الاسلام في افريقيا (القبض على الجمر في عالم متغيّر - مسلمو نيجيريا)


 

حبا الله أفريقيا بنعم وافرة أولها الماء الغزير والمطر الذي لا ينقطع في بعض مناطقها على مدار العام، ولذا كانت موطن الانسان الأول ومكان تشييد المجتمعات الزراعية الأولى، وهي اليوم تنتج أكثر من نصف ذهب العالم، وتسعة أعشار الألماس والراديوم منه، فضلا عن الفوسفات والبترول والمنغنيز والكوبالت والنحاس والقصدير والفضة وغير ذلك.

وفي هذه القارة السمراء وعلى سواحلها الغربية تقع نيجيريا على مساحة جغرافية تشكل ثلاثة أضعاف مساحة الجزر البريطانية فتشمل السهول الساحلية في الجنوب والمرتفعات في الغرب، في حين تغطي مناطق الشمال والشرق أنهار (نهر النيجر والبينوئي) ومياه أمطار وفيرة جعلت هذه المناطق من اكثر مناطق نيجيريا جذبا للزراعة بوجود درجات حرارة مثالية تتراوح بين 25- 35 درجة على مدار العام، ولذلك توزعت منتوجات نيجيريا بين القطن والكاكاو والموز والقمح والذرة وفستق العبيد وتربية المواشي الذي يتجاوز العشرين مليون رأس من الأغنام والبقر.

 وبالرغم من هذا المناخ الملائم والمياه الوفيرة في أفريقيا لكنها من القارات قليلة السكان قياسا بخيراتها ومواردها، وأهم الاسباب التي تقف وراء ذلك هو تهجير السكان الأصليين بالإكراه (أي ما يعرف بالنخاسة) أيام الاستعمار البرتغالي 1500م ثم البريطاني والفرنسي 1900م الى امريكا واوربا للعمل بالمزارع والمصانع التي يديرها الاوربيون، وقد نقل من أفريقيا بحدود الأربعين مليونا من سكانها للعمل كعبيد بدون أجر وبلا حقوق، أما نيجيريا فهي من البلدان الافريقية التي تمتاز بوفرة طاقتها البشرية حيث يصل عدد سكانها الى اكثر من ستين مليون نسمة.

وقد عرفت نيجيريا الاسلام وثقافته عبر شمال البلاد الذي يحاذي بلدان عرفت بدورها الاسلام اما عن طريق التجار المسلمين الذين كانوا يجوبون الصحراء معروفين بأمانتهم وصدقهم مما تركوا أثرا في نفوس السكان والناس، بينما تشير الحقائق التاريخية الى أن الاسلام وصل الديار النيجيرية أيام دولة المرابطين في بلاد المغرب العربي التي كانت تخوض حربا شرسة مع ملوك إسبانيا فحاول أمير دولة المرابطين (سعيد بن تاشفين ت500 هجري 1109م) أن يوسع نفوذه ويكسب الأمراء الأفارقة الى الاسلام من أجل دعمه وتأييده فنجح في ذلك ودخل أناس كثر من بلاد نيجيريا الى الاسلام وعاشوا مسلمين وحفظوا القرآن وكتبوا حروفهم بالعربية ولا سيما في الشمال النيجيري، بينما عاشت القبائل الأفريقية في الشرق والجنوب وهي على دين الوثنيات الأفريقية القديمة حتى دخول الاستعمار وقيامه بمحاولات تنصير السكان النيجيريين طواعية مرة او بالإكراه مرة اخرى، وقد جرت أشد موجات التنصير في جنوب البلاد حيث الساحل الطويل الذي يقع على المحيط الأطلسي.

ولذلك فإن من يدخل نيجيريا اليوم يجد أهل الشمال وهم من قبائل (الكانوري والحوسا والفولاني) متأثرين بالعادات الاسلامية من إكرام الضيف والتستر على النساء وقراءة الموالد والأذكار النبوية والتقيد بختان الأطفال الذكور الى جانب العمران الشبيه بالأمصار الاسلامية كالقباب والابواب المقوسة وشيوع النقوش ذات الايحاء الاسلامي الخاص، على العكس من أهل الجنوب الذي يعيش أغلب ناسه وهم من قبائل (اليوروبا) حياة متأثرة بنمط الحياة الاوربية من لبس النساء ووجود الخمور على الموائد وعدم التحرج من اختلاط الذكور بالإناث في الدراسة والعمل والسكن كما هو الحال في العاصمة لاغوس مثلا.

وتعد مدينة (سوكوتو) الشمالية من أكبر المدن الاسلامية في نيجيريا، ولهذه المدينة وللمدن والقرى الشمالية الاخرى مشيخة تنتقل بالوراثة ويتمتع الشيخ بمنزلة روحية كبيرة بين عموم المسلمين في البلاد، ويكون الشيخ بمثابة الأمير الاسلامي الذي يأمر فيطاع عند أتباعه ومريديه، ويصلي المسلمون الجمعة في المسجد الكبير بالمدينة (سوكوتو) التي تضم مسجدين فقط وعشرات الكنائس علما أن نسبة المسيحيين في هذه المدينة أقل من خمسة بالمائة من عدد السكان!!!

وقد حاول المستعمرون زعزعة هذه المنزلة بين شيوخ المسلمين وأتباعهم بشتى الطرق والوسائل، وإذا كان سكان شمال نيجيريا أغلبهم مسلمين فأن أقليات اسلامية تتوزع أيضا بين شرق البلاد وغربها وجنوبها بحيث تجعل نسبة المسلمين في عموم البلاد بأكثر من نصف السكان.

أما أهم هذه الوسائل التي اتبعها البريطانيون حينما دخلوا نيجيريا فوجدوا الاسلام دينا مرموقا حتى بين غير المسلمين من البدائيين الأفارقة، فهي تمثلت من خلال الآتي: منعوا الكتابة بالعربية وحاربوا تعليم القرآن في الكتاتيب المنتشرة عند المساجد وفي القرى، وحاربوا الاحرف العربية وفرضوا الحروف الانجليزية للتعليم والدراسة، وحاولوا تشويه صورة المسلمين والاسلام من خلال الدعوة الى النصرانية والتبشير بها في مجتمعات تعاني الفقر الشديد والعوز والمرض، كما سعوا الى تفريق أمراء المسلمين في شمال نيجيريا وعدم جمع كلمتهم على موقف سواء من أجل البدء في تذويب هذه الامارات الاسلامية.

وفوق التركة الثقيلة التي تركها الاستعمار البريطاني على الشعب النيجيري الذي ادخله في حروب ونزاعات داخلية مازالت آثارها حتى يومنا هذا، وعلى المسلمين من هذا الشعب على وجه الخصوص؛ فإن دخول اسرائيل الى مناطق الشمال النيجيري بعد أن دخلت مناطق الجنوب والشرق والغرب وسعيهم الى تغيير صورتها التي يعرفها عنها مسلمو نيجيريا من كونها دولة لقيطة اغتصبت أراضي الغير وهجرتهم في البلدان تحت قوة السلاح يعد من أخطر المؤامرات التي تحاك ضد هذا الشعب المسلم الذي يحمل ثقافة تعود الى قرون طويلة والسعي من أجل تغيير مواقف الناس من هذه الدولة اللقيطة وهو من الامور الخطرة التي ينبغي على كل المسلمين الالتفات اليها والعمل على فضحها ومنعها بمختلف الوسائل، فإسرائيل لا تهدف الى استصلاح الأراضي وإنشاء الشركات وبناء المستشفيات كما تدعي، وإنما هدفها إحكام القبضة على العالم الاسلامي وتطويقه من أجل التحكم بمقدراته وخيراته الى الأبد.

ولعل ما حدث في السنتين الأخيرتين من بطش ممنهج لأتباع الحركة الاسلامية التي تنادي بحقوق المسلمين دليل واضح على تدخل اسرائيل بشؤون هذا البلد من خلال تقديمها يد العون والمشورة المعلوماتية والاستخبارية للحكومة النيجيرية من أجل ردع قادة هذه الحركة من النيجيريين وثنيهم عن مطالبهم ورميهم في زنزانات التعذيب والسجون من دون محاكمات أصولية وقانونية، وهو ما يدعو كل المسلمين للتدخل الفوري لحماية من وقع عليه الجور والحيف فـ(من بات ولم يهتم بأمر المسلمين فليس منهم).

 

التعليقات
تغيير الرمز
تعليقات فيسبوك