لعدم قدرتي على التفرغ للدوام ولانشغالي بإعالة أسرتي".

وأضاف براء"أعتصر شوقا للعودة الى المدرسة خصوصا حينما أرى التلاميذ في الشارع يرتدون زيهم الدراسي ويحملون حقائبهم المدرسية". 

(م.ع) موظفة" زوجي هجرني وأطفالي وتزوج بامرأة أخرى ولم يعد ينفق علينا ولم يزرنا ويطلع على حالنا، وليس لي الا مرتبي المتواضع، يسألني أطفالي بين الحين والآخر عن سبب غياب والدهم عن المنزل، وأنا على هذا الحال منذ فترة طويلة، أتمنى ان يعود زوجي الى رشده ويتذكر زوجته وأطفاله فهم بحاجة ماسة اليه، كما أني بصراحة أخشى عليهم من الانحراف والضياع لذا ارجو ان لا يكون والدهم سببا في ذلك".  

 

التعليقات
تغيير الرمز
تعليقات فيسبوك