انتشى بجرعة أخرى، أعطى لذهنه حالة من الاسترخاء الواهم ومضى يفعل ذلك مرارا وتكرارا، في نهاية المطاف وجد نفسه راقد في أحدى المستشفيات يعاني من أمراض شتى، وهو في حالة بائسة حينها ندم كثيرا ولكن الاوان قد فات.
المخدرات موت خفي يخطف شبابنا ويهدد أسرنا ويتسبب في احداث نتائج وخيمة على المجتمع بصورة عامة، مجلة (الروضة الحسينية) اهتمت بمتابعة ابعاد الموضوع وخطره، وأجرت حوله التحقيق التالي.
ضعف الرقابة الأسرية والاجتماعية أدى الى انحراف الشباب
الباحث والاستشاري في مركز الارشاد الأسري، الدكتور عزيز كاظم نايف تحدث عن خطر الظاهرة، وكيفية معالجتها قائلا" تعتبر ظاهرة المخدرات آفة العصر وخطر يهدد المجتمع لذا ينبغي ان تتوافر السبل الكفيلة لردعه، ويمكن اجمال اسباب شيوع هذه الظاهرة بالآتي: ضعف التربية الايمانية فالوازع الديني اساس للحد من انتشار هذه الظاهرة، والبطالة و قلة توفر فرص عمل للشباب هي من الامور التي تدفع الشباب لتناول المخدرات، لاعتقادهم انها تغيب عقلهم لفترة وتمنحهم حالة من الانتعاش غير العقلاني، ولأصدقاء السوء دور في انتشارها، وان قلة اماكن الانشطة الترفيهية والرياضية ونوادي الشباب والمنتديات الثقافية وغيرها تدفع الشباب الى اللجوء الى اماكن اخرى غير مرخصة، يتم فيها استدراج الشباب لتناول المخدرات، وكذلك ضعف الرقابة الاجتماعية والأسرية على الشباب يمكن ان يستغل في انحراف الشباب واقناعهم بتعاطي المخدرات، وضعف سيطرة الاجهزة الامنية على منافذ الحدود للبلد، ومن المحتمل جدا وجود عصابات منظمة لديها اهداف محددة تروج لهذه الظاهرة، وذلك لأسباب اقتصادية او سياسية، ناهيك عن تأثير وسائل الاتصال الحديثة التي تبث الافلام ومقاطع الفيديو التي تشجع على انتشار هذه الظاهرة".
وأضاف" ان الاسباب التي ذكرناها لها دور اساس في دفع الشباب ولاسيما الذي لديه وقت فراغ طويل نحو الانحدار التدريجي لتعاطي المخدرات، فضلا عن ان بعض الشباب يعاقب ذاته بهذا العمل لنتيجة تعرضه للإحباطات المتراكمة التي لا يستطيع ان يجد لها مخرجا او حلا يرضيه".
وأجمل الباحث المعالجات لهذه الظاهرة قائلا" ان السبل الكفيلة للتخلص من هذه الظاهرة هو بإيجاد دراسة ميدانية لها، والوقوف على اسبابها بدقة من خلال الاستعانة بالمختصين بهذا المجال، ومعرفة الاسباب هي الطريق الامثل للحل، وتفعيل دور الرقابة المجتمعية على هذه الظاهرة، ومعرفة اماكن انتشارها للحد منها واستئصالها، وإيجاد فرص عمل للشباب، فضياع الوقت وكثرة اوقات الفراغ عامل اساس في شيوعها كما ذكرنا، وفتح مراكز ثقافية تملئ اوقات الفراغ لدى الشباب، وتوفير بيئة سليمة وايجابية للحد من هذه الظاهرة، وتفعيل دور التوعية الدينية للشباب من خلال المجالس الحسينية والزيارات المليونية للمدينة اي التثقيف الايجابي ودفع الشباب نحو العمل وبناء ذواتهم بعيدا عن مخاطر الادمان، وضبط الحدود الخارجية مع دول الجوار، وتفعيل القوانين الرادعة والفورية للمخالفين من أجل الحد من تهريب المخدرات للبد، وتنشيط الرقابة الذاتية في مؤسسات السياحة، ومتابعة الحالات المشكوك فيها والابلاغ عنها".
آثار نفسية وخيمة وأمراض متعددة
طبيب الامراض النفسية، الدكتور شيت احمد تحدث عن الاثار الصحية والنفسية لتعاطي المخدرات قائلا" ان الاثار الصحية لتعاطي المخدرات كثيرة منها: المضاعفات العضوية، وسوء التغذية الذي يؤدي الى قلة المناعة والتعرض للإصابة بالأمراض المعدية والانفلونزا الموسمية، وذات الرئة والتدرن الرئوي، والتهاب الكبدي الفيروسي، والايدز وتشمع الكبد ومضاعفاته، والتهاب المعدة وقرحتها، والتهاب البنكرياس، وكذلك امراض القلب والشرايين والجلطة القلبية، وارتفاع الضغط، وتدهور القابليات الذهنية وقلة التركيز والنسيان،اي الخرف المبكر (الزهايمر) نتيجة ضمور الخلايا الدماغية، وكذلك التهاب الاعصاب المحيطة، وضمور عضلات الرئة، والصداع والدوار، و التهاب العصب البصري المفضي الى العمى".
وعن تأثير المخدرات على الجانب النفسي والاجتماعي قال" ان تعاطي المخدرات يؤدي الى العنف والسلوك العدواني، والقلق النفسي، والكآبة، والهلوسة البصرية والسمعية، ويتسبب في المشاكل الزوجية والتفكك الاسري، وانعدام التواصل العاطفي والاجتماعي، وعدم الالتزام بالقيم والإرشادات البيئية كما انه يؤدي الى الطلاق وقد ينتهي بالقتل او الانتحار".
مدير مكافحة المخدرات، العقيد الحقوقي لقمان عبد الحسن العبودي تحدث عن كيفية مكافحة الظاهرة قائلا" اتسعت ظاهرة المخدرات في المناطق الحدودية والمناطق التي يسيطر عليها الارهاب فالإرهاب والمخدرات وجهان لعملة واحدة، وان دائرتنا منذ تشكيلها تسعى للحد من هذه الظاهرة، وتعمل بجد للقضاء عليها في محافظة كربلاء، لكننا بحاجة الى تفعيل الدور الوقائي من قبل المجتمع والدوائر والمؤسسات كالمؤسسات الرياضية والتعليمية وغيرها، فضلا عن دور رجل الدين، وبتعاضد جهود الجميع يمكن حماية شبابنا من مخاطر هذه الظاهرة الخطرة".
وبين" علينا ان نفرق بين المتعاطي للمخدرات وبين تاجر المخدرات، فالمتعاطي هو مريض يعاني من ضغطا نفسيا او انه تعرض الى الاحباط، لذا يتعاطى المخدرات هروبا مما يمر به من اوضاع سيئة، وقد يلجئ للانتحار، و القانون يعاقب كل من حرض المتعاطي على اللجوء الى هذه العادة السيئة والخطرة".
وأوضح العبودي" لدينا خطة عمل سنوية، ففي عام 2015 انجزنا ما كان مخطط له خلال سنة، وفي عام 2016 لدينا خطة عمل متكاملة، حيث وزعنا الواجبات والمهام على الضباط والمنتسبين، ونأمل ان نتقدم نحو الأفضل في سبيل مكافحة هذه الظاهرة".
وختم" هنالك مراكز وأماكن ترفيهية تعتبر حاضنة لانتشار هذه الظاهرة كالمقاهي والكازيونات وبعض المراكز الرياضية، وتعد باب واسع من ابواب انتشار المخدرات، فهذه الجهات والمراكز اذا لم تبنى على أسس سليمة، ولم يكن لها هدف مدروس سيكون لها نتائج سلبية تنعكس على الواقع، وتساهم في انحراف الشباب".
عقوبة تاجر المخدرات اشد من عقوبة المتعاطي لها
قاضي محكمة تحقيق كربلاء، محمد ميري العلي تحدث عن القوانين والعقوبات الرادعة لهذه الظاهرة قائلا" هناك مكتب خاص في كل محافظة من محافظات العراق كافة ومن ضمنها محافظة كربلاء المقدسة معني بالتحقيق في جرائم المخدرات التي انتشرت بعد سقوط النظام السابق، وقد ظهرت في بادئ الامر في المحافظات الحدودية ومن ثم تسللت الى المحافظات الوسطى والمحافظات الأخرى".
وبين" ان قرار رقم (39) لسنة 1994 هو المعني بمسألة تعاطي المخدرات ومعاقبة الذين يتعاطون المخدرات بعد اجراء الفحص على المادة المضبوطة، وهناك انواع من المخدرات بعضها يمكن تعاطيها لكونها تتعلق بالأملاح الكيميائية التي تستخدم كدواء وهو لا يصرف إلا بوصفة طبية، وهناك النوع الآخر من المخدرات وهو عبارة عن أفيون او كريستال او مواد اخرى تم منعها".
وأضاف العلي" ان قانون المخدرات رقم(68) لسنة 1965 وتعديلاته وهو القانون المعني بالتطبيق على الواقعة الجرمية التي تحدث الا ان قرار رقم (39) لسنة 1994 يعتبر قرارا خاصا، وحكم الخاص يقيد العام باعتبار ان العقوبة فيه أشد، وان المادة القانونية تنص على ان من ثبتت عليه تهمة تعاطي المخدرات لا يحق له اللجوء الى الكفالة، وتتم احالته مخفورا الى محكمة الجنايات، وهي سلطة مختصة بإصدار قرار الادانة والعقوبة ضد الاشخاص الذين يتعاطون المخدرات، او الذين يتاجرون بها وهنالك فرق في نوع العقوبة الموجهة الى متعاطي المخدرات والمتاجر بها حيث تصل عقوبة المتاجرة الى السجن خمسة عشر سنة، أما المتعاطي فيعاقب بعقوبة لا تقل عن ثلاث سنوات، وإذا كرر الجاني تعاطيه المخدرات يعاقب بالسجن لمدة خمس سنوات".
اضرار ومفاسد كثيرة وحرمة شديدة
مسؤول البحوث والدراسات في قسم الشؤون الدينية في العتبة الحسينية المقدسة، الشيخ مقداد الربيعي تحدث عن الاضرار والمفاسد الناجمة عن تعاطي المخدرات والحكم الشرعي الخاص بتعاطيها" لا يخفى ان الإسلام شمل ووسع كل نواحي الحياة، وان كل التصرفات والسلوكيات التي يقوم به الفرد يكون للإسلام فيها حكما واضحا وصريحا، ومن ضمن هذه السلوكيات هي السلوكيات المستحدثة التي ابتلي بها مجتمعنا في الآونة الاخيرة وهي ظاهرة انتشار تعاطي وتجارة المخدرات، وقد اتفق علماء الإمامية وغيرهم على حرمة تعاطي المخدرات، وحرمة التجارة بها وحكمها حكم الخمور ونحوها".
ونوه" نود ان نشير الى قضية لها مساس بعقيدة المسلم وهي ان الاحكام الشرعية انما بنيت على المصالح والمفاسد، فالإسلام لم يحث على امر ويطلب تحقيقه من المكلف الا وللمكلف فيه مصلحة، ولم يزجر او ينهى عن امر الا وللمكلف فيه مفسدة وضرر، وبما ان الآيات الكريمة والأحاديث الشريفة قد نهت عن المسكر ولم تنهى عن الخمر بما هو خمر وإنما نهت عن الخمر بما هو مسكر، وبالتالي فقد نهت عن كل مسكر بما يشمل المخدرات".
تعطيل القوى البشرية
الإعلامي، مالك الجبوري تحدث عن خطر الظاهرة على المجتمع قائلا" تعتبر جرائم المخدرات من الجرائم الخطرة والأكثر تأثيراً على الفرد والمجتمع حيث تنتشر العصابات التي تبذل كل ما في وسعها لممارسة تجارة المخدرات وكسب المزيد من المال، ناهيك عن ان أعداد متعاطي المخدرات في ازدياد، كما ان تعاطي المخدرات يسبب تعطيلا للقوى البشرية وخاصة الشبابية لانتشارها الواسع بينهم".
وألمح" لعل المتتبع لتطورات المجتمع العراقي يرى ان هذه الظاهرة ليست من سمات مجتمعنا بل هي وافدة غريبة عليه كظاهرة اجتماعية، لكنها موجودة كحالات فردية منذ عقود خلت بسبب التثاقف بين المجتمعات المختلفة، وان من اسباب انتشار هذه الظاهرة هي الاوضاع التي مر به العراق منذ سبعينات القرن الماضي من تطورات سياسية ومشكلات محلية وحروب اقليمية ودولية قام بها النظام البائد، وقد عصفت بالمجتمع العراقي، وعملت على زرع عادات وقيم غريبة على مجتمعنا الشرقي المحافظ، الامر الذي مهد لشعور الشباب بضياع احلامهم ومستقبلهم، لاسيما أبان الحصار الاقتصادي القاسي، وعجزهم عن مواجهة حالة الضياع، فكان التعويض بالانحراف وتعاطي المخدرات وحبوب الهلوسة لذلك انتعش الفساد في اوساط مهمة".
وأكمل الجبوري" يرى أكاديميون ومثقفون أن الإعلام وأساليبه الحديثة والمتطورة تعد من الوسائل الناجعة التي يمكن توظيفها في التصدي لخطر المخدرات على الجانبين الوقائي والعلاجي، خصوصا ان المخدرات آفة تنتشر بسرعة كسريان النار في الهشيم بين الأجيال الشابة، وإذا لم يتم القضاء عليها والحد من انتشارها فسنفقد اللبنة الأساسية لبناء الوطن، وقبل أن نحكم عليها بأنها ظاهرة وجب علينا جميعا الاهتمام بها كمشكلة خطيرة يجب دراستها من جميع الجوانب، وقياس مدى تفاقمها وطرح الحلول المناسبة لها، ويجب على وسائل الإعلام لفت انتباه المجتمع وأفراده بأساليب إيحائية وتقديم صورة واضحة للواقع المعاش، من خلال استغلال الإمكانات الفنية والتقنية والكوادر البشرية المؤهلة للاستخدام الأمثل في كتابة المقالات والتحقيقات الصحفية، وإنتاج البرامج الوثائقية والدرامية، وعرض المسرحيات الهادفة، ونقل الندوات والمؤتمرات العلمية ذات الصلة بهذه الظاهرة، وفتح حوارات مع متناولي المخدرات لاستعراض تجاربهم في كيفية بدء الانجراف في هذا المستنقع والاستغلال السيئ للمدمنين، كما يمكن الاستفادة من الأطباء والباحثين في إرشاد وتعزيز وعي أفراد المجتمع بأهمية تجنبها، وإيجاد حلول عاجلة لحماية الأسرة والمجتمع".
أناشد أرباب الأسر والسلطات بأن يضعوا حدا لهذه الظاهرة
المواطن عباس تايه ناشد المعنيين بمكافحة هذه الظاهرة قائلا" ان ظاهرة تعاطي المخدرات منتشرة في مناطقنا ولاحظنا انها تسببت بالكثير من حوادث السير وغيرها من الحوادث المؤسفة، لذلك اطالب الحكومة المركزية والحكومة المحلية بردع الشباب الذين يتعاطون المخدرات".
وأردف" ان بعض الشباب يستغلون فرصة خروجهم من المنزل بعد منتصف الليل لممارسة تعاطي المخدرات، ولا يوجد احد يمنعهم سواء من قبل أرباب الاسر او من قبل دوريات الشرطة، ومن خلالكم اناشد الآباء بان يخذوا الحيطة والحذر اتجاه أبنائهم، و أدعو مراكز الشرطة الى عدم التهاون مع هكذا قضايا وأحداث تهدد أمن المجتمع".
تحقيق: عماد بعوــ تحرير فضل الشريفي