الشيخ علي الفتلاوي
ذكرت الروايات التاريخية ان أبا الدرداء تتبع الامام علي (عليه السلام) في احدى الليالي فرآه يصلي عند نخيلات في وسط الظلام له أنين ولما انتظره حتى يفرغ سكت أنين الامام فذهب اليه وناداه فلم يجبه فحركه فاذا هو كالخشبة اليابسة، عندها قال ابو الدرداء لا حول ولا قوة إلا بالله لقد مات علي (عليه السلام).
فأسرع الى بيت السيدة فاطمة عليها السلام واخبرها بما حصل، فقالت: كيف وجدته؟ قال لها كالخشبة اليابسة، فقالت عليها السلام: علي لم يمت ولن يموت الآن ولكنما هي الخشية التي تصيبه، لماذا تصيبه الخشية حتى يكون كالخشبة ويخيل للرائي انه فقد فارقت روحه الحياة؟
الجواب: لأنه عرف ربه، ولكن ماذا عرف من ربه؟
عرفه بحسب علمه بربه، فعلي (عليه السلام) يعرف الله تعالى غير ما يعرفه الناس فلذا لا يستطيع إلا أن يكون خاشعاً (وروي عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وآله يا علي ما عرف الله إلا أنا وأنت)، وفي هذا دلالة على ان هذه المعرفة هي المعرفة الكاملة التامة بالقياس الى جميع الناس، فلذا لأن علياً (عليه السلام) عرف ربه حصلت له هذه الخشية التي جعلته يقع كالخشبة اليابسة.
ولكن لو سأل سائل ما هي العلاقة بين المعرفة وبين وقوع الخشية؟
فالجواب: ان المعرفة بالشيء تؤدي الى الشعور بعظمة ذلك الشيء او بخسته وحيث ان معرفة الامام (عليه السلام) لربه تؤدي الى العظمة والعظمة تؤدي الى الوقوع في الخشية والرهبة من ذلك العظيم، فوقعت الخشية لعلي (عليه السلام) ولكن هل لك ان تفسر ذلك؟
فأقول:
1- ان معرفتي بأن الله تعالى قد خلق الخلق من لا شيء سابق، وخلقه بلا عناء ولا تعب ولا عوامل اخرى تتعلق بالمكان والزمان بل قال له كن فكان، ودبر شؤون خلقه بأحسن تدبير، ولم يهمل احدا مهما صغر ومهما كبر.
2- لأنه تعالى تعهد خلقه باللطف والرأفة واعطى من سأله ومن لم يسأله تحننا منه ورحمة، فتنعم المؤمن بنعمه، وتنعم الكافر بنعمه لسعة رحمته، وبرغم انكار الكافر لوجود المنعم إلا ان المنعم يغدق عليه ليلا ونهارا، وان دل ذلك على شيء فإنّما يدل على سعة رحمة هذا الرب وعظمته.
3- قد يعطي الجواد لمن يشكر العطاء، وقد يعطي لمن لا يشكر ايضاً ولكن ان يعطي لمن لا يشكر وفي الوقت ذاته ينكر العطاء (فشرّنا اليك صاعد، وخيرك إلينا نازل) فهذا امر عظيم لا يقع الا من العظيم فما هذا الجود وما هذا الحلم وما هذا العظمة؟
4- خلق الكون وسخر ما في السماوات والارض للإنسان (أَلَمْ تَرَوْا أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ) – لقمان 20-، ليصل الانسان الى كماله وهي العبودية الحقّة فهل لهذا التسخير من شكر؟
5- ولأن الله تعالى حليم يحلم على زلاتنا وذنوبنا، ولأنه تعالى لم يؤاخذ أهل الأرض بألوان العذاب بسبب تقصيراتهم، ولأنه يدعونا للتوبة رغم اصرارنا على المعاصي رحمة بنا، ولأنه حتى ينقطع النفس، أفلا يستحق هذا الرب ان نستحي منه ونخشاه ونراه عظيماً فيغشى علينا؟
6- الامام علي (عليه السلام) هو الفرد الأكمل بعد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فخلق الله تعالى هذا الكون لأجل ذلك الفرد الاكمل ليؤدي دوره وحجيته على الخلق وقيادته الناس الى الصراط المستقيم، ولأنه الأعلم بالله من جميع الخلق فلا عجب ان يخشع ويغشى عليه.