قد تكون كُرة الهُلام التي تحتوي على (المادة الوراثية للاستنساخ وجزيئات دهون زيتية وأوتاد من البروتين على شكل أشواك تساعد على الالتصاق واصابة الخلايا السليمة، بحسب المختصين) قد تكون أوقفت الحياة في عشرات الدول وشلَّت الحركة في الجو والبر والبحر وتخطّت حاجز المليون اصابة في أنحاء العالم وأوقعت خسائر مالية بأرقام فلَكية، ولكن هذه الابتلاءات لا تخلو بأي شكل من الأشكال من دروس أراد الله تعالى أن نستوعبها، وعودة الى طريق هجرناه أراد الباري عز وجل أن نرعوي ونعود اليه، وهو طريق التوبة وتَرك حطام الدنيا والتفكّر بعِظَم النِعمة التي يرتبط دوامها بدوام الشُكر، لقوله تعالى (لئن شكرتم لأزيدنكم ولئن كفرتم إن عذابي لشديد).
طوال سنين عديدة ونحن نمرُّ مرور الكرام على مقولة منسوبة لأمير المؤمنين عليه السلام وهي (نعمتان مجهولتان الصحة والأمان) دون أن نتفكّر لماذا هاتين النعمتين مجهولتان فيما تُعدّان من أهم مصاديق العيش والحيوية والكرامة للانسان؟
لقد أوضحت ازمة وباء (كورونا) بشكل جدي باعتبارها ازمة عالمية غطّت آثارها على أقاصي الأرض، ان نعمة الصحة هي الوجه الآخر لقيام الانسان بواجباته تجاه نفسه والمحيطين به والمجتمع بصورة عامة لكون التمتع بالصحة للفرد يأتي ضمن سلسلة ادامة الحياة بكافة أوجهها سواء كانت شخصية او عامة.
بل ان نعمة الصحة تمتد لتشمل حالة وجود الانسان والغرض من هذا الوجود أصلاً، فتشمل صحة النفس وسلامتها التي توجب بدورها الوصول الى حالة الايمان الديني والاستقرار الاجتماعي.
فيما تشتمل النعمة الثانية (الأمان) على أوجه عديدة مثل الأمان النفسي والأمان المجتمعي، والأمان الاقتصادي والأمان الصحي فضلاً عن الأمن الذي يتوجب توفيره من الجهات المعنية وهو بالتالي يقود البلدان الى ضفة الازدهار والاستقرار والبناء الحضاري.
فما هي الدروس التي إن استوعبناها وتشبّثنا بمعانيها نكون قد تجاوزنا فتن الدنيا وآثار ابتلاءاتها؟
وفق ما جاءت به الأحاديث النبوية الشريفة والروايات المتواترة عن أئمة أهل البيت عليهم السلام، عن النبي صلى الله عليه وآله: إنّ الله يغذّي عبده المؤمن بالبلاء كما تغذّي الوالدة ولدها بالّلبن.
وعنه أيضاً: لولا ثلاثة في ابن آدم ما طأطأ رأسه شيء: المرض والموت والفقر، وكلّهن فيه وإنّه لمعهن لوثّاب.
وعن أمير المؤمنين علي عليه السلام: الحمد لله الذي جعل تمحيص ذنوب شيعتنا في الدّنيا بمحنتهم لتسلم بها طاعتهم ويستحقّوا عليها ثوابها.
وعن الإمام الصادق عليه السلام انه قال: إنّ بلاياه محشوّة بكراماته الأبديّة ومحنه مورثة رضاه وقربه ولو بعد حين.
وعنه أيضاً: إنّ الله تبارك وتعالى إذا أحبّ عبداً غتّه بالبلاء غتّاً وثجّه بالبلاء ثجّاً فإذا دعاه قال: لبّيك عبدي، لئن عجّلت لك ما سألت إنّي على ذلك لقادر ولكن ادّخرت لك فما ادّخرت لك خير لك.
في هذا الزمان بالذات، علَت أصوات الآذان في كافة أركان الارض حتى تلك الأماكن التي كانت تمنع المسلمين من رفع صوت الأذان علناً، وأزداد القرب من الله عز وجل وعجّت اليه الأصوات بمختلف لغات العالم، أملاً في الخلاص من الوباء.
وفي هذا الزمان أيضاً، تجلّى الإيمان بالغيب واللجوء إلى من له القدرة على كشف الضر، وأنتبه الكثيرون لفقرهم أمام ارادة الله تعالى لأن المال والجاه عجزا عن دفع هذا البلاء.
بل نجد أن منحى الفواحش والحوادث والاعتداءات ومجالس اللهو تراجع كثيراً بين البشر خشية الاختلاط والإصابة بالعدوى.
والمفارقة الكبيرة أن (كورونا) جعل الأمم الفقيرة تتمنى إن لا تتشبه بالدول العظمى، لكنه بالنتيجة أوصل للعالم أجمع رسائل بليغة تخطَّت حواجز اللغة والعرق والدين والصفات الدنيوية ليفهمها كل البشر... رسالة مفادها (عودوا الى الله).