من الباحثين الساعين في توثيق كل حادثة تمر على مدينة كربلاء المقدسة الباحث (سعيد رشيد زميزم) الذي يتحدث الى (موقع الإمام الحسين (عليه السلام) الدولي) عن مجمل ما وثقه من احداث تاريخية لمدينة كربلاء وعن تراثها الانساني والفلكلوري والديني والثقافي، وسعيد رشيد زميزم باحث ومؤلف يشغل اليوم منصب مسؤول شعبة التوثيق في قسم متحف الإمام الحسين (عليه السلام) التابع للعتبة الحسينية المقدسة.
وُلد زميزم في كربلاء سنة 1951م، ونشأ فيها ودخل مدارسها بمراحلها الثلاث ثم سافر الى بغداد لإكمال دراسته الجامعية وقد جمع بين الدراسة والعمل التجاري فهو من اسرة اشتغلت بالتجارة ثم تفرغ للعمل مع والده الذي كان يُعد من مثقفي كربلاء، كما كانت لديه مكتبة ضخمة بأكثر من 2800 عنوانا وكانت تلك المكتبة خيرُ تركةٍ علميةٍ قد ورثها من ابيه، فمنها تعلم الكثير واعتبرها الاساس في انطلاقته كمؤلف، وكذلك في استحصاله على المعلومات القيّمة عن مدينة كربلاء وعن الثورة الحسينية المباركة وعن كل ما يخص العراق.
ويقول زميزم ولدت في محلة باب الخان التي تعتبر من اهم مناطق كربلاء القديمة، لتراثها الشعبي ومواقف رجالها وإقامة الشعائر الحسينية فيها، وترعرعت في كنف والدي (رحمه الله) الذي كان له دورا اساسيا في تقويم توجهاتي الفكرية منذ نعومة اظافري، ويسردُ قصةً ربما اجترتها ذاكرته التي اعدناهُ بها الى نصف قرن او يزيد على ذلك الى حادثة جرت مع والده، فيقول: "كنتُ في مقتبل العمر حينما طرأت عليّ فكرة التأليف وتوثيق الاحداث فكنت اسمع وأدوّن وألتقي بالكثير من الشخصيات المعتبرة في المدينة وكان ذلك في ستينيات القرن المنصرم، وأتذكر كنتُ في صف الخامس الابتدائي حينذاك حين قُلت لوالدي: (أبي أريد ان اكونَ مؤلفا)، فتبسمَ وأخرج من جيبه (خمس وعشرون فلساً) وقال لي: (اذهب واشتري ورقا وقلما وستصبح ان شاء الله من خيرة الكُتّاب، ويعرضون صورك في الجريدة والتلفزيون)، ويصف زميزم هذه الذكرى بـ "انها تخللت دعوة مباركة من والده".
مكتبة زميزم
تقع مكتبة المؤرخ سعيد رشيد زميزم في منزله في حي الموظفين في كربلاء فهي تركه من والده إضافة الى مئات الكتب التي اقتناها وابتاعها من دور النشر في مختلف دول العالم، فمكتبته تحتوي على أكثر من عشرة آلاف عنوان، تحتوي على كتب التاريخ والفكر الإسلامي مثل مؤلفات الدكتور علي الوردي وعبد الرزاق الحسني ورشيد الخيون والدكتور انطوان بارا وغيرهم من عمالقة الفكر، كذلك تحتوي على كتب الرحلات وتقريباً معظم ما طبع منها عن العراق وتحتوي أيضاً على كتب المستشرقين وتراجمهم وما ذكروه عن العراق أيضاً كما تحتوي على عدد كبير من مذكرات الوزراء ورؤساء الوزراء وقادة الجيش والدراسات عنهم، فكربلاء تحتل مكانة مميزة في قلب زميزم لذا خصص لها صاحبها مكتبة منمقة جميلة خاصة لكل ما صدر عن كربلاء من كتب مجلدة وكتب ورقية وكتيبات ومجلات, وبعض الرسائل الجامعية التي تناولتها.
اي فترة تأثر فيها زميزم؟
فترة الستينات من القرن المنصرم كان لها دور كبير في حياة البحث والتقصي وجمع المعلومات لكثرة سفرياتي مع والدي الى لبنان والى سوريا وخصوصا المكتبات التي قطعت فيها اياما طويلة بين جمع وابتياع الكتب والانهمار في القراءة وكان اكثر تلك الكتب عن تاريخ وحياة اهل البيت (عليهم السلام) وعن تاريخ العراق، ومن اهم ما اقتنيته حينها كتاب (مقاتل الطالبيين) و ( الكامل في التاريخ) وكتب اخرى مختلفة.
حدثنا عن مؤلفاتك؟
اول كتاب صدر لي كان سنة 1974 بعنوان: (كربلاء وثورة العشرين) بعدها في سنة 1988 صدر لي كتاب (لمحات تاريخية عن كربلاء)، واستمريت في التأليف فصدر (رجال العراق والاحتلال البريطاني) وواصلت التأليف ليومنا هذا حتى صار رصيد المؤلفات (80) كتابا ما بين مطبوع ومخطوط، وقد وصل عدد الكتب المطبوعة حوالي (42) كتابا مطبوعا في العراق وبيروت وايران، وكان من هذه الكتب تقريباً (20) كتاب متخصص في كربلاء وقسم منها متخصص في فكر وحياة الإمام الحسين (عليه السلام)..
ومن بين ما طبع لي كتاب (كربلاء والعهود الماضية) الذي اتحدث فيه عن عهود ما قبل الاسلام الى العهد الاسلامي الى العهد الاموي والى العهد البويهي والعهد السلجوقي والعهد التركماني والعهد التيموري والعهد العثماني والعهد الملكي والعهد الجمهوري وعهد الاحتلال الى يومنا هذا تناولت فيه الاحداث التاريخية واهم ما جرى في كربلاء وفيه سرد تاريخي.
كذلك كتاب (الهجمات التي تعرضت لها كربلاء عبر التاريخ) حيث طُبع في بيروت وهذا الكتاب دائما ما يطلبه الكثير من الباحثين واصحاب الرسالات العليا..
في الادب صدر (أديبات كربلاء) تناولت فيه مجموعة من شاعرات ومسرحيات وهو اصدار ادبي خاص بالنساء، أما الشعراء والادباء فقد تناولت الكثير منهم وجعلت في عدة فصول من كتاب (تاريخ كربلاء قديماً وحديثاً) منهُ لشعراء كربلاء، كما صدر ليَّ كتاب خاص عن (المدارس الدينية في كربلاء) وقد تطرقت فيه الى اصحاب الفقه والادب.. كما كان في فصول كتاب (كربلاء تاريخاً وتراثاً) جانبا كبير مما وثقت عن المؤلفين والشعراء والادباء والمواقف البطولية..
ايضاً بخصوص الرحالة صدر لي كتاب (الرحالة الذين زاروا كربلاء) ذكرت زيارتهم وماذا قالوا عن كربلاء واحداث عن زيارتهم من ضمنهم احد الصينين الذي زار العتبة الحسينية المقدسة قبل عدة سنوات حيث التقيت به وابدى اعجابه وتقديره وثناؤه على اهل كربلاء والاهتمام به..
مساعي زميزم ما هي؟
حقيقة اسعى دائما لتوثيق كل شيء عن كربلاء القداسة ولم اتوانى عن ذكر كل مجال وصعيد والبحث والتقصي سعيا في توثيق المعلومة، فقد تأثرت كثيرا بعدد من المؤلفين والكُتاب الذين جعلوا من كربلاء مادتهم في كثير من مؤلفاتهم ومنهم الدكتور علي الوردي والمرحوم السيد عبد الرزاق الحسني والدكتور عبد الله الفياض اضافة الى مجموعة من الاخوة اللبنانيين والباحثين الايرانيين اضافة الى الباحثين من كربلاء كالدكتور سلمان آل طعمة والمرحوم محمد علي الاشيقر والاستاذ علي الفتال وعبد الجواد الكليدار ومحمد حسين الكليدار ولشدة تعلقي بكربلاء وحبا بها يُطبع الآن في بيروت كتابا لي بعنوان: (قالوا في كربلاء) لِما يقارب 300 شخصية عربية واجنبية ومسيحية من طوائف وملل متعددة قالوا في كربلاء ومدارسها وشعرائها وأدباءها.. فكربلاء بيتي الآمن وملاذ كل الانفس الحائرة.
وانا اتناوش السبعين من خريف حياتي..
يقول زميزم وانا اتناوش الستين من خريف الحياة لم اجد اجمل من سنوات عمري التي قضيتها في خدمة الإمام الحسين (عليه السلام) فطيلة هذه الفترة التقيت في العتبة الحسينية المقدسة بعددٍ كبيرٍ من الوفود العربية والاسلامية والاجنبية التي شارك في مهرجان ربيع الشهادة وغيره من المهرجانات والمعارض التي اقامتها العتبة المقدسة حيث كان فيهم عدد كبيرا من الشعراء والادباء وعدد من الاخوة المسيح من لبنان وغيرها وايضاً التقيت بعدد من الشخصيات حيث كانت هذه اللقاءات مادةً حية وثقت خلالها ما قالوه عن كربلاء.
الحسين بحر بلا ساحل تتلاطم فيه الامواج وهي حائرة من أين تتجه
من اول الاهداف التي سعيتُ لتحقيقها هي توثيق احداث كربلاء وارشفتها فكانت الثمرة اقامة الكثير من المعارض في العراق وخارجه بعنوانات مختلفة كان ابرزها (الامام الحسين (عليه السلام) في كتب التاريخ والسيرة) ونشرت المعلومات لاطلاع السياح في منطقة ما بين الحرمين الشريفين رائع وبعد ذلك بدأت التقي مع المواكب والشعراء ولقاءات مع الفضائيات..
ويضيف كان وجودي بالقرب من الامام الحسين (عليه السلام) هو ما يزيد من عزيمتي ونشاطي لان اكون اكفأ من السابق لأنني اطلع على الكرامات واطلع على الولاء الحقيقي للناس وكذلك على تضامن الناس من غير المسلمين الذي يفدون الى كربلاء من خلال المؤتمرات وغيرها وتعاطفهم مع القضية الحسينية والآن بالمناسبة لديّ كتاب لطيف وجميل وفيه امور لم يسلط عليها الضوء كثيراً وهو (الامام الحسين (عليه السلام) وانصاره والمعلومات المختارة) حيث يحتوي على (117) فصل صغير عن امور نادرة.
وكانت لدي مقولة كثيرا ما ارددها وسأسرُ ان كانت مسك ختام لقائي هذا مع الموقع الرائدة في الصحافة العراقية وكذلك لتوثيق تلك المقولة المختصرة: "ان الحسين بحرٌ بلا ساحل تتلاطم فيه الامواج وهي حائرة من أين تتجه"..